المرأة المثقفة في المجتمع العربي مارقة عن النواميس الذكورية!!
بقلم : شيماء رحومة ... 02.04.2017
تسير المرأة العربية قدما لتحويل تحررها النسبي إلى كلي، متحدية كل العوائق والصعوبات، وهذا ما صرحت به مجموعة من الباحثات لـ”العرب” بأنهن لا يزلن يكافحن نظرة مجتمعاتهن السلبية ويتحدين المواقف المعرقلة عبر الصمود ومواصلة المشوار للمساهمة في تغيير العقليات الرجعية السائدة لدى البعض.
يعد تباحث القضايا المرتبطة بالمرأة العربية من المسائل الشائكة لما يحيط بها من قراءات تختلف وتتباين بحسب وجهات نظر مجتمعات عربية تضع نساءها محل دراسة وتمحيص وتفحّص غافلة عن حلقة هامة لصيقة بالمرأة منذ نجت من الوأد إلى أن صارت صوتا يرفض الرضوخ للنواميس الذكورية، وهي لماذا تحاصر المرأة بنظرة دونية من الأساس؟ وما دوافع تصنيفات ذكورية وأنثوية لا نجد لها مثيلا في الدول الغربية؟
وعلى كثرة القضايا التي لا تزال تكافح المرأة للفوز بها قضية النظرة السلبية للمرأة الكاتبة والباحثة في المجتمعات العربية، والتي تلصق بها صفات لاأخلاقية هدفها النيل من سمعتها وكرامتها لإثنائها عن التقدم.
وقد قدمت نخبة من الباحثات والكاتبات العربيات آراءهن حول هذه المسألة من خلال حديثهن لـ"العرب" عن أبرز المواقف التي تعرضن لها خلالها مسيرتهن وكيف لا يزلن يحاربن هذه النظرة العربية المقزمة.
وقد كان الباعث على الخوض في هذه المسألة دون سواها رغم تحرر المرأة العربية، لا سيما بعد الثورات العربية، رسالة من صديق افتراضي أرسلها لي على صفحتي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وكان فحواها "أردت التعرف عليك لكنني وجدت أنك صديقة افتراضية مع الباحثة.. ولا يسعدني التعامل مع …."، لن أذكر اسم الباحثة رغم شهرتها على مستوى عالمي ولا بما نعتها وسأكتفي فقط بوضع يدي على مثل هذه النظرة السلبية بفتح المجال للمرأة الباحثة والكاتبة التي اختارت القلم للتعبير عن آرائها ومعالجة وإصلاح مجتمعاتها لتكشف النقاب عن معاناة لا يعي بها الكثير من محبيها.
المرأة تعيق المرأة
قالت هالة مصطفى الباحثة في مجال الإسلام السياسي ورئيسة التحرير السابقة لمجلة الديمقراطية إن نجاح المرأة العربية ككاتبة وباحثة يواجه بتحديات وصعوبات كثيرة لأن هناك معوقات كثيرة تقف في طريقها، فهي تعرضت لتشويه أفكارها من قبل عناصر تنتمي لتيار الإسلام السياسي بما يوحي للبعض أنها ضد الإسلام ووصفها بالعلمانية التي تحارب الدين.
وأضافت لـ”العرب” أنها عندما دعت للديمقراطية والحرية خلال حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك خرجت الكثير من الأقلام واتهمتها بالعمالة للولايات المتحدة وخيانة بلدها، خاصة بعدما استقالت من الحزب الوطني الحاكم احتجاجا على سياسات ما سمّي في ذلك الوقت بـ”التوريث” والسعي لتمهيد المجال لصعود جمال نجل الرئيس مبارك للحكم. وأوضحت أنها تعرضت لموقف كشف عن محاولات تقزيمها عندما استقبلت سفير إسرائيل بالقاهرة في مكتبها بشكل علني منذ عشر سنوات تقريبا إيمانا منها بأهمية السلام مع إسرائيل، وقتها تعرضت لهجوم ضار شنّه أفراد من المحسوبين على تيار اليسار المصري واتهمت بالترويج للتطبيع مع إسرائيل، وكان تشويه صورتها أمام الرأي العام هدفا متعمدا.
وأشارت أماني قنديل الكاتبة والباحثة في علم الاجتماع السياسي إلى أن التحديات التي تواجه المرأة لا ترتبط بالنظرة المجتمعية لها فمحاولات التقزيم تأتي من الرجال ومن السيدات أيضا، خاصة حينما تكون الغيرة دافعا لإعاقة المرأة الناجحة.
