لا سلطة للمرأة على جسدها في ظل ممارسات التمييز والعنف ضدها !!
بقلم : طارق بالحاج محمد ... 24.07.2016
تبعية المرأة للرجل تقوم على أسس عقائدية ومادية فالنزعة الأبوية متمترسة في القواعد الاجتماعية والثقافية التي رسخت وجودها في الهياكل القانونية والسياسية.
يشكل التحرش الجنسي ووأد البنات واختيار جنس الجنين والزواج المبكر وزواج القاصرات والعنف المسلط على المرأة وجرائم الاغتصاب والجرائم التي تُرتكب باسم “الشرف”وإساءة معاملة الأرامل والمطلقات أشكالاً صارخة من أشكال العنف ضد المرأة والتي تُعتبر ممارسات تقليدية ومؤذية يمكن أن تشارك فيها الأسرة والمجتمع وحتى الدولة في بعض الأحيان، وهي جميعا تبرهن على أن لا سيادة للمرأة على جسدها.
فالعنف الرمزي والبدني والثقافي والنفسي المسلط على المرأة هو ظاهرة عالمية وخصوصية في آن واحد. هو عالمي من حيث أنه لا توجد منطقة في العالم أو بلد أو ثقافة ضُمِنَ فيها للمرأة التحرر من العنف والتمييز.
ويشير انتشار العنف ضد المرأة عبر حدود الأمم والثقافات والعناصر والطبقات والأديان إلى جذوره الراسخة في النزعة الأبوية القائمة على السيطرة المنهجية للرجال على النساء. وتشير الأشكال والمظاهر العديدة للعنف والتمييز والإقصاء والتغييب أبرز أشكال العنصرية ضد المرأة. ممارسات ومعتقدات تجد سندا لها في ثقافة راسخة في المجتمعات والأذهان تبرّر لها و تعززها. فلطالما كان ترتيب الأدوار بين الجنسين يقوم على أساس اجتماعي وثقافي عنصري وسلطوي حيث يمارس الرجل القوة والسلطة على المرأة.
وتقوم سيطرة الرجل وتبعية المرأة له على أسس عقائدية ومادية، فالنزعة الأبوية متمترسة في القواعد الاجتماعية والثقافية التي رسخت وجودها في الهياكل القانونية والسياسية، وغرست جذورها في الاقتصاد المحلي والعالمي وحُفرت حفرا على سطوح الأيديولوجيات الرسمية والشعبية. ويتخذ العنف والتمييز والعنصرية ضد المرأة أشكالاً كثيرةً مختلفة تتجلى في استمرار أشكال متعددة ومترابطة وأحياناً متكررة، ويمكن أن تشمل الجوانب النفسية والجسدية والعاطفية إلى أن تصل إلى سوء المعاملة الاقتصادية والاستغلال والابتزاز.
يتم ذلك من خلال عدد من الوسائل يُحافَظُ بها على سيطرة الرجل وتبعية المرأة، وهي مشتركة بين أوضاع كثيرة ومن بينها استغلال عمل المرأة الإنتاجي والتناسلي؛ والسيطرة على جنسانية المرأة وقدرتها التناسلية؛ والقواعد والممارسات الثقافية التي تعزّز مركز المرأة غير المكافئ لمركز الرجل؛ وهياكل الدولة وعملياتها التي تجعل التفاوت بين الجنسين مشروعاً ومؤسسيا.
التمييز والعنف ضد المرأة وسيلة تُدامُ بها تبعيتها وهو في الوقت نفسه نتيجة لتلك التبعية ويعمل العنف ضد المرأة والعنصرية تجاهها بمثابة آلية للمحافظة على سلطة الرجل حتى على جسد المرأة. وعندما تخضَعُ المرأة للعنف لتَجاوزِها القواعدَ الاجتماعية التي تحكم جنسانية الأنثى والأدوار العائلية، مثلاً، لا يكون العنف في هذه الحالة عنفاً فَرديا فقط، وإنّما يُعزز بوظائفه العقابية والتحكمية القواعدَ السائدة للعلاقات بين الجنسين.
ولا يمكن أن تُعزى أعمالُ العنف ضد المرأة إلى عوامل نفسية فردية فقط، أو إلى أحوال اجتماعية-اقتصادية، كالبطالة، مثلاً. وتفسيرات العنف التي تركِّز بالدرجة الأولى على السلوك الفردي أو التاريخ الشخصي، كالإدمان أو ضعف الثقافة والمستوى التعليمي تبقى قاصرة عن تفسير هذه الظاهرة التي تجد تفسيرا أعمق لها في التنظير والإيمان بالتفاوت المنهجي بين الجنسين وتبعية المرأة. لذلك، يجب أن توضع الجهود الرامية إلى الكشف عن العوامل المرتبطة بالعنف ضد المرأة في سياقها الاجتماعي الأوسع، وهو علاقات القوة السائدة بين المرأة والرجل.
كما ويعمل العنف والتمييز ضد المرأة أيضاً كآلية للمحافظة على الحدود لدور كل من الذكر والأنثى. فالقواعد التي تحكم هذه الأدوار ربما تعبّر عن قوانين أخلاقية أو توقعات اجتماعية راسخة في أذهان الناس على نطاق واسع. وفي هذه الحالة تستعمَل العادات والتقاليد والقيم الدينية في الغالب لتبرير هذه الثقافة وهذه السلوكيات ضد المرأة.
ويتطلب القضاء على المواقف والهياكل المجتمعية التي تؤيد التمييز والعنف ضد المرأة وتُديمهما جهوداً منسقة ومتعددة الأوجه من الحكومات والمنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة الأخرى. ويتمثل التحدي في وضع استراتيجية متكاملة ومنسقة تجمع بين المبادرات الموجهة نحو تعزيز المساواة بين الجنسين، بما في ذلك القضاء على العنف ضد المرأة كأحد مراحل فرض سيادتها على جسدها، وبين الاستخدام المنهجي لاستراتيجية تعميم الاعتبارات الجنسانية (النوع الاجتماعي) في جميع القطاعات. وتحتاج هذه الجهود إلى دعم بآليات قوية مخصصة للمرأة تحديداً، تعزّز التنسيق وتعمل بمثابة حافز وموجه للعمل لتغيير الثقافة والسلوك العنصريين والسائدين.
باحث في علم الاجتماع..المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|