المهرجانات السينمائية.. منصة المرأة للحديث عن معاناتها !!
بقلم : إنجي سمير ... 02.12.2018
*سلّط مهرجان القاهرة السينمائي، في دورته الحالية الـ40 الأضواء على قضايا المرأة العربية موزّعة بحسب ثمانية أفلام لمخرجات عربيات بين القهر والاغتصاب والعنوسة، ليؤكد المهرجان بذلك أن قضايا النساء أصبحت مادة دسمة ومثيرة في الأعمال السينمائية، ووسيلة أقوى للتوعية بحقوق الفتيات وحريتهن.
القاهرة - باتت المرأة وقضاياها وجبة أساسية، إن لم تكن رئيسية، على مائدة أي مهرجان سينمائي، يتنافس فيه المخرجون والمخرجات على تقديم صور مختلفة عن المرأة المعيلة والمقهورة والعاملة، عبر مناقشة جادة في أعمال سينمائية تتسابق المهرجانات على عرضها.
في مهرجان القاهرة السينمائي الحالي الذي انطلقت فعالياته في 20 نوفمبر الحالي وتستمر إلى غاية 29 منه، جاءت الصورة أشمل لتكون المرأة العربية هي قيمة وقضية المهرجان الرئيسية ومفتاح ندواتها. واستلهمت إدارة المهرجان قضايا معاناة المرأة من الموضوع الأكثر جدلا هذا العام في السينما العالمية حول طبيعة التمثيل المتوازن بين الرجال والنساء في صناعة السينما.
واختار المهرجان المصري الاحتفاء بالمخرجات العربيات، عبر عرض ثمانية أفلام لهن حققت حفاوة دولية خلال الأعوام الأخيرة، ولكل منهنّ ظروف مختلفة، وإن تشابهت بعضهن في الاهتمامات، قدّمت عبرها المخرجات حكايات من لحم ودم وتفاصيل مؤلمة وقاسية لتجارب المرأة في العالم العربي.
ماجدة موريس: الوقت حان ليكون للمرأة تواجد في كل المهرجانات العربية وأن تُعرض أفلام تناقش قضاياها في كل الأقسامماجدة موريس: الوقت حان ليكون للمرأة تواجد في كل المهرجانات العربية وأن تُعرض أفلام تناقش قضاياها في كل الأقسام
وفضّلت المخرجات أن يقدّمن القصص بواقعها القاسي من خلال لغة بصرية وسينمائية مميزة نجحت في أن تلفت أنظار الجمهور، وتلقى حفاوة في المحافل السينمائية المختلفة.
ووقع اختيار المهرجان على الفلسطينيتين مي المصري وآن مارى جاسر، والتونسية كوثر بن هنية، والمصريتين هالة خليل وهالة لطفي، والسعودية هيفاء المنصور، والإماراتية نجوم الغانم، والسورية غاية جيجي، واحتفل المهرجان بالذكرى المئوية لميلاد الروائي المصري إحسان عبدالقدوس، أفضل من كتب عن المرأة بمختلف أطيافها وميولها، كما جاء في أفلام “أنا حرة” و”لا أنام” و”النظارة السوداء” و”البنات والصيف” و”الخيط الرفيع” ، و”إمبراطورية ميم”.
*عالم أنثوي
تختلف القصص المعروضة في مضمونها، لكنها تتشابه في أنّ جميعها عرض في طياتها صورا مختلفة لأزمات ومحن تواجه السيدات العربيات دون حلول جذرية. في كل حكاية سرد لواقع أليم يعود بعضه لأسباب عقائدية راسخة، ومعاناة بين مجتمع قاس وظروف لا ترحم.
وجاء أول تلك الأعمال المعروضة ما قدّمته المخرجة هالة لطفي عبر فيلمها الروائي الطويل الأول “الخروج للنهار”، ويحكي عن أسرة فقيرة تعيش في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة تتعرّض لمحنة، حيث الأب قعيد، والأم تعمل ممرضة، وابنتهما فتاة ثلاثينية عانس تواجه مشاكل في التعبير عن مشاعرها وأحلامها، ولم تخرج من البيت لأنها ترعى أباها المريض.
