زوجة واحدة تكفي.. لماذا لا تجرم مصر تعدد الزوجات!!
بقلم : الديار ... 01.12.2021
**تدعو الاتجاهات التي تتبنى إصلاح قوانين الأسرة في مصر إلى ضرورة إصدار قانون يساير التطورات والتغيرات ويقيد التعدد بشروط تخضع للرقابة المسبقة للقاضي قبل إبرام عقد الزواج، وهناك من أنصار الشريعة الإسلامية ومن أساتذة الأزهر من يؤيد صدور قانون يقيد تعدد الزوجات، على سند من القول إن التعدد الذي أباحته الشريعة هو تعدد مشروط في وقت يرفض فيه آخرون أن “يمس هذا الحق بالنسبة إلى الرجال”.
القاهرة – أحدث زواج المصري ممدوح السبيعي الشهير بـ”بيج رامي”، بطل مستر أولمبيا للمرة الثانية دون علم زوجته، جدلا أسريا وغضبا نسائيا واسعا استدعى تقديم نائب في البرلمان مشروع تشريع يجرم إقدام الرجل على الزواج الثاني دون الحصول على موافقة كتابية من الزوجة الأولى، مع حبس المأذون الشرعي، إذا لم يوثق العقد دون استكمال هذا الشرط.
وأعربت مروة المغربي زوجة بيج رامي عن صدمتها من زواج شريك حياتها، وأفادت بأنها لم تكن تعلم إلا من خلال الصور التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي لعقد قران زوجها، فيما تحدث أقارب البطل العالمي أن الخبر كان بالغ الصعوبة على الزوجة الأولى، لكنها لم تفتعل مشكلة لكونها ابنة خاله.
وتعرض بيج رامي لهجوم شرس من فئات مختلفة في مصر، أغلبها من النساء، لكونه تزوج للمرة الثانية دون علم شريكته الأولى التي قال عنها من قبل إنها تحملت معه الصعوبات في بداية حياتهما الزوجية، من فقر وعدم قدرة على توفير متطلبات الأسرة والأبناء، وصبرت معه حتى وصل إلى العالمية.
طريق قانوني
تقدمت النائب في البرلمان المصري هالة أبوالسعد بمشروع قانون جديد يتيح حبس الزوج والمأذون في حال عدم إبلاغ الزوجة الأولى بواقعة الزواج، لافتة إلى أن بعض الأزواج تزوجوا دون علم الزوجة الأولى خلال الفترة الأخيرة.
وأشارت أبوالسعد إلى أنها اطلعت على القوانين الخاصة بتلك الحالة، وأبرزها قانون 129 الذي سبق تعديله مرتين، مضيفة أن تعديل القانون عام 2005 أوجب على الزوج الإقرار في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية وبيان اسم الزوجات اللاتي في عصمته ومحل إقامتهن، لكنه لم ينصّ على عقاب الزوج حال عدم إبلاغه الزوجة الأولى.
ويتحايل بعض الأزواج على القانون بمساعدة بعض المأذونين من خلال وضع أي عنوان للزوجة الأولى أو إغفال اسمها، بالتالي من الضروري إبلاغ الزوج زوجته الأولى قبل التوجه إلى المأذون، وفي حال عدم قيامه بذلك على المأذون إخطار الزوجة الأولى بكل طرق التواصل الحديثة.
وعكست الواقعة، حجم الوعي الذي وصلت إليه نساء كثيرات، إذ كانت أغلب الآراء تنحصر في أنه إذا كان الزواج الثاني حقا شرعيا للرجل، فتداعياته خطيرة على المرأة وأولادها، نفسيا ومجتمعيا وأسريا واقتصاديا، ومهما بلغت سلبيات الزوجة الأولى، فالسماح للرجل بأن تكون له شريكة ثانية نوع من الإهانة والانتقاص من شأن زوجته، وكأنه يقوم بتأديبها على تصرفاتها.
لدى الكثير من الرجال قناعة بأن الزواج الثاني نوع من إذلال الأولى لإجبارها على الإصلاح من تصرفاتها وسلوكياتها أو الطلاق دون أن تحصل على حقوقها، والمعضلة أن هناك عائلات تكرس هذا الحق دون قيود حتى أسرة الزوجة نفسها، سواء الأولى أو الثانية.
