موسم هجرة نساء تونس في قوارب الموت إلى الضفة الأخرى!!
بقلم : خالد هدوي ... 03.09.2022
تونس - شهدت تونس في الفترة الأخيرة إقبالا نسويا كبيرا على الهجرة، بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية وارتفاع منسوب اليأس والإحباط لدى الكثير، في خطوة يرى مراقبون أنها مؤشر خطير على تحوّل مفهوم الهجرة لدى الأسر التونسية.
وفي العقود الأخيرة، ما فتئت النساء يهاجرن إلى بلدان غنية ليصبحن مُعيلات وليس فقط للانضمام إلى أفراد عوائلهن. ويَشغلن وظائف في مجال رعاية الأطفال والمسنين والأعمال المنزلية، فضلا عن الصناعة والزراعة؛ وهو تَحول يوصف بكونه “تأنيثًا للهجرة”. والمرجّح أن المهاجرات اللائي يعشن في الخارج يكن ذوات مؤهلات زائدة عن متطلبات تلك الوظائف، ويكسبن أقل من الرجال، ويرسلن إلى عوائلهن في الوطن نصيبًا كبيرًا ممّا يكسبن.
تأنيث الهجرة
ترى شخصيات حقوقية، أن مفهوم الهجرة غير النظامية تطوّر ليستهدف فئة الإناث، في مؤشر جدي على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.
وأفاد أستاذ علم الاجتماع محمد نجيب بوطالب خلال تقديمه بالمكتبة الجهوية بمحافظة تطاوين (جنوب) نتائج دراسته الميدانية “حول موجة الهجرة الشبابية الحالية لشباب تطاوين نحو الفضاء الأوروبي”، بأن “هذه الظاهرة تبدو في منطلقها قانونية إلا أن نهايتها غير قانونية ومحفوفة بالمخاطر وتفاقمت في الفترة الأخيرة باعتبارها بديلا أكثر أمانا مقارنة بركوب قوارب الموت بحسب نتائج الدراسة”.
وأضاف “الدولة والسلطات على المستويين الجهوي والوطني لم توليا اهتماما لما تفرزه هذه الهجرة من عواقب وخيمة على الأسرة والمجتمع وعلى الاقتصاد وعلى مختلف المجالات الحياتية”، لافتا إلى أن “كل عملية هجرة تتكلف حسب نتائج الدراسة ما بين 20 و30 ألف دينار للفرد الواحد”.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع أن “هذه الهجرة تسببت في العديد من المآسي والخسائر نتيجة الالتجاء إلى مدخرات الأولياء والاقتراض وبيع الممتلكات والرهن لتوفير المال اللازم لها فضلا عما يطلبه المهاجر من أموال إلى بلدان العبور من أقربائه في الخارج كما أن لهذه الهجرة غير المهيكلة تأثيرات سلبية عميقة على عدة قطاعات كالفلاحة والبناء التي ارتفعت الأجور فيها كثيرا وأصبح الالتجاء إلى تشغيل الأفارقة من جنوب الصحراء هو الحل”.
وأوضح أن “هذه الهجرة لم تكن فقط نتيجة الفقر لأن العديد من الحارقين كانوا يعملون في وظائف وأصحاب مرتبات شهرية وتلاميذ بدليل قدرتهم على دفع الملايين من الدنانير لتأمين هذه الحرقة غير مأمونة العواقب والمحفوفة بالمخاطر والمغامرات طيلة الرحلة التي تنطلق من تونس إلى تركيا ثم إلى صربيا ومنها إلى بلغراد فالمجر ثم إلى النمسا التي يتوزع منها المهاجرون كل إلى وجهته وأغلبهم إلى فرنسا بحسب ما جاء في الدراسة”.
وأشار بوطالب إلى أن “هذه الموجة ساقت منذ بداية العام الجاري إلى الآن حوالي 12 ألف مهاجر من الجهة”، مشيرا إلى “ظاهرة التحاق الإناث بجحافل المهاجرين بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة”، مؤكدا أن “القيم التي كانت تحد من تفكك الأسرة أصبحت ضعيفة بفعل سفر الأب والتجاء الزوجة إلى العودة إلى أهلها أو الطلاق وغيرها من الأوضاع الاجتماعية الهشة”.
وقالت الناشطة الحقوقية، بشرى بالحاج حميدة، إن “ظاهرة الهجرة كانت مقتصرة على الشباب العاطل عن العمل، واليوم تطورت لتشمل النساء، بسبب تدهور ظروف الحياة والمعيشة”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “الرغبة في الهجرة زادت بصفة مهولة لأن الناس لم يروا أفقا مستقبلية في البلاد، فضلا عن غياب الأمل وتفشي حالات اليأس والإحباط من تردي الأوضاع، كما أن منسوب العنف ارتفع”، لافتة إلى أن “هناك أزمة عالمية على مستوى الأسر، والأسرة التونسية تأثرت بذلك”.
