أوروبا التي تنعطف إلى الفاشية!!
بقلم : سمير الزبن ... 06.10.2022
لا تنجو دولة من دول الاتحاد الأوروبي من مدّ يميني متطرّف وعنصري، وهي موجة تطبع التاريخ الأوروبي في هذه المرحلة، والتي تهدّد التراث الأوروبي الذي تكرّس بعد الحرب العالمية الثانية. ويبدو أن زمن العداء للأفكار الفاشية والنازية والعنصرية قد ولّى في أوروبا التي بنت تراثها ما بعد الكارثة في الحرب العالمية الثانية، والتي تسببت بها الأحزاب النازية والفاشية، والتي تشكّل آباء لليمين الأوروبي الحالي، فخلال الأعوام القليلة الماضية، مثّل صعود هذه الأحزاب معطىً ثابتاً. صحيحٌ أن الأفكار القومية والمتطرّفة لم تزل تماماً من أوروبا، وبقيت أحزابها هامشية، لكنها لاقت تأييداً واسعاً في السنوات الأخيرة، وباتت قوى رئيسية في الدول الأوروبية. فعلى سبيل المثال، حزب ديمقراطيي السويد الذي ولد من رحم الحركة النازية الجديدة في العام 1988، حصل على تمثيل بنسبة 5.7% من الأصوات عام 2010، ثم ارتفعت النسبة إلى 17.5% عام 2018، لتصل في الانتخابات التي جرت قبل أسابيع إلى 20.6% ليصبح أكبر حزب يميني في السويد وثاني أكبر حزب في البرلمان السويدي، ويتحوّل إلى صانع الملوك في الحكومة التي ستتشكل خلال الأسابيع المقبلة، والمتحكّم بها، والتي لا يمكن أن تقوم من دون دعمه.
ولليمين المتطرّف في إيطاليا قصة نجاح صاروخي، فحزب "إخوان إيطاليا" حزب الفاشية الجديدة، والذي كان بعض أحفاد موسوليني من بين مرشّحيه في الانتخابات السابقة، قد حصل على 4.4% في انتخابات العام 2018، وحصل في الانتخابات التي جرت في أثناء كتابة هذه السطور على حوالي 26% من الأصوات، وهو ما سيمنح زعيمة الحزب، جورجيا ميلوني، الفرصة لحكم إيطاليا بائتلاف يميني. وفي الانتخابات الرئاسية الفرنسية في إبريل/ نيسان المنصرم، صحيح أن إيمانويل ماكرون فاز بنسبة 58.5%، إلا أن اليمينية المتطرّفة مارين لوبان قد حصلت على 41.5% من أصوات الناخبين، ولوالدها مؤسس حزبها جان لوبان تاريخ طويل من التصريحات العنصرية. وكذلك الحال مع حزبي البديل الألماني وفوكس الإسباني وغيرهما من الأحزاب اليمينية المتطرّفة.
ليست القوى اليمينية المتطرّفة الصاعدة في أوروبا واحدة، لكنها تملك سمات مشتركة، فهذه الأحزاب، سواء كانت تعمل في إطار العملية الديمقراطية لهذه البلدان أو في خارجها، تشترك في خطاب يتمركز حول وجود تهديد عرقي للمواطنين الأصليين للبلدان التي تعمل فيها هذه الأحزاب. ويترافق هذا التهديد مع تهديد ثقافي تحمله المجموعات العرقية الغازية، فيه تحمل ثقافة معادية لثقافة المجتمعات الأوروبية، وبذلك تصبح المهمة المركزية هي حماية الهوية القومية، والتي لا يمكن حمايتها من دون وقف حركة الهجرة بوصفها التهديد الأبرز للهوية القومية. كما تشترك هذه الأحزاب في إنتاج صورةٍ متعاليةٍ للذات القومية عن الآخرين، بوصف المجموعة العرقية التي ينتمي إليها أرقى من الآخرين. ولذلك، ترفض هذه القوى فكرة التنوع الثقافي لبلدانها، على اعتبار أن التنوّع يشكل تهديداً للهوية القومية والثقافية للبلد، والتي هي موضع فخر هذه المجموعات.