يستهدف مشروع القانون المصري أن تكون الزوجة على علم مسبق بأن شريكها سيتزوج عليها، فإما أن توافق وتمنحه وثيقة مكتوبة بقبولها العيش معه، وإما تطلب الطلاق وتحصل على كامل حقوقها، لأنها تشعر بالضرر، ولا يحق للمأذون أن يبرم العقد ويوثقه إلا إذا كان يمتلك الزوج ما يثبت به أن زوجته وافقت.
وظل القانون المصري يجيز التعدد وفق ضوابط عامة، ورغم طول الفترة وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فالكثير من علماء الأزهر يرفضون صدور أي قانون يقيد تعدد الزوجات على أساس أن ذلك يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية. وقد جرت محاولات لتقييد تعدد الزوجات بالقضاء لكن باءت بالفشل.
وبعيدا عن الرأي الديني يقول مناصرو التعدد إنه ظاهرة مباحة للقضاء على تأخر سن الزواج أو المعروف بـ”العنوسة”، وهو ما تكذبه الإحصائيات التي تؤكد أن الرجال في عمر الزواج في مصر أكثر من النساء.
ومع كل طرح لتحجيم التعدد تنتفض شريحة من الرجال الذين لديهم قناعات بأن الإسلام أباح التعددية الزوجية دون شروط أو قيود ليقولوا إنه طالما أن الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع، فلا يحق لمجلس النواب مناقشة قانون يقيد التعددية، ليخالف ما أقره الشرع، وهي قناعات كرسها متشددون في أذهان الناس.
وترى ناشطات في حقوق المرأة أن جرأة النساء في التمسك بحقوهن في أن يكنّ على دراية مسبقة بزواج شركائهن، يتطلب أولا أن تكون لدى كل امرأة شجاعة استثنائية، بأن تتحدى كل الظروف المحيطة بها لتحفظ لنفسها مكانتها وكرامتها واستقلالها في تحديد مصيرها، لا أن تظل مجرد تابعة للرجل.
ما يعزز هذا الرأي أن قانون الأحوال الشخصية المعمول به حاليا منح المرأة حق المطالبة بالطلاق للضرر، إذا اكتشفت زواج شريك حياتها من أخرى، لكن ما زالت أبرز المعوقات مرتبطة بغياب شجاعة الكثير من النساء في مواجهة عائلاتهن بطلب الطلاق، والخوف من الوصمة التي تطال المطلقة في محيطها.
قالت هناء أبوشهدة أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر، “إن تعدد الزوجات دون ضرورة وحاجة له ساهم في إيجاد مشكلة أكبر من مشكلة تأخر سن الزواج لدى الفتيات، فقد تفاقمت مشكلة ارتفاع نسبة الطلاق والخلع في مصر بسبب هذا التعدد غير المدروس”.
وتوضح أبوشهدة أن من ينادون بقضية تعدد الزوجات كان أحرى بهم أن يطرحوا مبادرات لإخراج الشباب في سن الزواج من الأزمات الاقتصادية، والتي تعدّ السبب الرئيسي في سهولة وقوع هؤلاء الشباب ضحايا للأفكار الهدامة والمتطرفة التي تبثها الجماعات التكفيرية وغيرها.
ما يعطي دفعة لمجلس النواب ليتحرك بثقله في المصادقة على مشروع القانون المنصف للمرأة، أنه يتناغم بشكل كبير مع توجهات الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي سبق وأبدى امتعاضه من التعدد دون قيود أو شروط أو عدالة.
وسبق للحكومة أن تقدمت بمشروع قانون لإدخال تعديلات على لائحة المأذونين، تقضي بحتمية موافقة الزوجة على ارتباط زوجها من امرأة ثانية، لكنه تعطّل في البرلمان أمام تصعيد أصوات متشددة ضده، داخله وخارجه.
وهذه المرة، هناك حالة تعاطف مع الزوجات، ودعم نسائي كبير لحتمية موافقة الزوجة، أو على الأقل إبلاغها رسميا، ما يمثل دافعا قويا أمام المؤسسة التشريعية لإقرار القانون. كما أن الأزهر نفسه لا يمانع وجود قيود على التعددية، في موقف استثنائي.
