النقاش حول المهور يتجدد في موريتانيا بعد مبادرة لدعم الزيجات غير المكلفة!!
بقلم : الديار ... 21.09.2024
**أثارت مبادرة البناء الأسري التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار الأسري ومواجهة تحديات ارتفاع تكاليف الزواج وخفض المهور، جدلا في موريتانيا، حيث انقسم المجتمع بين مؤيد ورافض لهذه المبادرة. ويرى المؤيدون أن المبادرة تقف في مواجهة المغالاة في متطلبات الزيجات، بينما يرى الرافضون أن هناك قضايا أخرى ذات أولوية يجب الالتفات إليها لتسهيل الزواج…
نواكشوط ـ تجدد النقاش بموريتانيا، في الآونة الأخيرة، حول ظاهرة ارتفاع قيمة المهور وتكاليف الأعراس ومستلزماتها، وذلك بعد مبادرة أطلقها رجال الأعمال لدعم الزيجات غير المكلفة.
فقد خلقت مبادرة “البناء الأسري” أو “الميثاق” كما سماها الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين، منذ إطلاقها، من قبل رئيس الاتحاد زين العابدين ولد الشيخ أحمد، نقاشا مجتمعيا واسعا، انقسم أطرافه بين مؤيد ومنتقد، يحاول كل منهما إسناد موقفه بحجج دينية واجتماعية واقتصادية.
وتصدر النقاش حول المبادرة مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية بالقنوات التلفزية والإذاعات والمنابر الإعلامية المختلفة، التي عجت بمواقف متباينة حول فكرة الاتحاد المبنية على “تزويج 100 شاب وشابة” بمهر في حدود المقبول مع التكفل بالنفقات الأخرى وتشغيل العرسان المنتقين بالشركات الخاصة ، في خطوة تسعى إلى “تعزيز الاستقرار الأسري ومواجهة تحديات ارتفاع تكاليف الزواج وخفض المهور وتسهيل الحياة الزوجية”.
ويرى المؤيدون للمبادرة، التي تبنتها مؤسسات مهمة بالبلاد كهيئة العلماء، أنها تفتح أبواب الأمل، وتقف في مواجهة المغالاة في متطلبات الزيجات والتي، غالبا، ما يعجز الشباب عن الوفاء بها.
أما المنتقدون، أو “المستغربون” بمعنى أدق، من مختلف الآفاق (فنية، إعلامية وثقافية) فيبررون الانتقاد، بوجود قضايا أخرى ذات أولوية يجب الالتفات إليها لتسهيل الزواج، ومنها محاربة البطالة عموما بخلق فرص شغل.
مبادرة البناء الأسري خطوة تسعى إلى تعزيز الاستقرار الأسري ومواجهة تحديات ارتفاع تكاليف الزواج وخفض المهور
ويرى الإعلامي الموريتاني، المختار ولد أبوه، أن إصدار حكم على نجاح هذا المشروع، من عدمه، مبكر جدا، وسابق لأوانه، إذ يتطلب الأمر المزيد من الوقت لتنضج المبادرة ولمعرفة كيفية التعاطي مع هذا التوجه الجديد .
وأوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الموضوع متشابك جدا، ويستدعي جهودا جبارة من قبل الإعلاميين والعلماء والوعاظ والمثقفين والمفكرين والمنتخبين للتحسيس به، لاسيما مع بروز إرادة قوية، حتى من قبل الدولة نفسها، للبحث عن سبل لتخفيف المهور ومعالجة ارتفاع تكاليف الأعراس التي تساهم لاحقا في التفكك الأسري.
وبالنسبة للصحافي الموريتاني فإن الزواج أضحى خلال العقدين الأخيرين في حد ذاته “إشكالية” بموريتانيا، نتيجة لمظاهر التبذير التي ترافقه خاصة في ظل الأزمة الصحية التي تسببت فيها جائحة كورونا، وما تلاها من تأثيرات أزمات اقتصادية عالمية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق بالبلاد.
