حكومات كلّما جوّعت شعبها أكلت نساءها!!
بقلم : هاجر منصوري ... 25.01.2021
تعاقبت الحكومات في الجمهوريّة التونسيّة الثانية بعد ثورة 14 جانفي 2011، وتعدّدت فيها أسماء الرّجال ممّن استفردوا بـ"الرّأس" في الحكومة والبرلمان والدولة والأحزاب وتورّكوا جميع المناصب الوزاريّة ورقابهم مشرئبّة إلى وزارتي العدل والداخليّة وعليهما يتنافس المتنافسون ولأجلهما تسقط "العِمّة" وتشدّ "ربطة العنق" وتشحذ الهمّة، أمّا النساء فلا أهليّة لهنّ في " إمامة" البرلمان أو الحكومة، أو الدولة، وحتّى الأحزاب. واقتصر حضورهنّ بشكل أفقيّ في قواعد هذه الصروح السياسيّة، وشرع يخفت بريقه يوما بعد يوم حتّى فاجأنا التحوير الوزاري الأخير الذي أعلنه مساء يوم 16 جانفي 2021 رئيس الحكومة هشام المشيشي بعد مشاورات حثيثة مع الائتلاف البرلماني المساند للحكومة، وكانت القائمة النهائية للتحوير الوزاري تضم تغييرا في 11 حقيبة وزارية لا يقترح فيها أيّ اسم نسائي.
ونرى في هذا التحوير الرجالي الصرف هدرا للحراك النسوي التونسي بل تعمّدا مقصودا إلى تصفية النَفَس النسائي عن تحمّل أعباء الحقائب الوزاريّة، فيكفيها فيما يعتقدون أن تحمل حقائب الملابس أو الزينة أمّا الوزارات فلها رجالاتها ولا مجال لرِجْل النساء أن تطأ بلاطها إلاّ فيما قلّ وندر. ومثل هذا الإجراء يثير ريبتنا في مسار المناصفة بين الجنسين في المجال السياسي، فهل فقدت النساء الأهليّة في التكليف الوزاري وحتّى الرّئاسي أم هل قصّرن حتّى يتمّ التفويت في حقّهنّ ؟ أم أنّ الأمر يتجاوز الحراك النسوي ذاته إلى الاصطدام بالموروث الاجتماعي الذكوري؟ أم لعلّنا أمام حكومات حينما تجوّع شعبها تأكل نساءها ؟
ولكلّ من يصمّون آذانهم عن ضرورة مشاركة النساء في مراكز القرار السياسي باعتبارها حقّا دستوريّا وليس منّة أو ترفا سياسيّا، فإنّنا نذكّر فحسب بأنّ النساء ساهمن في الثورة، حينما انتفضن في الشوارع مطالبات بإسقاط النظّام، ونالهنّ الضّرب والإيقاف، واستشهدن في سبيل هذه الجمهوريّة الثانية. وحتّى بعد أن سقط النظام تواصل حضورهنّ في الحراك الثوري المنادي باستكمال مسار الثورة فتصدّين ضدّ كلّ من حاول الرّجوع بتونس إلى مربّع الدّكتاتوريّة المتلوّنة بصبغة الحكم الثيوقراطي، ولنا في اعتصامي القصبة 1 و2 خير شاهد على دور النساء مثلهنّ مثل الرّجال في إسقاط حكومة محمّد الغنوشي وإحداث البرلمان أملا في تحقيق أهداف ثورة الحريّة والكرامة والعدالة الاجتماعيّة.
