المرأة في النقب.. ركيزة الصمود والنضال!!
بقلم : محمد محسن وتد ... 22.01.2022
لم يكن تواجد المرأة في مقدمة الاحتجاجات والمظاهرات المنددة بتجريف الأراضي في القرى مسلوبة الاعتراف في النقب، مجرد صدفة، بل يعكس هذا الحضور سلسلة من محطات النضال التي تخوضها المرأة في النقب، للتشبث بالأرض وترسيخ الهوية لدى الأجيال الشابة، في مواجهة خطط التهجير والتشريد والتصدي لمشاريع التهويد والاستيطان.
فمنذ النكبة، تعاني المرأة في النقب الذي يقطنه نحو 300 ألف نسمة نصفهم من الإناث، من سياسة هدم المنازل والمنشآت السكنية وتدمير المحاصيل الزراعية، بحيث أضحت المرأة أكثر المعانين من الهدم والتشريد بفقدان الأمن والأمان، إذ يترتب عليها مرارا، بحكم دورها في المجتمع، العودة من جديد لإعداد المسكن الآمن لأولادها ومحاولة التخفيف من تداعيات الاقتلاع من الأرض وهواجس التهديد المستمر.
*إقصاء وتهميش
اعتمدت قرى النقب في اقتصادها على الزراعة الموسمية وتربية المواشي، ويشارك في هذا الاقتصاد جميع أفراد الأسرة، غير أن المرأة تلعب دورا مركزيا في هذه البنية الاقتصادية، بالإضافة إلى دورها في التنشئة المجتمعية وتجذيرها في الأرض، ومقاومة الإغراءات التي تعرضها السلطات الإسرائيلية بالتنازل عن الأرض مقابل تعويض مالي والانتقال لحياة ثابتة من نمط مختلف.
أفضت سياسات التهميش والأقصاء التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية إلى تعميق الفقر والبطالة في القرى العربية في النقب التي تتواجد في أسفل السلم الاجتماعي - الاقتصادي في البلاد، إذ تعيش 70% من العائلات تحت خط الفقر، فيما تبلغ نسبة النساء البدويات في النقب المنخرطات في سوق العمل قرابة 25%، بينما لا تتعدى النسبة 5% في القرى البدوية مسلوبة الاعتراف.
ولم يقتصر الواقع المأسوي في النقب على الاقتصاد الذي انعكس سلبا على التطور الاجتماعي للعائلة العربية، بل طاول أيضا التعليم، وذلك بعدم توفير الأطر التربوية والتعليمية، والتعليم اللامنهجي، وعليه فإن منالية التعليم للفتاة العربية منذ المرحلة الابتدائية تكون شبه معدومة.
التشبث بالتعليم
وتعتبر مسيرة التعليم للفتاة في القرى مسلوبة الاعتراف ومنذ المرحلة الابتدائية أشبه بالمعاناة اليومية، إذ يتعين على الفتاة إذا ما أردت التعلم مغادرة القرية والسفر عشرات الكيلومترات، وفي الكثير من الحالات يكون السفر سيرا على الأقدام، وهي من أبرز المعيقات التي تسببت بظاهرة التسرب من المدارس.
وتحصل 33% من الفتيات في النقب فقط على شهادة إنهاء المرحلة الثانوية، بينما 10% من مجمل النساء المتعلمات في النقب، هن نساء حاصلات على أكثر من 16 سنة تعليمية، فيما تصل نسبة الأمية في صفوف النساء فوق جيل 30 عاما إلى 90%.
في الزرنوق، مثل غيرها من القرى العربية مسلوبة الاعتراف في النقب والبالغ عددها 35 قرية تتواجد في منطقة "السياج"، يبرز دور المرأة في البقاء والصمود في القرى التي باتت أشبه بمخيمات اللجوء، إذ تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة وأدنى الخدمات المعيشية بسبب سياسات التهمش والإقصاء للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لدفع السكان على الهجرة القسرية ومصادرة أراضيهم لتركيزهم على أقل مساحة أرض في المدن والبلدات القائمة.
ورغم ما تعانيه الزرنوق البالغ عدد سكانها 6 آلاف نسمة، يغلب على نساء القرية الشعور بالتفاؤل والإصرار على الصمود في مواجهة التحديات والمعيقات المجتمعية وتخطي السياسات الإسرائيلية التمييزية والعنصرية، لتواصل مسيرة النضال بالتمسك في المكان، وذلك عبر بناء الإنسان والاستثمار في النشء من خلال التعليم لجميع، وخاصة للفتيات.