وأكدت لـ”العرب” أنها تعرضت للعديد من المواقف الصعبة طوال مسيرتها كخبيرة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية وكان معظمها نابعا من سيدات، لافتة إلى أن طموحها وعملها بدأب واعتمادها على ذاتها كان سرّ تميزها.
واعتبرت قنديل أن سلاحها في مواجهة التحديات البقاء للأصلح والأقوى بالعلم والعمل المتواصلين وتطوير الإنسان لقدراته الذاتية، لذلك فكل من حاربوها لم يكن لهم اسم أو وجود عملي، بل اختفوا ولم يتركوا بصمة لأنهم لم يطوروا أنفسهم وركزوا جهودهم على إعاقة الناجحين.
تهم غير أخلاقية
تمثل نوال السعداوي نموذجا آخر للكاتبات والمبدعات المصريات إذ واجهت حروبا ثقافية شرسة في مسيرتها، وثار حولها الكثير من الجدل الفكري بسبب آرائها ومواقفها الجريئة التي اعتبرها البعض خروجا على التقاليد والأعراف، لا سيما ما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة والنظرة المتدنية للفتاة العربية سواء كانت نابعة من رؤية مجتمعية أو تفسيرات دينية خاطئة.
وألّفت السعداوي التي وصلت إلى الخامسة والثمانين من عمرها، كتابا عن حياتها لخصت فيه خبراتها الطويلة، وقالت لـ”العرب” إنها تبنت قضية أساسية وهي الدفاع عن المرأة ضد سطوة وقهر الرجل، مؤكدة أن الفتاة العربية تتعرض منذ صغرها للتمييز عن الولد ما يجعلها مشوهة وخاضعة وغير قادرة على الاعتماد على ذاتها في مواجهة أعباء الحياة وتحدياتها الصعبة.
وضربت السعداوي مثلا بحقوق الرجل في طلاق زوجته وإهانة كرامتها والزواج بأخرى قد تصغره بعشرات السنين، بدون ضوابط أو قواعد أخلاقية أو دينية.
وذكرت العديد من المواقف الصعبة التي واجهتها خاصة من قبل جماعات الإسلام السياسي التي وصلت إلى حد اتهامها بالإلحاد ومحاربة الدين والزعم بأنها تسعى إلى تغيير قواعده، وشٌنت عليها حملات منظمة ووصل الأمر إلى إلقاء تهم غير أخلاقية عليها للنيل من سمعتها وإثنائها عن الاستمرار في المنهج الانتقادي.
وأكدت أن الأفكار البالية والقيم الرجعية شكلت عقبة أساسية أمام رسالتها وأهدافها وسعت بكل قوة لتغيير الأفكار والقيم القاتمة والانتصار لحقوق المرأة التي كرّمها الإسلام بينما أهانها المجتمع بنظرته السلبية لها.
وأفادت السعداوي لـ”العرب” أنها رغم محاولات التشويه التي تعرضت لها واصلت طرح أفكارها عبر كتاباتها المتعددة، وكانت حاضرة في الكثير من المؤتمرات والندوات داخل مصر وخارجها، مشددة على أنها لن تتراجع عن محاربة النظرة الدونية للمرأة العربية ومحاولات تحجيم دورها في خدمة المجتمع، حتى لو تعرضت للمزيد من تشويه صورتها.
وتعتبر الكاتبة والشاعرة الجزائرية فوزية لارادي في تصريح لـ”العرب” بأن مسألة النظرة السلبية المواجهة للمرأة الكاتبة والباحثة والمبدعة بشكل عام في المجتمع الشرقي تعود إلى جذور تاريخية وتراكمات الماضي، خاصة تلك المستمدة من هيمنة الذهنية الدينية والذكورية للمجتمع.
وأضافت “رغم الانتماء لحضارة واحدة إلا أن الواقع يختلف من بلد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، وانصهار المرأة الجزائرية في الثورات الشعبية وثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي مهد الطريق أمام التفكيك المرن لطابو شيطنة المرأة الكاتبة والباحثة والمبدعة رغم موجة الأفكار والأيديولوجيات الظلامية المنغلقة”.
وترى لارادي أن الوضع يرتبط بشكل كبير بوضع المرأة بشكل عام، فما تحوزه المرأة الجزائرية أو التونسية ليس هو نصيب المرأة في كثير من الأقطار العربية، وبالتالي فإن النظرة الضيقة تخفّ وتحتدّ بحسب المكاسب الحقوقية والمكانة في المجتمع. وذكرت أن العديد من المواقف التي اعترتها في محيطها الضيق أو المجتمع كانت نتيجة النظرة التي تقرن التمرد والانحلال والميوعة بالمرأة المبدعة، مضيفة لكن “إيماني برسالتي ووظيفتي ومبادئي ساهم في إذكاء روح المقاومة في شخصيتي لدرجة أنني فرضت أفكاري وشخصيتي وكسبت احترامي لدى هؤلاء”.
