logo
لاجئات في مصر يخففن لوعة الغربة في جلسات وناسة!1!
بقلم : رحاب عليوة ... 30.01.2021

القاهرة – في ضاحية إمبابة الشعبية بمحافظة الجيزة القريبة من القاهرة، يُلاحظ تمركز كبير للاجئات سودانيات وإرتريات وصوماليات، وعلى الرغم من أن غالبيتهن يقمن منذ سنوات طويلة، غير أن اندماجهن في المجتمع لا يزال بعيد المنال، ما جعل مهمّة التخفيف من مشاعر الغربة واستحضار الوطن شاغلا رئيسيا.
وبفضل صحافية سودانية، هجرت الصحافة على أعتاب مصر، بات لدى هؤلاء اللاجئات أوطان صغيرة يقمن داخلها، تحديدا في مركز للتعليم والنشاط المجتمعي تحت اسم “أجيال المستقبل”، افتتحته ميسون عبدالسلام وزوجها لكسر شعور الغربة في بلد اللجوء.
ولا تفعل ميسون أكثر من أن تستقبل السيدات بضحكة بشوشة وضيافة سودانية كريمة وآذان صاغية، وتتولى تسجيل الشكاوى والنكات وتتفاعل مع كل منها بالاهتمام ذاته.
وليس لهؤلاء أكثر من هذا كي يمررن به ثقل أيامهن، وبات “فنجان القهوة” يتعدى دائرته الضيقة ليضيف هالة من البراح المؤقت على معيشة هؤلاء اللاجئات اللاتي يُنفضن همومهن بمجرد جلوسهن داخل إحدى ساحات المركز.
واستضاف مركز “أجيال المستقبل” محررة “العرب” في إحدى الجلسات للفضفضة التي يكررنها كلما شعرن بالحاجة إليها، كما أن تلك الجلسة سبقتها أخرى تمثلت في اجتماع مع إحدى المنظمات المدنية لبحث تقديم قروض صغيرة لافتتاح مشاريع.
وتطرقت الجلسة الأولى إلى الأوضاع الاقتصادية للاجئات وأسرهن والصعوبات التي واجهنها في ظل جائحة كورونا، والمهن التي يعملن بها، وتعامل المصريين معهن ومدى تقبلهن.
وتتقاطع معاناة اللاجئات على اختلاف جنسياتهن، فيما تظل الأصعب مع صاحبات الجنسيات الأفريقية، حيث يواجهن تنمرا حتى أن أكثر من لاجئة كررت العبارة.
ويواجه بعض اللاجئات التحرش اللفظي في الشارع، ولا يستطعن تقديم شكاوى ليتجنبن المزيد من المضايقات من قبل بعض الأهالي.
وتسلك اللاجئات طريقين، الأول “المشي جنب الحيط” وفق المثل المصري الرائج، فيما اختارت أخريات طريقة “التعامل بالمثل”، لكنهن تؤكدن عدم قدرتهن على المجاراة.
وخلال جائحة كورونا تضاعفت أعباء اللاجئين، حيث توقف الدعم المادي والمشاريع المجتمعية التي ترعاهم.
وقالت ميسون عبدالسلام “فجأة شعرنا أننا معلقات في الهواء دون سند أو غطاء”. وهنا ظهرت قوة “فنجان القهوة” من جديد كجلسة مساعدة وكيف أن شيئا كهذا يمكن أن يساعد الآخرين.
وأضافت لـ”العرب”، “من كان يملك كيس أرز كان على استعداد لمشاركته مع الآخرين، بدأنا الدعم بوجبة أرز باللبن، وقد كانت بالنسبة إلى بعض الأسر جل ما تملكه في رمضان الماضي، وخلال تلك الأزمة أيضا تشاركنا مع الناشطة في المجتمع المدني شروق مصطفى التي أطلقت مؤسسة ‘مستورة’ لدعم الأسر المحتاجة”.
وبفضل جهود شروق وميسون وصديقاتها من اللاجئات وتبرعات الأهالي استطعن تغطية احتياجاتهن كي تمر الأزمة، وتعود الأمور إلى نصابها، فمن يملك متجرا عاد إلى افتتاحه ومن كانت تعمل معينة منزلية عادت إلى عملها، وانتظمت الأفراح بليالي الحنة السودانية التي تمثل مصدر دخل للكثيرات.