*واقع وتغيير
وسعيا منها لتغيير الواقع، تجندت الناشطة فاطمة أبو قويدر، من أجل دعم الأسرة ومعالجة تداعيات هدم المنازل، حيث اختارت مسار التشجيع على التعليم وخاصة للفتاة وإكمال تعليمها الجامعي، وأسست لمشروع تعليم الكبار ومحو الأمية، إضافة لمشاريع تمكين النساء ودمجها في المجتمع.
وسعت فاطمة، وهي متزوجة وأم لأربعة أولاد، من نشاطها لتنخرط في عمل وفعاليات اللجنة المحلية لإدارة شؤون الزرنوق، حيث وضعت قضية التربية والتعليم وتمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع المحلي، على أجندة وعمل اللجنة، الأمر الذي ساهم في إحداث تغيير وقناعات لدى المجتمع المحلي بضرورة تعليم الفتاة وتحصيلها شهادة إنهاء المرحلة الثانوية وتشجيعها على مواصل التعليم الأكاديمي.
واستعرضت أبو قويدر في حديث لـ"عرب 48" واقع التعليم في الزرنوق، حيث تتواجد بها مدرسة واحدة للمرحلتين الابتدائية والإعدادية، مكونة من 14 فصلا دراسيا هي عبارة عن "كرفانات"، ويدرس فيها أكثر من 1000 طالب وطالبة، إضافة إلى 400 طفل في جيل الطفولة المبكرة، بينما يضطر 500 طالب وطالبة إلى السفر خارج القرية لإكمال تعليمهم الثانوي، الأمر الذي يشكل عبئا على الطالب قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى تراجع مستواه التحصيلي.
*معيقات وتحديات
ورغم الصعوبات والمعيقات وعدم وجود مدرسة ثانوية في القرية، تقول أبو قويدر: "نلاحظ الإقبال لدى الفتيات على التعليم الثانوي والتطلع للانخراط في الكليات والجامعات، وذلك على الرغم من عدم توفر الخدمات الداعمة لمواصلة التعليم، وعدم توفر الكهرباء، وانعدام الاتصالات وشبكة الإنترنيت في المنازل، وهي أبرز مشكلة تواجهنا كأهالي وأمهات لانتظام سيرورة التعليم في ظل جائحة كورونا، خاصة مع تراجع التعليم الوجاهي والاعتماد أكثر على التعلم عن بعد عبر برنامج زووم".
وفي العودة إلى الماضي، استذكرت فاطمة أبو قويدر تجربتها والتحديات التي رافقت مسيرتها، حيث توقفت عن التعليم في الصف السابع الإعدادي، وتزوجت في جيل مبكر، إذ رفض والدها أن تخرج من القرية لإكمال تعليمها في المرحلتين الإعدادية والثانوية، فقد كان الطلاب والطالبات في حينه يسيرون مشيا على الأقدام مسافة 7 كيلومترات، ويقطعون سكة الحديد والشارع الرئيس رقم 25 وصولا إلى المدرسة.
لم تفقد فاطمة الأمل رغم توقفها عن الدراسة في بداية المرحلة الإعدادية، بقيت في البيت وكانت ترعى الأغنام، حيث وجدت الوقت لكتابة مذكراتها وتمسكت بحلمها لمواصلة تعليمها، وبعد زواجها بجيل مبكر بدأ حلمها يتحقق، وبدعم من زوجها أكملت تعليمها وأنهت دراستها الثانوية ونالت شهادة حاضنة في الروضات، لتحصل في العام 2015 على لقب أول من الجامعة المفتوحة في العلوم الاجتماعية.
*تحصين وتوعية
واصلت فاطمة تحقيق حلمها بحصولها على شهادة تدريس وتأهيل للمعلمين من جامعة حيفا، على مدار ثلاث سنوات كانت تسافر أسبوعيا من مسقط رأسها في النقب إلى حيفا شمالا، وبعد تجاوز الصعوبات والعراقيل، عملت على نقل تجربتها من خلال إرشاد الطلاب والطالبات للانخراط في التعليم العالي.
وترى فاطمة أن "المرأة، بإصرارها وعزيمتها يمكن أن تحدث التغيير دون أن تتصادم مع المجتمع"، وتشدد على أن "حقوقي كامرأة لا أتنازل عنها والتعليم حق أساس، فالتعليم يكسب المعرفة والوعي وحتى صقل الهوية، فالتعليم للمرأة حصانة وتحصين للمجتمع العربي في النقب الذي يخوض معركة على الوجود في أرضه".