يمثّل صعود اليمين المتطرّف الشعبوي في البلدان الأوروبية تحوّلاً في الأفكار والآراء السياسية، ما يعكس نفسه في تحوّلات في البنية السياسية لهذا البلدان، علما أن هذا الصعود قد استفاد من التدفق الكبير للاجئين الذي حدث خلال العام 2015 وبعده، بتوظيف قضية اللاجئين بوصفها أساس كل المشكلات في هذه البلدان، كما ساهم وباء كورونا والأزمات الاقتصادية التي تسبّب بها بهذا الصعود. ورغم هذه الأسباب، تسبّب هذا الصعود لليمين المتطرّف في انقسامات عميقة في المجتمعات الأوروبية، ما يهدّد مستقبل الاتحاد الأوروبي ذاته. كما تزامن هذا الصعود مع تصاعد العداء للمسلمين، أو ما بات يعرف بـ"الإسلاموفوبيا"، وهو ما يعطي صورة نمطية قبيحة للمسلمين بوصفهم غير مندمجين في المجتمعات التي يعيشون فيها، يعيشون في "غيتو" يصدّر الإرهابيين إلى المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها، وبالتالي، يشكّل بؤراً للإرهاب يجب تجفيفها بمحاربة الهجرة والمهاجرين. وقد زادت هذه العدائية من مخاوف المسلمين في أوروبا، خصوصا مع استخدام الحكومات ذاتها خطاباً متشدّداً مضاداً للمسلمين للمزايدة على القوى اليمينية، بهدف كسب بعض الأصوات الانتخابية. ولم يقف الأمر عند الخطاب السياسي، بل اتخذت هذه الحكومات خطواتٍ ضد الجاليات المسلمة لتعزيز موقعها في الشارع الانتخابي. والرئيس الفرنسي ماكرون النموذج المثالي لمثل سياسة كهذه بتصريحاته التي أدلى بها في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020، واعتبر فيها أن مسلمي فرنسا يمكن أن يشكلوا "مجتمعا مضادّاً"، وأن الإسلام يواجه "أزمة" في جميع أنحاء العالم، وأعلن عن خطة لمعالجة ما اعتبره "مجتمعا موازياً" في فرنسا.
خلال الحملة الانتخابية في السويد، غرّد أحد قادة "ديمقراطيي السويد" اليميني، مستخدماً صورة لقطار سويدي رسم عليه شعار حزبه، رسالة معادية للاجئين تقول "مرحباً بك في قطار العودة، بطاقة باتجاه واحد، المحطة القادمة كابول". استطاع "ديمقراطيو السويد"، وقبل أن يصبحوا صنّاع الملوك في بلدهم، أن يحوّلوا السويد إلى بلدٍ لا يطاق بالنسبة للاجئين، فقد أصيبت الأحزاب الأخرى بالعدوى بالسياسات المعادية للاجئين، والتي أقرّتها حكومة حزب الاشتراكيين الديمقراطيين خلال ثماني سنوات من حكمهم، جنحوا يميناً ليس في سياسات الهجرة التي جعلت اللجوء في السويد الأسوأ في أوروبا، بل هي حكومة قضت سنوات حكمها الثماني بموازنة مفروضة عليها من أحزاب اليمين، ولا شك في أن هذه السياسات الجبانة لليسار ساهمت في صعود اليمين.خطاب اليمين المتطرّف في أوروبا أن اللاجئين هم سبب كل المشكلات في أوروبا خطأ زائف، لأن المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها هذه البلدان ذات طبيعة هيكلية، ليس للاجئين أي تأثير عليها، فهي مشكلة في هيكل الاقتصاديات الحديثة. ومن سخرية القدر أن بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي بسبب اللاجئين تنوي رئيسة وزرائها الجديدة ليز تراس المحافظة زيادة الهجرة لتعزيز النمو الاقتصادي، كما ذكرت صحيفة صاندي تايمز قبل أيام.قوى اليمين المتطرّف استبدادية تستخدم الآلية الديمقراطية لتعزيز خطابها، وإن لا تشكل خطراً على الديمقراطية الأوروبية اليوم، لكنها ستصيبها بعطبٍ قد يصعب إصلاحه. رغم ذلك، تشكل خطراً داهماً على الاتحاد الأوروبي، فهي قوى معادية جذرياً لهذا الاتحاد، وتسعى إلى تفكيكه!!.
www.deyaralnagab.com
|