وقالت لطفي لـ”العرب” إن فيلم “الخروج للنهار” كان هاجسا بالنسبة لها، فهو يحمل اعتبارات مسكوتا عنها داخل الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص، وأن فكرة البحث عن الذات عند الخروج من منزل العائلة، من العقبات الصعبة التي تواجه المرأة العربية في مجتمع متحفظ لا يتيح الفرصة الكاملة والعادلة للجميع.
وأضافت أن مناقشة الفيلم لأزمة العنوسة لدى المرأة وما يلحقه من تبعات نفسية واجتماعية، إحدى أكثر المشكلات المجتمعية التي تضع كل سيدة تحت ضغوط غير مبررة ومؤذية وتحتاج إلى تعديل.
وجاء اسم الفيلم منبثقا من تعبير مجازي عند الفراعنة، معناه أن الموت بوابة للحياة، وهو التعبير الذي أشارت إليه المخرجة المصرية من خلال بطلة الفيلم، بعد أن تمكّنت الفتاة الصغيرة من العيش بعد وفاة والدها بمفردها، ونجحت في النهاية أن تجد في الحياة أملا.
وأشارت لطفي إلى أن السينما العربية، إحدى أكثر السينمات تمثيلا للمرأة بنسبة تصل لـ50 بالمئة مقارنة بأوروبا التي لا تزيد نسب مشاركة المرأة فيها عن 20 بالمئة، وأن الصناعة السينمائية في مصر قامت على أكتاف سيدات، ومن ضمن أدوارها التوعية بقضايا المرأة.
وأكدت أن الاهتمام بسينما المرأة صدى لاهتمام مفاجئ في العالم كله، بعد أن أعلنت مهرجانات سينمائية الكبيرة، مثل فينسيا، أن تكون نسبة الأفلام المشاركة في الأقسام الرئيسيّة مناصفة بين الرجال والسيدات.
هالة لطفي: السينما العربية إحدى أكثر السينمات تمثيلا للمرأة بنسبة تصل إلى 50 بالمئة مقارنة بأوروباهالة لطفي: السينما العربية إحدى أكثر السينمات تمثيلا للمرأة بنسبة تصل إلى 50 بالمئة مقارنة بأوروبا
وحرصت إدارة مهرجان القاهرة على مسايرة ذلك، بعدما شعرت أن الوقت حان لتقديم لمسة احتفاء بمخرجات عربيات.
واختارت هيفاء المنصور، أول مخرجة سينمائية سعودية وصاحبة أول فيلم سعودي طويل يتم تصويره داخل المملكة، تسليط الضوء على مجتمعها المتحفظ بحكاية تلميذة تبلغ من العمر 11 عاما، مشاكسة ومتمرّدة، تتمتع بشخصية قوية وذكية، تحب موسيقى الروك، وتقرّر شراء دراجة هوائية والتسابق مع صديقها عبدالله والفوز عليه.
ورغم أن الجمع بين فتاة ودراجة هوائية أمر غير مقبول في السعودية، إلا أن الطفلة تقرّر أن تقود الدراجة وتنطلق بكل حرية في شوارع مدينتها كاسرة العادات والتقاليد. ولم تكن منصور فقط في حد ذاتها رسالة تمرّد على الأفكار التي تقيّد عمل المرأة بعملها كمخرجة سينمائية، لكن أرادت ترسيخ صور متعددة من خلال فيلمها للتحكم في الفتيات، من أجل التوعية بضرورة تغيير تلك الصور النمطية وفتح مجال أوسع لحرية السيدات السعوديات.
*المرأة المناضلة
جابت كلّ من هالة خليل بفيلمها “نوارة”، والمخرجة الفلسطينية مي المصري بفيلمها “3000 ليلة” والسورية غايا جيجي بفيلمها “قماشتي المفضلة”، عالم كفاح المرأة السياسي والاجتماعي، في غضون فترات معقّدة وصعبة مرّت بها بلدانهنّ.
واختارت المخرجات الثلاث المرأة رمزا سياسيا على حالة الصعود والهبوط الذي مرّ به العالم العربي خلال فترة الثورات والمحن المتعاقبة منذ عام 2011.
وقدّمت خليل صورة من صراعات الفقر والطبقية ورحلة البحث عن العدالة الاجتماعية المفقودة، من خلال بطلة العمل “نوارة” التي مثّلت صورة مصغرة للفتاة المكافحة القادمة من حي شعبي، وتعيش قصة حب مع جارها علي.