ولدى أحمد الطيب شيخ الأزهر موقف حاسم من قضية التعددية الزوجية، إذ أنكر أن الأصل في الشريعة التعدد، وقال “إن من يروّجون لذلك مخطئون وينسبون للإسلام أنه تحامل على المرأة إلى هذا الحدّ”. ويعتقد مؤيدون لتقييد التعددية أن ثبات الأزهر على موقفه من قضية تعدد الزوجات، وعدم تأثره بتصعيد المتشددين ضد إنصاف الزوجة الأولى يوقف التحريض الديني للرجال على الزواج من امرأة ثانية، ويضع حدا للشقاق بين شركاء الحياة بتغيير قناعات الرجال عن مؤسسة الزواج بأنها أكبر من استمتاع وإشباع للشهوات.
كلما ثار الجدل حول مسألة التعدد في مصر تروي معارضاته تلك النكتة التي مفادها أن “مرشدة دينية تعطي دروسا للنساء، وفي إحدى المرات خاطبتهن: يجب على الزوجة الصالحة أن تساعد زوجها على إحياء سنة تعدد الزوجات”.
وبعد انتهاء الدرس، تقدمت إليها امرأة اسمها ربيعة، كانت تسمع الدرس وعانقتها وقالت لها “الله يفتح عليك يا شيخة، لم أكن أعرف كيف أفاتحك بالموضوع لكن الحمد لله أنت متفهمة إلى درجة كبيرة، أنا ربيعة من أربع سنين متزوجة من زوجك، ولم نستطع إخبارك”.
صدمت المرشدة وصرخت لتسقط بعدها مغشيا عليها، فأخذوها إلى المستشفى، ورافقتها ربيعة.. لما استفاقت المرشدة، قالت لها ربيعة “والله إني لا أعرف زوجك ولا عمري رأيته، لكن نصيحة اجعلي دروسك عن الصلاة وبر الوالدين والصيام ولا تتفلسفي وتنصحي غيرك بالأمور التي لا تقدرين عليها ولا تقبلينها على نفسك”.
يذكر أن تصريحات الداعية مبروك عطية عن تعدد الزوجات قد فتحت النقاشات، وقال “إن الزوجة لا يحق لها أن تطلب الطلاق بسبب زواج زوجها من أخرى، وهي آثمة بذلك وجزاؤها جهنم، وأن العدل ليس شرطا في تعدد الزواج”.
وتابع في لقائه على فضائية “أم.بي.سي- مصر”، “أن الزواج له شروط صحة ليس من بينها العدل بين الزوجات، والمعنى أنه دون العدل لا يكون الزواج باطلا، بل يكون الزواج صحيحا”.
وردت مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر (جهة حكومية)، على تصريحات عطية مفندة رأي العلماء في قضية تعدد الزوجات وتساءلت رئيسة المجلس القومي للمرأة، “مبروك عطية تصريحاتك لا تهمنا.. وسؤالي لو عندك بنت وتزوج الزوج عليها.. هل سيكون هذا ردة فعلك؟”.
وتؤكد انتصار السعيد المحامية والناشطة الحقوقية في قضايا المرأة، أن تقييد التعددية لن يتحقق برهن إنصاف المرأة بموقف رجال دين بعضهم يعادي حصولها على حقوقها، ومطلوب إصدار تشريع مدني، لا يتعارض مع الإسلام، بل يضمن للزوجة أن تختار مصيرها، وهذا من صميم حقوقها.
وتضيف لـ”العرب”، “أن زواج الرجل دون إبلاغ شريكته يصيبها بصدمة، ويجعل العلاقة قائمة على الخداع والإجبار، وهذا يتعارض مع العدل الزوجي الذي دعا إليه الدين، والظروف الاقتصادية لا تساعد أغلب الرجال على الوفاء بالتزاماتهم، وهو ضرر مضاعف للزوجات والأبناء”.
أزمة الكثير من الرجال أنهم يتعاملون مع موافقة الزوجة بنوع من إهانة ذكوريتهم، ولا يصح أن تكون الحرية الدينية الممنوحة لهم، تحت رحمة النساء، بالتالي فمصادقة مجلس النواب على مشروع القانون بحاجة إلى جرأة سياسية غير محدودة.
ويرى مؤيدون للقانون أن اشتراط موافقة الزوجة يرفع الحرج عن النساء في المجتمعات الريفية والمناطق الشعبية التي تقدس العادات والتقاليد، وتتعامل مع الرجل باعتباره صاحب الحق الأول والأخير في الزواج من عدمه، ولا يجب على زوجته أن تقف أمام طريقه.
