رسالة!!
بقلم : تمارا محمد ... 05.02.2017
قـــــرار: استيقظت هالة هذا الصباح باكراً، بعد أن قضت ليلها تفكّر باحثةً عن الشيء الوحيد الذي سيرحل معها ويرافقها متى أغلقت باب هذا المنزل.
اتجهت نحو غرفة طفلهــــا الصغـــير الذي غادر الحياة قبل أن يـــــراها، واختارت ذاك القميص الأزرق الذي تذكُر كيف تسارعت دقّات قلبها فرحاً حينما رأته على «الفــاترينا» لأول مرة.
« أما بعد… لربما جاء قرار مغادرتي متأخراً، فعند الخسارات الكبرى تأتي النهايات الحاسمة، وبدأتُ أُحصي خسائري المتعددة وعجــــــزي الذي طالما هــــزمني أمام مواجــــهة تخطّيها، إلى أن جاءت هــــذه القوة مُعلنةً أنّ حسم النهايات حتماً سيسلك طريقــــه نحو وجهته الأخــــيرة حينـــما يصبح لمرارة الأثر مذاقاً مختلفاً يفوق كافة المرارات التي تجرعتها سابقاً.
دُمت وحيداً بين خسائرك ..
نافذة : هناك في الزاوية الصغيرة أمام النافذة المطلّة على الشارع الذي يعج بأصوات الأطفال والسيارات وبائع الحلوى، اختارت نور الجلوس دائماً تراقب من أتى ومن رحل، فاليوم استطاعت أن ترى باسم ذاك الطفل المشاكس الذي اشتهر بصوته المرتفع، ينزل من الحافلة مودّعاً أصحابه ومردداً « غداً أراكم»، وأمام المتجر وقفت طفلة صغيرة وأخذت تبكي وتصرخ «أريد هذه الدمية يا أمي، رفيقتي سارة تضع في غرفتها دمية تشبهها تماماً».
أما هناك فوقفت ريم تلك الطفلة التي غالباً ما شعرت نور بوجود خيط مشترك يشدّها لعالم ريم المُطل بقرب عمّا اكتفت هي بمراقبته عن بُعد دون النزول إليه. فهي مثلها تماماً اختارت أن تقف وحيدة في ذاك الركن الصغير المطل على متجر الدمى، الذي يمكنك أن ترى مدى جماله عندما تنظر إلى عيني ريم، فحب الشيء لا يعني حتماً قدرتك على امتلاكه. «صديقتي ريم لربما لم أستطع اللحاق بكِ، واكتفيت بالجلوس على هذا الكرسي الذي عجزت قدماي عن مغادرته مُستعينةً فقط بما استطاعت أن تنقله لي نافذتي، ولربما عجزتِ أنتِ أيضاً عن امتلاك تلك الدمية التي طالما حلمتِ باقتنائها، إلّأ أنّنا تمكنّا من رسم عالمنا بقلوب لم ينل العجز منها».
دُمتِ ودُمتُ بنافذة ودمية وأمل…
صندوق: «أبي أكتب لك رسالتي هذه وأنا أنتظر بشوق رؤيتك قريباً، لعلّك تذكُر ما حملته لك رسالتي السابقة وما أجابتني به المعلمة في حصة اللغة العربية حينما سألتها كيف نخاطب من كان بعيداً عنّا وفشلت فرصة تلاقينا به، وما نملكه من وسيلة في كتابة الرسائل التي حتماً ستصله. واليوم أكتب لك رسالتي لأخبرك أني لم أعد أحتمل وعود أمي المتعددة، ففي المرة الأخيرة قالت أنك ستكون بانتظارنا في إجازة نهاية الأسبوع، وها هي الإجازة تُشارف على الانتهاء ولم نأتِ لرؤيتك، وبعد قليل ستأتي أمي كما اعتادت دائماً تطرق باب الغرفة وتخبرني عن السبب الذي حال دون رؤيتنا لك هذه المرة. في المغلف الأبيض داخل الصندوق الصغير وضع أحمد رسالته، وهو الصندوق الذي أخبرته والدته مراراً عن قدرته العجيبة التي يمتلكها في إيصال رسالته لأبيه، طالما وضعنا الرسالة به وحافظنا على بقائه مُغلقاً. حينما يكبر أحمد ويدرك إمكانية فتح ذاك الصندوق العجيب بسهولة، سيكتشف أنّ الرسائل لم تُضع طريقها ووالدته لم تُخلف وعودها، وأنّ والده الذي فارق الحياة ترك له ذاك الصندوق العجيب الذي من شأنه أن يحتضن كلماته الطفولية التي عجزت عن الوصول إليه.
رسائل متعددة تسكن هذا العالم، فأنت صاحب القلم الذي خطّها تارةً، وأنت من اختارت أن تصله تارةً أخرى، ومنها رسائل لم يخطّها قلمك ولم يصلك ورقها، بل اختارت الحياة أن تحملها إلينا. ٭ قاصة من الأردن
www.deyaralnagab.com
|