الانتخابات الإسرائيلية ومزيد من اللاأخلاقية السياسية!!
بقلم : د. عبير عبد الرحمن ثابت ... 02.03.2019
لقد وجه النائب العام الاسرائيلى قبل يومين إلى رئيس وزراء دولة الاحتلال بينيامين نتنياهوا سلسة من التهم تتعلق بسلوكيات فساد؛ وتتضمن رشاوى مالية واستغلال نفوذ وخيانة للأمانة؛ وإذا تمت إدانته بإحدى تلك التهم فسوف يقضى سنوات من عمره فى السجن، ونتنياهو اليوم الذى يستعد لخوض معركة انتخابية على رأس حزبه والتي تعد من أصعب معاركه السياسية من المؤكد أن لائحة الاتهام هذه ستزيد من صعوبة موقفه؛ فهو الذى شغل منصب رئيس الوزراء كأطول مدة في تاريخ دولة إسرائيل كان يمني النفس بأن يؤجل توجيه تلك التهم له بعد الانتخابات؛ خاصة أن تلك التهم لا تؤثر على مستقبله السياسى فقط بل على مستقبل حريته والذى تتوارى له خلف قضبان السجن المنتظر له في حال الإدانة .
إن هذا المشهد اليوم يعد مشهدا عميقا وذو دلالات ومعبرا بصدق عن الواقع السياسي المنحدر نحو التطرف في إسرائيل؛ خاصة أن رئيس وزراء مثل نتنياهو مشكوك فى أهليته قانونيا لازال يحكم ويتصدر قوائم المرشحين لفترة جديدة خاصة في الاستطلاعات التي تشير لاختيار رئيس الوزراء؛ ولازال حزبه متمسكا به ويحظى بأوفر فرص استطلاعات الرأي في الفوز.
وهو نفسه ما زال متمسكا ويناور ويرفض الانسحاب من المشهد السياسى في غياب ما تبقى له من الحد الأنى من الأخلاقيات سياسية تمتع بها أسلافه المؤسسيين؛ تلك الأخلاقيات التى أدت باسحاق رابين في أحد المواقف السياسية إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة عندما سرب صحفى خبرا بأن زوجة رابين تحتفظ بثلاث آلاف دولار بحساب بنكى فى الولايات المتحدة من الفترة التى كان يعمل فيها رابين سفيرا لإسرائيل فى الولايات المتحدة؛ وهو ما كان مخالفا لقوانين المعمول بها فى العام 1977؛ وعندها قرر رابين أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية عن تصرف زوجته ويستقيل من الحكم .
وبالمقارنة ما بين سلوك نتنياهو ورابين نتخيل حالة التردى الأخلاقي التى وصلت إليه الحياة السياسية فى اسرائيل اليوم؛ وكذلك حالة الشعبوية والفاشية واليمينية المتطرفة واللأخلاقية؛ والتى وصل فيها السواد الأعظم من المجتمع الاسرائيلى بحيث يفضل سياسيا فاسدا ويعتبره بطلا قومي لا بديل عنه، وهذا يؤكد بأن نتنياهو ما كان له أن يبقي فى منصبه ومرشحا عن حزب الليكود لولا مراهنته على الفاشية والشعبوية اليمينية اللاأخلاقية التي استشرت فى المجتمع الاسرائيلي في السنوات الأخيرة وقدرتها على تثبيته فى زعامة الليكود وإيصاله مرة أخرى لمنصب رئيس السلطة التنفيذية فى إسرائيل.
إن الانتخابات القادمة فى اسرائيل تتعدى كونها تصويت سياسيا لتتحول إلى اختبار أخلاقي لمجتمع بأسره يدعى أنه مجتمع ديمقراطى يهودى؛ وهذا المشهد المعبر عن واقع اسرائيل إنما يطرح ألف علامة استفهام عن المستقبل الخطر الذى ينتظر القضية الفلسطينية والاقليم بأسره إذا ما نجحت الادارة الأمريكية فى فرض خطة سلامها؛ والتى هى نتاج نفس تلك العقلية والثقافة الشعبوية العنصرية الفاشية التى تتحكم فى المجتمع الاسرائيلي وفى دولة اسرائيل النووية؛ والتى تصر على إبقاء شعب آخر تحت قوة احتلالها العسكري رغم أنف العالم الحر .
واستمرار هذه الحالة من الاحتلال الاسرائيلى للشعب الفلسطيني؛ انما سيزيد من تطرف اسرائيل وعنصريتها وفاشيتها ولا أخلاقيتها؛ وفى لحظة ما سيجد العالم نفسه أمام فاشية توسعية لا تختلف فى شئ عن النازية الألمانية أو الفاشية الايطالية إلا فى أصولها العقائدية؛ وعندها سوف يكون الآوان قد فات لتدارك الكارثة؛ وأى حديث عن السلام مع هذه الاسرائيل اليوم ليس إلا ذرا للرماد فى العيون التى تتعامى عن رؤية مدى الهبوط الأخلاقي فى المجتمع الإسرائيلي؛ والذى تحول فيه اليسارية والانسانية الأخلاقية إلى تهمة انتخابية بين مرشحين يتبارون فى إظهار من منهم يديه أكثر تخضيبا بدماء الفلسطينيين.
وسؤالنا في الختام هل انتخابات من هذا القبيل بإمكانها أن تفرز حاكما من أولئك المرشحين يكون قادرا أو حتى مؤهل أخلاقيا ليكون شريك فى صنع سلام عادل مع الفلسطينيين .
أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية
www.deyaralnagab.com
|