تواصل فاطمة تحقيق حلمها في مسقط رأسها الزرنوق من خلال مسيرة البناء المجتمعي، قائلة: "أصرت المرأة على البقاء والتمسك بالأرض رغم انعدام الظروف والمقاومات الحياتية. برز دور المرأة بصمود القرى مسلوبة الاعتراف أمام مخططات التهويد والاستيطان الإسرائيلية، في توعية وتربية الأولاد على القيم المجتمعية والهوية الوطنية و التمسك بالأرض والتجذر بها".
*معاناة وصمود
منذ عقود كابدت المرأة في الزرنوق شظف العيش وضيق الأحوال وشدة ممارسات وملاحقات السلطات الإسرائيلية، عبر تنشئة وتربية الأولاد، والحفاظ على الأرض بزراعتها ورعي الأغنام، وخوض معركة البقاء والصمود على أراضي القرى مسلوبة الاعتراف، وهو النموذج الذي تعبر عنه الحاجة حُسْن أبو قويدر.
الحاجة حُسْن أبو قويدر: "المرأة تحمل مسلسل المعاناة في سبيل البقاء" ("عرب ٤٨")
"حياة قاسية بكل تفاصيله"، تقول أبو قويدر لـ"عرب 48" يعايشها أهالي القرى مسلوبة الاعتراف، وخاصة النساء والفتيات، "نعيش ونربي أولادنا دون توفر أبسط الخدمات لقضاء الأمور الحياتية اليومية، بلا طرقات، بدون كهرباء وبلا مياه، وفوق كل ذلك هدم للمنازل وتدمير للمحاصيل والمزروعات واستهداف قطاع المواشي".
سردت أبو قويدر، وهي أم لـ 10 أولاد جميعهم تزوجوا وبقوا في القرية يسكنون منازل الطوب والصفيح، لـ"عرب 48"، عقودا من المعاناة التي تعيشها المرأة وربات البيوت بإنجاز شؤون الأسرة والعائلة بالقليل غير المتوفر أحيانا، والحفاظ على الأولاد وتربيتهم على حب الأرض والبقاء في القرية وعدم مغادرتها، وهي ضريبة الصمود التي تدفعها المرأة في القرى مسلوبة الاعتراف.
*هواجس ومخاوف
حُسْن أبو قويدر التي ولدت في قرية الزرنوق أبان فترة الحكم العسكري، عاشت كغيرها من الفتيات سنوات من المصير المبهم وحياة محفوفة بمخاطر التهجير والتشريد، لم تدخل الكتاب ولم تتعلم القراءة والكتابة، وكانت كغيرها من الفتيات رمزا للتشبث بالأرض عبر زراعتها ورعاية المواشي على مساحاتها الواسعة.
وتصف أبو قويدر الحياة في القرى مسلوبة الاعتراف بأنها مسلسل من المعاناة الممتدة على مدار عقود، "العالم من حولنا تغير ونحن على حالنا نعيش معاناة ونخوض معركة الصمود والبقاء، حيث أعيش مع أحفادي الخوف من اقتلاعنا وتهجير من أرضنا، وهي الهواجس التي ولدت ووعيت عليها"، تقول أبو قويدر لـ"عرب ٤٨".
رغم ذلك، تحاول الحاجة حُسْن إحداث التغيير في حياتها وحياة أحفادها، إذ انخرطت ا بمشروع محو الأمية وبدأت بفك الخط والقراءة، وهي تتساعد بأحفادها بتعلم مواد المرحلة الابتدائية، كما تتقدم خطوط النضال بتحصين العائلة وتدعيمها نفسيا من سياسات الهدم والتشريد، وغرس قيم البقاء والصمود لدى أسرتها الواسعة.
*هدم وبناء
لم تترد الحاجة حُسْن بدفع ضريبة البقاء، فهي عانت من السياسات الإسرائيلية، إذ هدم منزلها 3 مرات وأعادت في كل مرة تشيده مع أولادها. وفي آخر عملية هدم للمنزل التي كانت بالعام 2013، اعتقل ابنها وحكم عليه بالسجن 11 عاما بعد أن أدين بارتكاب مخالفات أمنية بسبب التصدي لجرافات الهدم وعناصر الشرطة.
إلى جانب السياسات التمييزية والعنصرية من قبل السلطات الإسرائيلية، عانت الحاجة حُسْن من الظلم المجتمعي أيضا، فبعد 26 عاما من العيش المشترك، تزوج عليها زوجها امرأة ثانية، ورغم الظروف السيئة والأوضاع النفسية إلا أنها احتضنت أولادها وتمسكت بمنزلها والتزمت الصمت على مضض لمنع تفكك أسرتها وتشرد أولادها.
**المصدر : عرب48
www.deyaralnagab.com
|