وبعد تداول الأزمات زمن كورونا، انتهت اللاجئات إلى رفض فكرة منحهن قروضا يضطررن إلى إعادتها، فيما لا يثقن في مستقبل أي مشاريع لهن، ما يعرضهن لأن يصبحن ليس لاجئات فقط، وإنما لاجئات ومدينات.
ومع ذلك طلبت لاجئات أن يحصلن على منح لإعانتهن على افتتاح مشاريع دون حمل هموم نجاح المشروع أو عدمه.
وخلال حديث لـ”العرب” مع بعضهن لمست رغبتهن في أن يحافظن على بساطتهن داخل المجتمع ويتحملن تلك الحالة من القلق وعدم الاستقرار، على خلاف ما تفعله الجالية السورية مثلا أو الجالية اليمنية.
ولفتت ميسون إلى أن الاندماج مع أهالي المناطق الشعبية بالنسبة إلى اللاجئين ليس يسيرا، خصوصا الأفارقة، حيث تقف اللغة عائقا في التواصل وتمنع أبناء اللاجئين من الاندماج في المدارس، فيستعيضون عنها بالمراكز التعليمية كمركز أجيال المستقبل.
وأشارت إلى أن مركزها يقدم خدمات لأكثر من 250 طالبا وطالبة من مختلف الفئات العمرية ويقوم بتدريس المنهج السوداني.
والتقت “العرب” أحد التلاميذ في الصف الخامس الابتدائي، وجاء إلى مصر قبل سنوات من السودان وانقطع عن التعليم، وعند سؤاله عن إجادته القراءة والكتابة أجاب بالنفي، وعلل ذلك بأنه انتظم في المركز منذ شهور قليلة.
وبعد نحو ساعتين، فصلا لجلسة اللاجئات مع المنظمة المجتمعية عن جلسة الفضفضة والاجتماع حول فنجان القهوة والفشار والحلوى، لاحظنا أن هناك محاطات برائحة البخور السوداني.
والغرفة نفسها التي استضافتهم في الصباح وحملت حكايات وقصصا ثقيلة، بين التحرش والوصم، حيث روت إحداهن تعرضها لمضايقة من عائلة كانت تعمل عندها في تنظيف الشقة، لكن في غضون دقائق قليلة وبمجرد حضور السيدات واجتماعهن حول الحلوى والقهوة، تبدأ أجواء المرح.
وتتولى إحداهن مهمة الأغاني وتصل سماعة بالهاتف لتصدح بأغان سودانية يدندن معها ويتمايلن.
وعلى ذكر الأفراح تتولى قائدة المجموعة ميسون، زف خبر عن خطبة قريبة لإحدى الناشطات معهن، تقفز الفرحة من وجوههن ويبادرن إلى إطلاق الزغاريد المتتالية، ثم يتناقشن في ترتيب موعد لزيارة العروس المرتقبة لإجراء الحنة لها.
وتفرغ فناجين القهوة سريعا، فتميل واحدة على القدر وتحمله، وتبدأ في جولة جديدة من ملء الفناجين ومعها الحكايات، ولا يتحفظن على استقبال من ترغب في الاندماج معهن من مصريات بترحاب.
إحداهن
وتقول سناء، لا يزال مقدّرا لي أن أجلس معكن أكثر، ولا يزال في رزقي بعض من تلك الضحكات، وتؤكد أنها ستفتقدها كثيرا بعد أن ترحل.
وكانت سناء قد حصلت على موافقة على إعادة توطينها في بريطانيا منذ العام 2018، وكان يُفترض أن تغادر في مارس الماضي قبل أن تقلب جائحة كورونا كافة الموازين، ولا تعلم متى ستزول الغمة، لكنها رغم ذلك لا تبدي استعجالا أو رغبة آنية في الرحيل، لأنها غير واثقة من أن بريطانيا سوف تحمل لها جلسة قهوة تعيد إليها الشعور بحميمية الوطن.
ومن بين الجالسات، كانت سارة الأكثر خجلا والأصغر سنا، تحمل صغيرتها تالا، فيما تتبادل المشاركة بالضحك دون المساهمة بالنكات.
وجاءت سارة قبل شهرين فقط، ولم تخرج بعد من أثرِ صدمة الاغتراب الأولى، ولم تستسغ الاستغلال الذي تعرضت له عند استئجار شقتها أو التنمر في الشارع، لكنها رغم ذلك تبدي امتنانا لتلك الجلسة التي تخفف عنها الكثير.

*المصدر : العرب

www.deyaralnagab.com