واقترحت الناشطة الحقوقية جملة من الحلول للحدّ من ظاهرة الهجرة غير النظامية، أهمها، “إلغاء التأشيرة أو التسهيل في إجراءات الحصول عليها، علاوة على اهتمام الدولة بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى تعيد الأمل إلى الناس”.
والاثنين، توفيت أستاذة تونسية وطفلها، غرقا في سواحل المنستير (وسط)، أثناء محاولتها الهجرة بشكل غير شرعي على متن مركب.
وغرق المركب بسبب سوء الأحوال الجوية، وكان على متنه نحو 15 شخصا، تم إنقاذ شابين فقط منهم وتوفيت البقية، ومن بين الضحايا أستاذة تعليم ثانوي عاطلة عن العمل من
وقال عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، إن “تنامي ظاهرة الهجرة الشرعية وغير الشرعية مؤشر خطير على غياب الأمل في آفاق حياة كريمة وفقدان الثقة في الوطن وتدنّي الشعور بالانتماء إليه، وهي ظاهرة ‘منطقية’ أمام ضياع البوصلة السياسية والمجتمعية التي تقود البلاد والعباد وغياب رؤية تنموية زمن الانتكاسة الاقتصادية إلى جانب تدهور المنظومة القيميّة والأخلاقية التي أصبحت تطبع ساسة البلاد منذ عقد من الزمن بالخصوص”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “إن أصبحت ظاهرة الهجرة تستهدف النساء وحتى المتعلمات والمثقفات، فمعناه أنّ شباب تونس لم يعودوا يرون مستقبل حياتهم وكرامتهم في ظلّ الانتهازية والبطالة المتفاقمة، وأمام هذه الوضعية المعقّدة، لا يمكن أن تنفع البرامج الترقيعية والإستراتيجيات الخارجة عن رؤية تنموية ومنوال اقتصادي ومخطّط إستراتيجي بالتوازي مع منظومة تربوية وتعليمية وتأهيلية ومناخ سياسي ومجتمعي يعيد الثقة إلى الشباب والمواطنين التي في غيابها يبقى كلّ مسعى سياسي حرثا في البحر”.
وتابع الجريدي، “بصفة أوضح، على الدولة وضع توجّهات ورؤية واختيارات تنموية ثلاثية الأبعاد (اجتماعية – اقتصادية – بيئية) وتمشّ مدروس يفضي إلى برامج متدرجة في الزمن من العاجل إلى الآجل، ذلك أنه بلا منهج ولا بوصلة واضحة المعالم والعزيمة لا أمل في مستقبل واعد”.
وفي وقت سابق، شدّد رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة بتونس عزوز السامري على أن “أعداد النساء المهاجرات غير النظاميات تزايدت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة وذلك من خلال ما يتبين للمنظمة عبر توافد النساء على مكاتبها بتونس وصفاقس وجرجيس”.
وأضاف في تصريح صحافي، أن “المنظمة بصدد الاشتغال حاليا مع السلطات التونسية من أجل تمكينها من إجراء مسح ميداني للوقوف على الأرقام الدقيقة”، قائلا إن “المنظمة تهدف إلى العمل على إثارة المشاكل التي تواجه المهاجرات غير النظاميات والعمل مع السلطات التونسية من أجل إيجاد تصور لحلول مستقبلية عبر برامج ميدانية لمساعدتهن لتسهيل ولوجهن إلى الخدمات الضرورية والعيش بكرامة”.
وأفادت شيخة مدينة تونس سعاد عبدالرحيم بأن “ظاهرة وجود المهاجرات والهجرة غير النظامية تفاقمت في مدينة تونس”، مشدّدة على “أهمية حق المهاجرات غير النظاميات في معاملة إنسانية ورعاية صحية وإدماج في المدينة”.
وأوضحت المكلفة بمهام المدير العام بالمرصد الوطني أحلام الهمامي، أن “آخر الإحصائيات الصادرة عن المرصد في ديسمبر 2021 تفيد بأن هجرة النساء تمثل 50 في المئة من جملة المهاجرين النظاميين”.
وأضافت في تصريح صحافي، أن “المسح الذي قام به المرصد بين سنتي 2020 و2021 بين وجود 59 ألف مهاجر في تونس من بينهم 29 ألفا من النساء”.
ووفق بيانات رسمية، في عام 2021، ضبطت وزارة الداخلية 20 ألفا و616 مهاجرا غير نظامي، من بينهم 10 آلاف و371 أجنبيا، معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
*المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|