logo
البادية اليمنية: رمل وشعر وخيام!!
بقلم : سعاد الحدابي ... 06.09.2014

يقول الشاعر الجاهلي: «تبصَّر خليلي هل ترى من ظعائن/ تحمَّلن في العلياء من فوق جرثم» تذكر هذا البيت الشعري من العصر الجاهلي، وأنت تركب السيارة متجهاً إلى البادية العربية في بلاد اليمن، حيث تخرج من صنعاء متجهاً جهة الشرق، حيث محافظة مأرب الصحراوية والغنية بالنفط. حيث تمر على بيئة مشابهة لبيئة العربي القديم في حله وترحاله.
وبمجرد نزولنا من «فرضة نهم»، وهي سلسلة جبلية تفصل العاصمة صنعاء الواقعة على سفح سلسلة جبلية، عن مأرب الواقعة في سهل صحراوي، بمجرد النزول تلوح على البعد جماعة من الركبان وقطار من الإبل لتعيد لنا الصورة المحفورة في عمق التراث العربي، صورة البدوي المرتحل بين أسفار الأمل باحثاً عن موطن جديد، و لازالت تلك الصورة القديمة ممتدة في هذه الصحراء المترامية الأطراف وتلوح آثار ملكة سبأ وسد مأرب، وعرش بلقيس وغيرها من الآثار المدفونة في الصحراء. وتلوح قوافل من البدو، وبيوتهم الممتدة من هنا وعلى طول امتداد الصحراء العربية في تخوم نجد وأطراف عمان، وبادية الشام والعراق في تشابه مثير. حيث يحدو الإنسان أمل في مستقر راغد.
ونتجاوز تلك الصورة- التي لن نجدها إلا في هذا الامتداد الذهبي- ونأخذ طريقاً رملياً بين أشجار السدر والكثبان الرملية الصلبة، حيث تأخذ السيارة طريقها في مرتفعات من الرمل المتصلب، ومع كل ارتفاع وآخر نحبس أنفاسنا لنبدأ في النزول من المرتفع الرملي، لا أدري كم كان عدد المرتفعات الرملية المتتابعة والتلال الضخمة، التي انفرجت عن طريق ملئ بالحصى الصغيرة، لاحت لنا على البعد مساكن القرى المتناثرة هنا وهناك، كنا قد مررنا بقرى عديدة وبدت لنا على البعد العديد من هذه القرى المتناثرة على امتداد السهل الصحراوي.
كانت البيوت في غالبيتها بيوتاً طينية، حيث بُنيت من المادة الرملية المتحجرة وكثيرة هي البيوت المبنية من الطين في مدينة مأرب عموماً، حيث يتم توفيرمواد البناء بأدوات بدائية بسيطة تمثل حرفة لبعض المهرة من أبناء الصحراء.
أما النمط المعماري فيعتمد على رغبة صاحب البيت، وعادة ما تكون نوافذ المنازل نوافذ خشبية في غالبيتها، وتُزين بالقمريات،ويلاحظ انتشار عدد من البيوت الحديثة التي تعتمد على الاحجار والاسمنت ونوافذ الالمنيوم والزجاج وخصوصاً في مأرب والجوبة وحريب، المناطق التي يغترب ابناؤها في دول الخليج العربي ورغم الطفرة التي بدأت تبسط ظلالها على ملامح المدينة القديمة إلا أن الحياة لا تزال بسيطة وسهلة، فتجد البناء القديم متجاوراً مع الحديث، وقد يكون البناءان في فناء واحد، فالبدوي يعتز بوفائه لممتلكات أسرته وموروث أجداده، ولا يجد حرجاً في وجود الخيمة بجوار الستالايت. ولاتزال الخيمة تجمع الناس في تجمعات الأعراس والمآتم، لاسيما والدعوة تكون عامة للجميع ولا تُستثنى فيها جماعة دون أخرى، فعادة حصر المدعويين في بطائق حضور لا وجود لها في ثقافة هذه المدينة.