وتحدث عن عادات بدوية توارثها الموريتانيون في الزواج، حيث ساد الاعتقاد بأن غلاء المهور، كما هو الشأن ببلدان عربية أخرى، يساعد في الوصول بسفينة الزواج إلى بر الأمان مع أن الدين الإسلامي الحنيف، كما يؤكد ولد أبوه، يحث على تبسيط وتيسير الزواج.
ويقوم الميثاق المقترح من قبل رجال الأعمال، كذلك، على بنود أهمها إبرام عقود الزواج الشرعي داخل المساجد، والابتعاد عن الاستعراضات الكبيرة في حضور إبرام العقود، والاكتفاء بعدد محدود من المدعوين، والامتناع عن البذخ والإسراف داخل المنازل، والابتعاد عن المباهاة والمبالغات في الهدايا والعطاءات المتبادلة بين الطرفين (الأهل)، وترك الفرصة لطرفي البيت الجديد (العرسان) حتى يؤسسا حياتهما بهدوء وطمأنينة.
ودعا الاتحاد الفاعلين السياسيين والمثقفين ورجال الدين والفكر والإعلام والتربية، وقادة الرأي، والروابط المهنية، والمنظمات الاجتماعية، والمؤثرين لتبني الميثاق المقترح .
وقد تبنت هيئة العلماء بالفعل، عبر أمينها العام الشيخ ولد صالح، هذه المبادرة، حيث أكد أن هذا الميثاق يتطابق مع الشريعة الإسلامية.
شابات موريتانيات يضحّين بالزواج وتكوين عائلة لأسباب عدّة، أبرزها الظروف العائلية التي تحتّم عليهنّ إعالة الإخوة أو أبناء الإخوة أو العناية بالوالدَين
وفي خطوة، اعتبرها المراقبون جريئة، تبنى المرصد الموريتاني لحقوق المرأة والفتاة، عبر رئيسته، مهلة بنت أحمد، الميثاق المقترح، مع المطالبة “بإدماج اقتراحات جديدة حرصا على ضمان حقوق المرأة وإنصافها”.
بدورها تبنت رابطة العمد الموريتانيين هذا الميثاق، معتبرة أنه سيساهم في تعزيز قيم الدين الحنيف والتضامن الاجتماعي، مؤكدة التزامها الكامل بتطبيق بنوده، مع الدعوة لنشره بين المواطنين “وجعله تقليدا محترما في المجتمع وتسهيل تنفيذه”.
وسبقت المبادرة إرهاصات تنحو كلها هذا المنحى، حيث أعلنت الحكومة الموريتانية عام 2023 عن تشكيل لجنة وزارية أسند لها وضع خطة عمل للتصدي لمظاهر البذخ في المناسبات الاجتماعية، والتي تروم الوقوف ضد سلوكيات دخيلة على منظومة قيم وأخلاق المجتمع الموريتاني، ومنافية لتعاليم ومقتضيات الشرع.
كما أصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم فتوى أكد فيها أن “ما ينتشر من تبذير في المناسبات الاجتماعية، وإسراف في الولائم، وتكلف الهدايا (…) أمور مخالفة للشرع”.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الموقعين على “ميثاق البناء الأسري” عبر المنصة الرقمية التي أطلقها الاتحاد تجاوز حتى مساء الثلاثاء، 30 ألفا و 590 شخصا.
وبالإضافة إلى هذه المنصة فتح الاتحاد كذلك منصة خاصة لاستقبال عروض الزواج، حيث سيتم عبرها اختيار من سيتكفل بنفقات تزويجهم.
ويولي الشعب الموريتاني لرابطة الزواج أهمية خاصة جعلتها تقوم على طقوس وقواعد مألوفة صاحبتها طيلة حياته البدوية، وصانها بنوع من التقديس وأحاطها بسياج من الاهتمام.
وكانت مدة الاحتفال بالزواج تستغرق سبعة أيام كاملة، ثم ما لبثت أن تغيرت بتغيرات ظروف سكناه ومعيشته وتمدنه إلى ثلاثة أيام، وتحولت أخيرا على حفل ساهر قد يستغرق ليلة واحدة بطقوس مختلفة ومحددة.