ومع تفعيل القانون سيكون أيّ رجل مطالبا بالعودة إلى شريكته، فإما أن تمنحه الموافقة كتابة وإما ترفض، ولا يكون أمامه سوى الانصياع، أو ممارسة الضغوط عليها. وتظل المشكلة في البيئات التي تتعامل مع الزوجة باعتبارها تابعة، فالكثير من العائلات قد تضغط على المرأة للموافقة على القبول بوجود شريكة ثانية وثالثة للزوج، وهنا الأمر يكون مرتبطا بمدى شجاعة النساء في مواجهة الضغوط، لأن التمرد على القرار قد يقودهن إلى الوصمة والقطيعة.
وتقول رحاب العوضي استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة، “إن المرأة التي تفاجأ بأن هناك زوجة ثانية تشاركها في زوجها تعيش مأساة إنسانية لأن البعض يعتبرها معيوبة، وهذا تنمر وأذى نفسي، كما أنها تشعر بأنها نظر شريكها مجرد خادمة، ما يجعل وجود تشريع يقيد التعددية ضرورة حتمية”.
وتوضح لـ”العرب”، أنه “أمام تضارب آراء رجال الدين حول التعددية الزوجية، فمطلوب من البرلمان أن يتعامل مع مشروع القانون بطريقة مدنية، طالما أنه يكرس للاستقرار الأسري والمجتمعي، والدين رهن التعددية بالعدل والمساواة وتوافر الأسباب المقنعة”.
ويؤيد المجلس القومي للمرأة ما تسوقه الكثير من الناشطات النسائيات في مصر، من أن تدخل بعض رجال الدين في العلاقة الزوجية، وإباحتهم للتعددية دون شروط، تسبب في الكثير من الأزمات، لأنه يمثل تحريضا غير مباشر للرجال على أن يتزوجن بكل حرية دون اكتراث بما يلحقه ذلك من أذى على الزوجات.
المشكلة عندما يكون هذا الرأي الديني صادرا عن جهة رسمية مثل دار الإفتاء، فمؤخرا قال أحمد ممدوح أمين الفتوى بالدار، ردا على سؤال امرأة تقول فيه “اكتشفت زواج زوجي بأخرى فخيرته بيني وبينها ليطلقها، فهل علي وزر؟”، فقال “لا تطلبي منه الطلاق لأنه لم يرتكب حراما فهو تزوج على سنة الله ورسوله، حاولي أن تتعايشي مع الأمر والله يصبرك على هذا”.
وترى رانيا يحيى عضو المجلس القومي للمرأة أن بعض التصريحات الصادرة من فقهاء غير مقبولة ومستفزة ومخزية، لأنها تعيد المرأة إلى العصور الجاهلية والغرض منها “الشو الإعلامي”.
مع تفعيل القانون سيكون أيّ رجل مطالبا بالعودة إلى شريكته، فإما أن تمنحه الموافقة كتابة وإما ترفض، ولا يكون أمامه سوى الانصياع، أو ممارسة الضغوط عليها
ورغم مرونة شيخ الأزهر ورفضه التعدد المطلق، لكن المؤسسة نفسها رفضت الدعوة إلى حظر قانوني لتعدد الزوجات وتطبيق نموذج تونس.
الخوف الأكبر أن يكون قانون تقييد التعددية، مقدمة لتفشي ظاهرة الزواج العرفي في المجتمع، لأن الكثير من الرجال لن يستطيعوا بسهولة الحصول على موافقة الزوجة بالزواج الثاني، بالتالي يصبح الارتباط السري هو الحل للتحايل على القانون، ما يتطلب غلق أي ثغرة ينفذ منها الرجال للالتفاف على عقوبات خداع الزوجات.
ويؤيد المؤيدون لهذا الطرح أن تكون هناك عقوبات صارمة على الزوج الذي يتحايل على طلب موافقة زوجته، بالزواج عرفيا، لما يسببه ذلك من مشكلات أسرية عصية على الحل، مثل حرمان المرأة من ميراثها وعدم تسجيل الأبناء، وأحيانا رفض الاعتراف بنسبهم، بالتالي فتقييد التعددية لن يتحقق دون غلق منافذ الزواج السري.
*المصدر: العرب
www.deyaralnagab.com
|