وجاءت ثورة 25 يناير عام 2011 في مصر لتقلب الموازين وتحمل أحلام الشباب بتغيير حياتهم. ويغوص الفيلم في تأثير ظروف الفقر على الحب، والصراعات الطبقية خلال عمل البطلة كخادمة في فيلا أحد الوزراء السابقين.
وعبر تجربة عملها في بيوت الأغنياء، تنضج نوارة وتصير أقلّ سذاجة في التعامل مع معطيات الحياة، لتدرك في النهاية، على الرغم من أن الثورة قامت للمطالبة بحقوق الفقراء في حياة أفضل، لكنها حوّلت حياتهم بعد سبع سنوات لأكثر عسراً وألماً، وفقدوا قدرتهم على الحلم بمستقبل أفضل.
ووجّه مهرجان القاهرة السينمائي تحية خاصة إلى المخرجة السورية غايا جيجي، من خلال فيلمها “قماشتي المفضلة”، ويجسد شخصية فتاة سورية شابة تدعى “نهلة” تعيش مع أسرتها المكوّنة من الأم وثلاث شقيقات في عمارة سكنية في دمشق.
مي المصري جابت عالم كفاح المرأة السياسي والاجتماعي، في فترات صعبة مرّت بها بلادهامي المصري جابت عالم كفاح المرأة السياسي والاجتماعي، في فترات صعبة مرّت بها بلادها
وتعمل نهلة في محلّ لبيع الفساتين والأقمشة في دمشق، قبل أن تندلع أحداث الغضب السورية في مارس عام 2011، وتتمدّد الأحداث التي نشاهدها من خلال لقطات تسجيلية، ويظهر الرئيس السوري بشار الأسد مرات عدة، ثم نسمع صوته وهو يلقي خطابا يدين فيه الثورة ويؤكد على وحدة الصف، وتنفجر الحرب الأهلية، وعمليات القصف الجوي للمدن الآمنة، وترويع المدنيين بواسطة الجيش والميليشيات.
وتدور الأحداث من خلال نهلة التي هي نتاج للقهر في المجتمع السوري، ورغم ذلك تحاول أن تعيش عالمها الذي صنعته في خيالها، وتريد أن تعبّر عن نفسها، لكنها تبدو مشلولة.
وتدبّر أمّها زيجة لها من شاب سوري مهاجر مع أسرته للولايات المتحدة منذ كان صغيرا، لعله يتيح لنهلة وأسرتها فرصة الهجرة، والفرار من الواقع الخانق في دمشق، لكن العريس المنتظر يختفي، ويأتي شاب آخر، جندي في الجيش السوري، عنيف وسادي.
وقررت مي المصري، وهي أول تجربة لها في السينما الروائية، التعرّض لأحوال المعتقلات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، من خلال قصة حقيقية لسيدة تضع مولودها داخل أحد السجون الإسرائيلية، وهي مقيّدة بالسلاسل، إلا أن هذا الموقف كان نقطة تحوّل نحو الأمل وليس القهر، ويصبح حدثا ملهما يحفّز السجينات الأخريات اللواتي فهمن باكرا أن اتحادهن سلاحهن الوحيد لمحاربة ما يواجهنه من قمع، وعليهن التضامن وكسر الجمود داخل الأسر.
عبّرت الأفلام الثلاثة عن المسؤولية الملقاة على الأعمال السينمائية بنقل رسائل خاصة يصعب أحيانا التعبير عنها عبر الكلمات والخطب، ما جعل تلك الأفلام التي تناولت المرأة بعيون فريدة أكثر جاذبية وتأثير في الحضور.
ويرى خبراء أن الصورة السينمائية والتصوير والأداء التمثيلي أدوات قادرة على لمس القلوب والعقول من أجل الترويج لفكرة معيّنة والتوعية بمخاطرها، وفي حالة المرأة، قدّمت تلك الأعمال تأثيرات عبّرت عن حالة كفاح السيّدات ضد الاحتلال أو الظروف السياسية القاسية.
*ميزان الأسرة
لم تتوقّف مشاركة المخرجات العربيات عند الأبعاد السياسية فقط، لكن شاركت ماري حاسر مواطنتها مي المصري في عملها الإبداعي من أجل المرأة وقضاياها في فيلم “واجل” عبر تسليط الضوء على الترابط الأسري داخل العائلة ودور المرأة، ومدى تأثيرها على الفتيات.
