logo
رحلة العائلة غير المقدسة.. وعذاب المهمشين في الأرض!!
بقلم : حمدان عطية ... 11.04.2015

عن الدار المصرية اللبنانية صدرت رواية : “رحلة العائلة غير المقدسة” بقلم عمرو العادلى، تتحدث الرواية بصوت الملايين المتحلقين حول القاهرة فتكشف رحلاتهم المقدسة من وجهة نظرى للدخول لعالم المدينة الحقيقية لكنهم مع الأسف يظلون يتدربون على رحيل يليق بريفيين لفظتهم القرية ولم تفتح لهم المدينة أبوابها.
يحفر الراوى عميقا فى ذاكرته ليكتب بداية الرحلة وبداية وعيه على العالم هناك على الرشاح ببيوت (سويسى) لتميزها بعدم استقرارها كحياة ساكنيها فهى لا تتجاوز الدور الواحد وربما أقل بمواد مختلطة من طوب وبقايا بناء مُهدم بما ترميه المدينة الحقيقية من مخلفات .. مخلفات تمتد لتكون رافدا لطعامهم أيضا يشترك السريحة بتجديد مواردها بما يتخلصون منه من مخلفات عجزوا عن تخزينها ليستقبلوا يومهم المضنى ببضاعة تكون أكثر نضارة ربما تجذب زبائن شحيحين ، أمه رفضت الفقر وتحايلت عليه بما تجلبه من أشياء صالحة للأكل أو المعيشة وأبيه تحايل بما تركه مرضى قصر العينى من بيض وعيش ناشف وأخيه بعمله بالورش ، حياة تستميت بمناطحة الظروف وقسوتها لكنها لا تفقد الأمل بغد أفضل ربما يأتى لجيل قادم قال لأمه حين التحق بالعمل مع أخيه بالورشة وعاد بأجر يزيد على أجر والده ما الفائدة من الذهاب للمدرسة ما دمت أحصل على أجر يفوق أجروالدى ؛ تغيرت ملامحها واشمئزت فنهضت لتضع أمامه قائمة المواريث التى تنتظره ( حذاء مثقوبا وقميص يتجلد بالعرق) قائلة بحزم ( هما دول اللى حتورثهم لو ما كملتش تعليمك!! ) لا يكشف الراوى كثيرا من حياة والده بالقرية إلا ضيقه من قلة الأجر وهروبه للمدينة يبحث عن عمل فيلتحق بمحل للكشرى ويتغيب فترة طويلة عن بيته بالقرية مما يدفع زوجته والدة الراوى لتأتى على جرار زراعى تبحث عنه وبصحبة أخيه الساكن بالقاهرة تجده ، يستأجران شقة صغيرة لا يرتاحان فيها لرداءة سلوك صاحبها فتخرج العبارة المحورية من فم أخيه لتغير مسار حياته ( لابد من بيت مِلك)
يمضى والد الراوى وعلى ضفة رشاح على أطراف المدينة يؤسس للبيت المِلك الذى ستأتى الحكومة ببلدزوراتها وكلابها البوليسية فتسويه بالأرض ، تخر ذاكرة الراوى بوصف البيت الذى تملئه العناكب والحشرات والثعبان الذى كاد يقتل أخيه المُقعد والأم بحنانها وذكاءها تبعث الحياة بهذا البيت وتربى الأمل يمعن الراوى بوصف مشاهد الازالة وتحتل مساحة كبيرة مرعبة كأنما قامت قيامة الساكنين على الرشاح ولعل هذه الاطالة تأخذ من حيز التعمق بحياة شخوصه إنه يمنح السرد الخارجى مساحات أكبر، تنتقل العائلة غيرالمقدسة للسكن مع العم فتنفتح أعينها قليلا على الحياة المدينية لا تلبث أن تمضى لسكن آخر ضيق ومنه لمساكن الايواء بجوار المقابر أكشاك فقيرة من الخدمات كأن الدولة تريد منهم الالتحاق سريعا بجيرانهم الموتى الحقيقيين فترى الذى قطع حياته بأكملها ــ حتى صار عجوزا ــ بانتظار الشقة لا زوجة ولا أولاد مجرد غلالة رقيقة بها شهيق وزفيرتمضى به الأيام وحيدا حتى يفتقده جيرانه فيدخلوا عليه كُشكه ليجدوه هيكلا عظميا تنعيه بيجامته المهترئة وشبشبه المربوط بسلك !
إنها رواية تفضح حياة الهامش وتدين المتن وتضع أسئلة حول الاقتلاع من الجذوروتبعاته بعدم التكيف ورداءة الحياة..
أتذكر جمال حمدان حين قال :
“كل كوبرى.. كل شارع مرصوف.. وكل طريق جديد بالقاهرة.. كل هذا وغيره مسروق من الأقاليم التى تطرد ساكنيها فيأتون لعذابهم وموتهم العشوائى”!

كاتب وروائي مصري

www.deyaralnagab.com