logo
الدولة مقصرة في قمعنا!!
بقلم : سهيل كيوان ... 15.09.2021

ما فكَّرَتْ به وخطَّطتْ له الأجهزة الأمنية الصهيونية تجاه المواطنين العرب الفلسطينيين قبل ستين عاماً، يبقى طيّ الكتمان، لكن بين حين وآخر يُسمح بنشر قطراتٍ منه، وذلك بطلب من معاهد دراسات إسرائيلية.
يُستدل من هذا القليل جداً، الذي يرشحُ بين حين وآخر، أن مسؤولي الأذرع الأمنية المختلفة رأوا في اجتماع لهم، في صيف عام 1965 أن الدولة مقصِّرة في قمع المواطنين العرب، وأنها لم تعمل بما يكفي للجم تطوُّرهم، وحذَّروا من أن تطور العرب في مجال التعليم، وزيادة أعداد الأكاديميين سيتحول إلى مشكلة في المستقبل، وأوصى البروتوكول بتعزيز النظام الحمائلي الموجود عند العرب، لأن هذا يخدم مصلحة إسرائيل.
ومن بين هؤلاء المجتمعين، ارتفعت أصواتٌ طالبت باختلاق فوضى أمنية في المنطقة، واستغلالها لطرد ما تبقى من الفلسطينيين، إلى خارج حدود دولة إسرائيل. ورأى المجتمعون أن التعامل مع العرب يجب أن يزداد قساوة وتشدداً، بحيث لا يكون شغلهم الشاغل سوى لقمة العيش والأمن الشخصي. وفي البروتوكول الذي نشر منه المؤرخ الإسرائيلي آدم راز في صحيفة «هآرتس» قبل بضعة أيام، أنه كان لدى العرب 100 أكاديمي فقط في عام 1965، المجتمعون حذروا من أن ارتفاع هذه الرقم إلى 5000 أكاديمي سيكوِّن مشكلة، ويجب كبح شهيتهم للتطوُّر، لأن هذا يعني تشكُّل طبقة وسطى مستقلة اقتصادياً نسبياً، وعملياً ستكون قادرة على أن تقول لا للعنصرية، وستعيد موقعها كجزءٍ من شعبها وهو ما تعتبره السلطة خطراً. التوصيات لم تنجح، وتجاوز العرب الرقم 5000 أكاديمي منذ عقود، وارتفعت نسبة الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية نفسها بصورة لافتة في العقدين الأخيرين، إذ بلغت عام 2019 حوالي 19% من نسبة الطلاب العامة في الجامعات الإسرائيلية. الجامعات الإسرائيلية اضطرت للتخفيف من العوائق أمام قبول الطلاب العرب، وذلك لعوامل اقتصادية، فهي في حاجة إلى ملء المقاعد الدراسية في مجالات كثيرة مثل، الطب والهندسة المدنية وغيرها، لأن الطلاب اليهود صاروا يتوجهون أكثر إلى الصناعات الدقيقة، حيث الربح أكبر، كذلك تيسُّر الدراسة للعرب في جامعات أوروبا، خصوصاً الشرقية، ثم الجامعات الأردنية، والجامعة الأمريكية في جنين، وبعض دول أوروبا الغربية، الأمر الذي أحدث تحوُّلا في أعداد الأكاديميين العرب، ورغم ذلك فإن نسبتهم ما زالت أقل من النسبة العامة مقارنة باليهود. يقدر عدد الأكاديميين العرب اليوم بـ115 ألف أكاديمي. ويحمل 12% من المواطنين العرب من سن 18 فما فوق لقباً جامعياً، أو على الأقل من مجموع مليون و550 ألف مواطن، هذا من دون احتساب سكان القدس الشرقية والجولان المحتلتين اللتين ضمتهما إسرائيل.
هذا يعني في المعايير الأمنية أنهم اليوم في خضم المشكلة، فالطبقة الوسطى العربية باتت واضحة الملامح، وفي طريقها للتبلور أكثر فأكثر، وباتت هي القوة الأكثر فعالية في المجتمع العربي، فما العمل؟ في تلك السنين كان تعزيز الحمائلية كما جاء في البروتوكول الأمني وسيلة لتفتيت المجتمع العربي وبعثرة طاقاته، تراجعت الحمائلية، فاستعاضت عنها بخلق حالة من فوضى السلاح، وغضِّ النظر عن نشاط عصابات الإجرام، الأمر الذي يعني تفتيت النسيج الاجتماعي والقلق المستمر على الأمن الشخصي، وإهدار الطاقات والجهود في صراعات ثانوية تافهة، بدلا من تكثيفها في اتجاه المطالب الأساسية في الحقوق القومية والمدنية.
الجريمة المنظمة ورقة رابحة بيد السُّلطة، تساوم المجتمع العربي من خلالها على تنازلات في الطموحات القومية والوطنية. ما فكَّرت فيه الأجهزة السلطوية أمنية وغير أمنية قبل ستين عاماً لم يتغيّر، فالهدف ما زال واضحاً وملموساً، لكن للحياة قوانينها أيضاً، فليس كل ما يخططون له ينجح، والصراع مع هذا النظام العنصري مستمر، ويتخذ أشكالاً مختلفة بين حقبة وأخرى، وعلى الأرجح أنه في طريقه إلى التصعيد، بسبب ارتفاع مؤشر العنصرية التي ترفض قبول مجتمع عربي فلسطيني متطوِّر ومستقر في الداخل، إلى جانب الإمعان في التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ككل.
من هنا نفهم الحماس الكبير الذي أبدته السلطات في الزَّعم بأن الفضل في إعادة أسر أسرى الحرية يعود إلى وشاية مواطنين من عرب الداخل، إمعاناً منها في سياسة التفتيت وتجزئة المجزّء، وزرع الشكوك وضرب الثقة بين أبناء الشعب الواحد، علماً أنها جندت 36 ألف شرطي وجندي، ومئات الحواجز لأجل القبض على الأسرى. ننظر اليوم إلى أهلنا في السنوات الأولى التي أعقبت قيام دولة إسرائيل، الذين عاشوا كأقلية صغيرة ومعزولة عن العالم الخارجي تحت حكم عسكري حديدي حتى عام 1966، فلا يسعنا سوى أن ننحني ونقول لهم شكراً يا أهلنا على صمودكم، نحن فخورون بأننا أبناؤكم، وإذا كانت السلطة قد فشلت في حينه في مخططاتها المظلمة، فلا يوجد أي مبرِّر لأن تنجح لا اليوم ولا في المستقبل.


www.deyaralnagab.com