أما حرف أهل المدينة فتكاد تكون محصورة في الزراعة رغم شح المياه، كما أن الرعي لا يزال حرفة لدى قلة من الأسر التي لم يغترب أبناؤها في دول الجوار، إضافة إلى عمل بعض منهم في قيادة سيارات الأجرة والتدريس في مدارس المدينة أو القرى البعيدة، وقلة الأعمال في المدينة تمثل تحدياً للرجل، في هذه المدينة فعليه أن يتحمل أكثر من غيره، فالرجولة تعني توفير حياة كريمة لأسرة تتكون من عدد كبير من الأفراد.
أما نمط الحياة الاجتماعية في مأرب فلا يزال يحتفظ بنمط الأسرة الكبيرة، فيتزوج الأبناء إلى بيت والدهم، ولكل ولد غرفة أو جناح يخصه، بينما تكون الأم الكبيرة هي مسؤولة عن إدارة شؤون البيت بين بناتها ونساء أبنائها، وتمثل الأسرة في الواجبات الاجتماعية كالأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى، وكما أن عليها تحديد مهام نساء البيت الواحد. وعادة ما يكون في البيت نساء أزواجهن في بلاد الغربة ويكون دور الأب أو الأخ الأكبر هو المسؤول عن تدبير مصروف البيت واحتياجات النساء والابناء. ونجد ترابطاً كبيراً بين أفراد البيت الواحد قلما يكون موجودا في المدن الأخرى، فالابن لا يجد حرجاً في الخضوع لإرادة الأسرة ويفضل البقاء مع والده في البيت الكبير، ولعل طبيعة العيش في الصحراء فرض عليهم نمطاً من الحياة يتمثل في اغتراب كثير من الأبناء في دول الجوار بحثاً عنعيشة أفضل.
أما النمط السائد للنسيج الاجتماعي فيتمثل في وجود مجموعة من القبائل تحتكم إلى الأعراف القبائلية ولا تخضع عادة لسلطة الدولة التي تتمثل سيادتها في عدد من المعسكرات والمراكز الحكومية المتواجدة في محيط مدينة مأرب السد فقط. ولكل قبيلة شيخها ومرجعيتها التي تغنيها عن التحاكم إلى سلطة الدولة، ويكون التناسب بين هذه القبائل حسب كفاءة أفرادها، فيمكن للقبيلي أن يتزوج من القبيلة الأخرى إذا كانت القبيلتان متكافئتين نسباً. كما لاتوجد نظرة عنصرية لمن يمارس مهناً بسيطة كالجزارة وغيرها، فالناس هنا جميعهم لايستعينون بجزار أو حلاق، فيمكن للقبيلي أن ينفع نفسه بنفسه.
أما الحياة الثقافية في المدينة فتتمثل في موروث عربي عريق يتمثل في الشعر النبطي الذي يبدو في متناول كثير من الشعراء، و لكل قبيلة شاعرها الذي يعدد مناقبها ويذكر رجالها في التجمعات والمناسبات الاجتماعية المتعددة، أما ما يخص المدارس، فلا تتناسب وازدياد عدد الطلبة، لاسيما في بيئة تفصل البنات تماما عن الأولاد ولذلك كان حظ الأولاد في إتمام دراستهم أفضل من البنات، كون الدولة لم توفر العدد الكافي للمدارس غير المختلطة، والقبيلي يربأ بابنته أن تزاحم الأولاد في مقاعد الدراسة، فهو لايجد غضاضة من تركها في البيت بينما يواصل أخوها الدراسة، ونلحظ نسبة ضئيلة لطالبات استطعن إكمال الثانوية العامة بمعدلات مرتفعة. كما أن عددا من الأولاد لا يكملون الدراسة بسبب إيفادهم لبلاد الغربة لتوفير متطلبات الأسرة أو لسبب تزويجهم في عمر مبكر، مما يضطرهم للغربة أيضاً.
وتتسم الحياة الاجتماعية بالبساطة، ويغلب على الجيل الأول سمة المرح وتقبل الحياة بما فيها بروح الفكاهة، فالبدوي لايخجل من تناول أمور حياته بالضحك والفكاهة، والنكتة تلقى سجيتها شأنها شأن الحياة البسيطة من حوله، فالرسميات تختفي مع بساطة الحياة وتلقائيتها.


www.deyaralnagab.com