ويتناول الفيلم قصة شادي الذي يحضر من روما إلى فلسطين مع اقتراب موعد زفاف شقيقته ليقرّر أن يوزّع دعوات الفرح يدويّا هو ووالده، وخلال تلك الرحلة تتكشّف تناقضات الحياة التي يعيشها الأب وابنه، وما تتسم به من تعقيدات وأزمات تواجه حركة المرأة وعملها بحرية.
وحرصت إدارة مهرجان القاهرة في دورته الـ40 أيضا على الاحتفاء بالمخرجة التونسية كوثر بن هنية وفيلمها “على كف عفريت” الذي يتناول واقعة اغتصاب تعرّضت لها فتاة في تونس عام 2012 من جانب رجُلي شرطة، وكيف قضت الليلة بكاملها تحاول إثبات واقعة الاغتصاب، لتنتقل ما بين أقسام الشرطة والمستشفيات، لتتعرّض للمزيد من الإهانات والإهمال المتعمد واللامبالاة والتهديدات المختلفة.
وتبرز كوثر من خلال الفيلم، ما تمرّ به الفتاة مريم، الطالبة الجامعية من تداعيات خلال احتكاكها بالشرطة والمؤسسة الطبية الرسمية والإعلام لإثبات ما تعرّضت له. ويظهر ذلك جليّا عبر مشهد لقاء مريم بطبيبة الطوارئ التي ترفض إجراء كشف وكتابة تقرير لها بحالتها بدعوى أن الاغتصاب ليس من حالات الطوارئ.
"على كف عفريت" يسلط الضوء على قضايا الاغتصاب"على كف عفريت" يسلط الضوء على قضايا الاغتصاب
وتقول لها الطبيبة بوضوح إنها غير مختصة وغير مؤهلة لفحص حالات الاغتصاب الذي هو من مهام الطب الشرعي، ليفضح الفيلم المجتمع بقيمه البليدة التي تجعل من الضحية مذنبة. وترى الناقدة ماجدة موريس أن فكرة تخصيص قسم للمرأة في مهرجان القاهرة خطوة مهمة في تاريخ المهرجان، مشددة على ضرورة الاحتفاء بالمرأة كل دورة لكونها عنصرا مؤثرا في السينما المصرية والعربية، لأن الكثير من صنّاع الأفلام سيدات، بعضهنّ يحرصن على طرح مشكلات المرأة في السينما بشكل جادّ.
وأوضحت موريس لـ”العرب” أنّ الوقت حان ليكون للمرأة تواجد في كل المهرجانات العربية وأن تُعرض أفلام تناقش قضاياها في كل الأقسام، مؤكدة أن المهرجان نجح في تحقيق هذه المعادلة خلال الدورة الـ40، فالمرأة منتشرة في أقسام المهرجان المختلفة، وفِي لجان التحكيم.
وأكدت أن السينما بشكل عام تحتاج إلى أفلام للمرأة، فرغم أننا لا نعاني من قلّتها، ولكن لا بد من تذكيرنا دائما بأهمية تواجدها، من ناحية الإخراج أو التمثيل في دور الجدة والأم والابنة والحفيدة، وكلها عناصر أساسية في المجتمع لا بد من النظر إليها وتقديمها.
ويختتم المهرجان سلسلة احتفاءاته بالمرأة عبر تقديم عمل “آلات حادة”، للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم، والذي يعدّ مختلفا عن أفلام المخرجات الأخريات من ناحية الشكل والمضمون، فهو فيلم تسجيلي لا يحمل همّا وطنيا أو مجتمعيا.
ويستعرض الفيلم مسيرة فنان تشكيلي (حسن الشريف) الذي وافته المنية قبل أن يقدّر له مشاهدة الفيلم، ومن خلال هذه المسيرة يتجسّد تراث البلد وتاريخه. واستلهمت المخرجة اسم الفيلم (آلات حادة) من أدوات الفنان في تطويع مواد، مثل الأخشاب والمعادن والأسلاك والحبال لصنع أعماله التشكيلية.
المصدر :العرب
www.deyaralnagab.com
|