وعلى عكس لارادي تذهب الروائية المبتدئة ياسمينة مقداد إلى ضرورة احترام سلطة المجتمع وعدم استفزاز مكوناته الحضارية والروحية بالتفرد عنه أو ركوب موجة التمرد من أجل التمرد والأضواء، لأنه في النهاية لن يضيف ذلك لشخصية المرأة شيئا إلا مجرد قشور وجدلا عقيما.
وقالت صاحبة رواية “أنت أحلى سمائي” في تصريح لـ”العرب”، “لا أرى جدوى من الدخول في مواجهات هامشية مع المجتمع لأنني جزء منه، وما يذكر عن نظرة مجتمعنا الضيقة تجاه المرأة الكاتبة والشاعرة لها من الأسباب ما يبررها في بعض الأحيان لو لم يجد من طقوس حب التميز والانفرادية لدى البعض”.
وأضافت مقداد “صحيح عالم الإبداع واسع وأدق التفاصيل قد تغير مجرى الأعمال بالكامل لكن التركيز غير المبرر على بعض الخصوصيات لأغراض التمرد أو كسر الطابوهات أراه غير مجد، فكثير من الأعمال الأدبية والفنية لم تستفد من إضافة مشاهد غرائزية أو أسرار غرف النوم لطياتها غير فتح مواجهات هامشية لا تقدم ولا تؤخر في الإبداع الأدبي والفني”.
نوال السعداوي: لن أتراجع عن محاربة النظرة الدونية للمرأة العربية ومحاولات تحجيم دورها في خدمة المجتمع، حتى لو تعرضت للمزيد من تشويه صورتي
عوائق دينية
أكدت حُسن عبود الباحثة اللبنانية في مجال الدراسات الإسلامية وعضو تجمع باحثات أنها لم تتعرض لمواقف تهدف إلى التشكيك في أمانتها العلمية كباحثة. وأشارت في حديثها مع “العرب” إلى أن المشكلة التي تعاني منها ترتبط بمجال دراستها وكيفية تلقيها من قبل المؤسسات الأكاديمية. فهذه المؤسسات “لا زالت محافظة وخاضعة لنظرة الطوائف في ما يخص الاعتراف بالبحث العلمي للمرأة في مجال الدراسات الإسلامية بشكل خاص”.
وكشفت أنها تعرضت لمضايقات أثناء دراستها المرتبطة بالسيدة مريم في القرآن الكريم من قبل الطوائف المسيحية قائلة “خافت الطوائف المسيحية من السماح لي بالتعليم في المؤسسات التابعة لها لأنها تريد الحفاظ على التصور الخاص بها عن السيدة مريم، وكذلك كان الأمر بالنسبة إلى المسلمين”.
وتابعت عبود “لم تقبل المؤسسات الإسلامية بأن أتحدث عن حضور امرأة في التراث الديني لسبب يعود إلى خصوصيات تتعلق بضرورة تغليب حب النبي على كل ما عداه عند الطوائف السنية كما تسيطر اعتبارات أخرى في وسط الطوائف الإسلامية الأخرى وتحول دون السماح لي بالدخول إلى المؤسسات الأكاديمية التابعة لها”.
ولفتت إلى مسألة شديدة الأهمية تتعلق بارتباط الاعتراف العربي واللبناني بقيمة البحث انطلاقا من اعتراف الغرب به، مشددة على أن “الاعتراف بنتاجي البحثي وخصوصا البحث الخاص بالسيدة مريم في القرآن توسّع كثيرا بعد أن تمت ترجمة الكتاب إلى اللغة الإنكليزية في العام 2014 مع أنه كان متوفرا بالعربية منذ العام 2010″.
وتعتبر الكاتبة والأديبة المغربية مليكة بنضهر “الكتابة وسيلة للتعبير عن النفس الإنسانية بكل مشاعرها وأفكارها وقيمها لذا يكون الاستمتاع ببعض الكتابات هواية سهلة الممارسة والمناولة خصوصا إن جاء الإبداع بنون النسوة، والجموح في الكتابة فن وعلم عميق الموهبة يخدم الفكر برؤية قد تأتي بنتائج باهرة في المستقبل لتتسم بالجمال المراد”.