وواصلت النساء النضال في المنابر السياسية والإعلاميّة للمطالبة بالمساواة في الحقوق والواجبات وخاصّة في مجال المشاركة السياسية عبر تقلّد مناصب عليا في الدّولة. ونتيجة لتلك التحرّكات تبنّى المجلس الوطني التأسيسي في ماي 2011 قاعدة التناصف والتناوب في القائمات الانتخابية، وتمّ إدراج فصل في باب الحقوق والحريات يقر بأنّ:" المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز". وكانت النساء في كلّ الانتخابات حاضرات بكثافة يمارسن حقّهنّ الذي حرمن منه لسنين طوال ، وقد بلغت في انتخابات 2011 نسبة الناخبات المسجلات إراديّا 46% أمّا نسبة المترشّحات على القائمات فقد بلغت 48%، وكذا الشّأن بالنسبة إلى انتخابات 2014 إذ فاقت نسبة النّساء المسجّلات في الانتخابات الــ 50 %، فيما بلغ عدد المترشحات حوالي 47 %. ولكن رغم تقارب نسبة الرجّال والنساء في هذه الانتخابات فإنّ النساء في الانتخابات الأولى شغلن فقط نسبة 27 % من المقاعد البرلمانية أي في حدود الرّبع، وفي الثانية نجد 12 امرأة فقط منهنّ ترأّسن القائمات الانتخابيّة، وشاركت تونسية واحدة فقط من 26 مترشّحا في السباق نحو قصر قرطاج.
فبين جمع أصوات النساء للانتخابات وطرحها عن المسؤوليات والقيادة السياسيّة ضرب للحراك النسوي أوّلا ولمدنيّة الدوليّة ثانيا. وهو تزييف للوعي النسوي إذ يؤتى بأصواتهنّ للتعبئة أمّا مركز القرار فيقطفه من استغلّ صوتها، وكأنّ النساء بعد كلّ نضالاتهنّ لم يبرحن مكانهنّ من الاستغلال والتوظيف وإلاّ فبماذا نفسّر حضورهنّ المحتشم في تشكيل الحكومات المتعاقبة في تونس الجمهوريّة الثانية؟ بدءا بحكومة الترويكا التي تشكلت من 48 عضوا وأسندت فقط للنساء 3 مناصب وزارية. والحصيلة ذاتها تتكرّر مع حكومة المهدي جمعة التي أسندت بدورها 3 مناصب فقط للعنصر النسائي، فيما ضمّت حكومة الصيد وزيرتين و5 كاتبات دولة. وهكذا دواليك مع الحكومات المتوالية وصولا إلى حكومة هشام المشيشي التي اقترحت في تحويرها الوزاري 11 حقيبة منحتها جميعها للرجال.
فلِمَ هذا الاستثناء النسائي عن مراكز القرار؟ النساء يمررن على صراط النضال والكفاح والثورة، ينتفضن، وتتعالى أصواتهنّ:" نريدها تونس حرّة أبيّة.. نريدها عيشا كريما وعدالة اجتماعيّة.. نريدها خضراء ننعم بخيراتها رجالا ونساء.. نريدها مناصفة"، ولكن حينما يبدأن قطاف نضالاتهنّ يتساقطن من غربال التشكيل والتحوير ولا تبقى إلاّ التي لها القدرة على تبييض النظام أو تسويد المسار . وإن كنّا لا نعوّل كثيرا على هذا التحوير الوزاري الرّجالي إذ لا يعدو أن يكون مجرّد مسايرة لرمال النظام القديم المتحرّكة، فإنّه قد ترسّخ أكثر في اعتقادنا أنّ النهوض بالأوطان في جميع المجالات عقليّة لا يبلغها أصحاب العقليّة الذكوريّة المتنفّذة والتابعة في مجتمعاتنا..
وعليه يكون من الأحرى على النساء أن يعلمن أنّهنّ بذواتهنّ قادرات على مواصلة المسار النضالي بعيدا عن أن تكون زوجة سياسي أو أخته أو ابنته أو تابعة له فبمثل هذه الانتماءات لن تخرج من جلباب التبييض أو التسويد، في حين أنّنا بحاجة إلى نساء على رأسهنّ عَلَم وفي ذهنهنّ وعي سياسي وطني وبين ضلوعهنّ مسار نضال قدّمت فيه المرأة الغالي والنفيس حتّى يكون لخلفها من النساء صوت حقيقيّ لا مزيّف... حتّى لا تأكلهنّ حكوماتهنّ حينما تجوّع شعبها.
*المصدر : مركز مساواة المرأه
www.deyaralnagab.com
|