ومن العادات الموريتانية الأصيلة أن لا يتم الاتفاق بشأن المهر بين عائلتي العروسين قبل العقد لأنه يبقى من شيم الكرم والمروءة والفخر باعتباره مودة وتقدير لا ثمنا يدفع مقابل شراء بضاعة. ويقدم بعد عقد القران في اليوم الذي اتفق عليه ليكون يوم الاحتفال بالزواج.
وقبل زفاف العروس تقوم النسوة بتزيينها وتشكيل ضفائرها بشتى أنواع الحلي بمختلف الروائح الطيبة المصنوعة محليا، وتزين نحرها بالقلائد المشكلة من الأحجار الكريمة والفضة والذهب، كالصرع والكلادة والبغداد وغير ذلك، كما تحلي معصميها بالأساور المسماة الليات والأرساغ وتضع في رجليها الخلاخل الفضية الراقية الصنع العالية الثمن التي أبدع الصانع التقليدي في إتقانها.
وكانت مراسم الزفاف تقام في بيت الزوجة ثم تزف إلى زوجها محمولة إلى خيمة تؤسس لهذه الغاية على بعد خطوات من الساكنة تسمى خيمة الرك، وتعزف لها أغاني جيدة تنطوي على تربية ونصائح ووصايا تعينها على حياتها الجديدة، وفي هذه الأيام يتوجه موكب العرس إلى شقة مفروشة يتم إيجارها من طرف العريس. وفي الوقت الراهن، تزايدت ضغوط الحياة في موريتانيا فتغيّرت العادات الاجتماعية وارتفعت نسبة النساء العاملات، ليصبح قرار الزواج وتأسيس عائلة خاضعين للكثير من الظروف الاجتماعية والنفسية والمادية. وأدّت هذه الظروف إلى بقاء الكثيرات من دون ارتباط، حتى في المجتمعات التي تقدّس فكرة الزواج وتربط ما بين نجاح المرء في حياته وقدرته على تكوين عائلة ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة إلى الموريتانيات اللواتي يؤجّلنَ قرار الزواج في انتظار تحسّن ظروفهنّ الأسرية، أو تحقيق نجاح في حياتهنّ العملية.
وتضحّي شابات موريتانيات بالزواج وتكوين عائلة لأسباب عدّة، أبرزها الظروف العائلية التي تحتّم عليهنّ إعالة الإخوة أو أبناء الإخوة أو العناية بالوالدَين، كذلك ثمّة من يفضّلن تحقيق النجاح المهني قبل الارتباط وإنجاب الأطفال.
ويقول مستشارو العلاقات الأسرية، “إذا أخذنا في عين الاعتبار انتشار العنوسة الاختيارية في أوساط الشباب، وارتفاع تكاليف الزواج والشروط والمعايير التي يفرضها المجتمع الموريتاني على المرأة في اختيار زوج مناسب، من قبيل تكافؤ النسب والوسط الاجتماعي وعدم الزواج بأجنبي، نجد أنّ فرص التحاق الشابات بقطار الزواج تتناقص لتصير الواحدة منهنّ رهينة الظروف المحيطة بها والتي قد تبقيها عزباء حتى آخر يوم في حياتها”.
ولا تخفي كثيرات، من اللواتي فضّلنَ الوظيفة على الزواج أو استسلمنَ لظروفهنّ العائلية، ندمهنّ على رفض طلبات الزواج في مرحلة معيّنة من حياتهنّ وتأجيل فكرة تكوين عائلة وإنجاب أطفال إلى مرحلة أخرى. ويعترفنَ بأنّ العمر سرق منهنّ حلماً كان من أولوياتهنّ في مرحلة المراهقة، إلا أنّ مشاغل الحياة والظروف الأسرية حالت دون تحقيقه. ويرفع الشعور بعدم الاستقرار النفسي والأمان العاطفي اللذَين تحققهما الأسرة من الإحساس بالندم لدى النساء اللواتي أخّرنَ زواجهنّ طواعية، وأصبحنَ من دون عائلة بعد وفاة الوالدَين أو استقلال الإخوة عنهن.
www.deyaralnagab.com
|