وتابعت “هذا يحيلنا رأسا إلى ضرورة توافر المهارات التعبيرية التي من شأنها أن تكون ذات تأثير حرفي من حيث الفهم والمغزى، الإشكال هنا طبعا عندما نسجل امتهانا وانتقاصا للمرأة المبدعة والكاتبة عموما نتيجة لتأثير متكامل بين مواقف اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو حتى علمية وغيرها لذا يحدد مسار الكتابة النسائية ليخلق لنا لغة تواصلية مختصرة بجنوح نحو الاستفزاز، فتكثر بذلك الصور المقيتة التي تدنّس عمل المرأة عموما وقيمنا خصوصا.
وأضافت بنضهر “ما يشدنا إلى المرأة الكاتبة أو الباحثة أو المبدعة عموما هو طريقة تناول الكتابة عبر توشيم أنثوي يشكل لوحة متناهية الدقة والتحفيز مما يتكهن المتلقي عموما أن المتناول هو أسطوري غير واقعي. وكثيرا ما نعنف هذه المرأة لنصنع القداسة في أشيائنا والحقيقة أنها هي جزء من زاوية الوعي الذي يولد من جديد ذلك المدرك إبداعيا لدينا وليس بمبتعد عن هوس التجريد، ويبقى السؤال هنا يترنّح بين فكر عكر وآخر قدحي. وأما النقوش الفنية وقوالبها المجنونة فلمّا تزل تسبر الجمال والتأصيل في لغة ومعنى، والحديث هنا ذو شجون كما يقال إذ ندع الإشكال مطروحا على مائدة المتلقي من أجل ترسيم الكتابة الإبداعية في المجمل”.
وقالت الكاتبة المغربية أمال جناح “في الحقيقة معاناة الكاتب والباحث نفسها في مجتمعنا ولا علاقة لها بكونه رجلا أو امرأة”. وتابعت “ومعاناة المرأة الكاتبة والباحثة هي نفسها معاناة المرأة بصفة عامة كيفما كان نشاطها.. الإقصاء والتهميش من مراكز القرار ونظرة نمطية تطالها في أغلب الأحيان”.
التاريخ ساهم في التهميش
يرى باحث رفض ذكر اسمه أن "تاريخ المرأة المسلمة المشرق والمشرف لازال لا يحظى بالاهتمام والتذكير به مع سطوة الجانب الذكوري في المجتمعات العربية، فعلى سبيل المثال هناك عالماتٌ مسلماتٌ علَّمن علماء، ولو قرأت الكتب التاريخية القديمة مثل كتاب السخاوي ‘الضوء اللامع لأهل القرن التاسع′ الذي أورد أكثر من 1070 ترجمة لنساء برزن في ذلك القرن، معظمهن من المحدثات الفقيهات، كما ذكر ابن حجر في كتابه ‘تقريب التهذيب’ حيث ذكر 824 امرأة مِمَّن اشتهرن بالرواية حتى مطلع القرن الثالث الهجري”. وأكد لـ"العرب" أن الناس لو حاولوا البحث كذلك في الكتب المعاصرة مثل كتاب "أعلام النساء" لرضا كحّالة، و"الحركة العلمية النسائية تراث غابت شمسُه" لمصطفى عاشور عن تميز المرأة الكاتبة والباحثة فسيجدون قوائم بأسماء عالمات محدثات وفقيهات ومفتيات وقاضيات تعلّمن من رجال وعلّمن رجالا وأجزن علماء كِبَارا في مختلف العصور من أمثال الأئمة كالشافعي وابن حنبل وابن تيمية والخطيب البغدادي وغيرهم كثير، فهذا الجانب المشرق من تاريخ المرأة العربية الذي يبرز دورها في بناء الحضارة العربية مُعتّم عليه من قبل بعض المُؤرِّخين المعاصرين الذين تجاهلوها في مؤلفاتهم، وكذلك في مناهج جميع المراحل الدراسية".
وتابع بالقول “لذلك فمن الجميل تسليط الضوء على هذا الجزء المشرق من تاريخ المرأة المسلمة المُعتَّم عليه. إن النصوص القديمة تثبت أنّ علوم الحديث كانت ثمرة لمشاركة قوية وناجحة لعمل مشترك بين العلماء والعالمات المسلمات ونجد في كثير من المخطوطات التاريخية لكثير من العلماء أسماء لنساء عالمات درسن ودرَّسن في حلقات دراسية”.
وفي صدر الإسلام كانت أمهات المؤمنين وعدد من كبار الصحابيات من روَّاد الحركة العلميَّة النِّسائية كما امتدَّ عطاء المرأة المسلمة في المجال العلمي والتعليمي عبر العصور، فظهرت الفقيهة والمُحدِّثة والمفتية والطبيبة والشاعرة والناقدة الأدبية وعالمة الفلك والرياضيات.
كاتبة من تونس.. المصدر العرب
www.deyaralnagab.com
|