ثقافة التحرش الجنسي!!
بقلم : امال طعمه ... 24.03.2014
سنبدأ هذا المقال بهذا السؤال:
هل التحرش الجنسي سببه بالذات لباس المرأة؟
وسأجيب:لا.
هنالك جانب أخر....
في أوطاننا التائهة بين الأمس والحاضر، لدينا ثقافة لا تظهر على السطح ثقافة تتغلغل بالخفاء!تتحكم بالمشهد دون أن تظهر !إنها ليست كالثقافة الدينية تظهر بقوة إنها ثقافة مخفية ولكن فعلها رهيب!إنها جانب أخر مخفي داخل ذواتنا تشبعناه منذ الصغر فنحن دائما نعيش بوجهين وجه يظهر بمظهر المتدين الخلوق الطيب الذي يخاف ربه والوجه الأخر الحائر الذي تهيمن عليه أحلام ورغبات جسد وسلوكيات بشعة تتوارى خلف مظاهر التقوى والأخلاق التي يحبذ المجتمع ان نتظاهر بها !
في أوطاننا ينظر للفتاة المحجبة على أنها مثال للعفة والشرف والتقوى وأن لباسها يقيها من نظرات السوء! وينظر للفتاة السافرة أنها مثال على الإنحراف نوعا ما أو أنها قابلة للإنحراف والضلال! والعيون تكون متجهة نحوها،لأن الأخلاق والشرف ارتبطا ذهنيا بالدين أو بالأحرى بمظاهر التدين!فالحكم عندنا بالمظهر وليس بالجوهر!غير أن واقع الحال اليوم ينفي تلك النظرة للفتاة .
فنحن نرى في مجتمعاتنا فتيات محجبات بشكل كامل يسرن في طريق الضلال إن صح التعبير!وذلك إخفاءً لطبيعة سيرهن المعَوج!فأصبح المظهر الديني غطاء وسترا للخطيئة التي نتبرأ منها كل يوم!
بينما نجد الكثير من السافرات لا يخفين شيئا ومع ذلك فنظرات الشك تحوم حولهن، أو على الأقل هن مطالبات بإكمال الفضائل التي يتحلين بها بالحجاب مثلا،وكمثال قد يستغرب البعض أن بعض غير المحجبات مثلا يصلين الصلوات بأوقاتها ليصبح المظهر الديني السطحي تقييما لإيمان البشر!
واختلطت الأمور فما عادت البنت المحجبة مثالا للعفة بالمطلق ،ولم تعد الفتاة السافرة تمثل حالة انحراف بالضرورة، غير أن مجتمعاتنا التي ترفض الإعتراف بواقع الأمور ولأن كل شيء يجري في الخفاء ..العلاقات المشبوهة..وغيرها من الأشياء المحظورة والرغبات المكبوتة!فما الذي سيظهر على السطح؟
سيظهر على السطح عادات سيئة ومظاهر غير أخلاقية في مجتمعات تدعي الأخلاق ،والتحرش إحدى تلك المظاهر !
فكأن أي فتاة هي مشروع تحرش جنسي بالنسبة للشاب! وصارت المسألة جرب حظك كما قال لي ذات مرة زميل لي في العمل تعليقا على هذه الأمور التي نراها !
فلربما تكون إحدى الفتيات التي تقف بانتظار أن تستقل حافلة ركاب (باص) أو سيارة أجرة من احداهن!فيركض أحدهم إليها لتحقيق بعضا من رغباته المكبوته!وتبدأ الزوامير بالإنطلاق!
لا يقتصر الأمر هذا (جرب حظك)على الفتاة الغير محجبة بل أيضا على المحجبات، فلربما يكون الحجاب مجرد رسالة تقول فيها الفتاة :أنا محجبة وملتزمة وقد تكون كذلك وقد تكون غير ملتزمة لحد بعيد! فالأمر ليس بالحجاب أو عدمه أو طريقة اللباس بشكل عام ،الأمر بداخل الإنسان نفسه .
الإلتزام الحقيقي ينبع من ذات الإنسان، ففي المجتمعات الغربية التي قد لا نتفق كلنا مع كل صور الحريات فيها ، ولكن في نفس الوقت يندهش بعضنا من أن يكون هنالك ملتزمين في مجتمعات تبيح العلاقات الجنسية بدون زواج ،والأكثر من ذلك أنها مجتمعات غير متدينة بالأغلب! إن الإلتزام الأخلاقي ليس له علاقة بطريقة اللباس أو التمسك بقشور دينية.
لكن في مجتمعاتنا حيث نلف وندور ونحاول الكذب على أنفسنا وتزييف الأمور وكأننا أحيانا نحاول خداع الله!
تتفنن الفتاة المحجبة بطريقة لف الحجاب ولبس المصوغات والمكياج المبالغ به والقمصان التي تبرز مفاتن الجسد والبناطيل الضيقة بعد كل هذا تلبس الفتاة المنديل على رأسها لتقول- في هذا المجتمع الذي يعشق الزيف- :أنا ملتزمة.. نوعا ما.. ولكني أريد أن أعيش حياتي!
وقد تبالغ في تطبيق"أريد أن أعيش حياتي" أكثر من السافرة ،الفتاة غير المحجبة!
إنها إحدى تناقضات مجتمعاتنا المتدينة ظاهريا والغارقة الى حد الثمالة في عشق الجسد!
في مجتمع يهوى تبطين الحقائق وإنكار الواقع، يتم اللجوء دائما الى الخفاء!لمعالجة الصدمات والمتناقضات التي نعيش! فيظهر على السطح ظواهر غير حضارية وغير مقبولة مثل ظاهرة التحرش ،ولست أقول ان تلك الظاهرة مقتصرة فقط على مجتمعاتنا العربية ولكنها تظهر بشكل أكبر فيها ولربما أسبابها تختلف عن أسباب التحرش في مجتمعات اكثر انفتاحا ولكن ما يهمني هو ما نعانيه في مجتمعاتنا .
كل فتاة هي مشروع ضحية ..جملة قالها الأستاذ قاسم محاجنة في احدى مداخلاته المتعلقة بما يسمى زورا جرائم الشرف، وأقتبسها منه هنا ، ولكن في مجال حالات التحرش الجنسي!
فأي فتاة تمشي في الشارع أصبحت تتوقع على الأقل أن تسمع بعض العبارات إياها وكأنها شيئا اعتياديا! وقد تسمع وترى ما هو أكثر وأعجب من تلك العبارات !فلماذا؟!
لربما هي تفريغ لشحنات عاطفية مكبوتة أو لربما هي محاولة لإصطياد فتاة تقبل تفريغ شهوة شاب مقابل حفنة من المال (جرب حظك) أو مقابل وهم عاطفي أحيانا!ولربما أصبحت عادة !فالشاب الذي يري أخاه وابن عمه وصديقه يفعل هذا دون أي ندم ودون أي رادع أو خوف فإنه من المحتمل سيكون لديه نوع من الجرأة والتشوق لفعل ماهو سائد أمامه !بالمقابل يدافع الشاب عن نفسه بقوله لباسها جعلني أفعل ذلك!
في مجتمع يلوم المرأة على كل شيء نتقبل حجته بل ونرسل إشارات خاطئة الى شبابنا بأن لا ذنب لهم في التحرش طالما المرأة تستدعيهم لذلك بلباسها!
وأي لباس الذي يتكلمون عنه!فحالات التحرش أصبحت تطال الجميع!فلا المحجبة او المحتشمة أو غيرها بمنأى عن بعض الكلمات الخارجة أو بمنأى عما هو أكثر من مجرد كلمات في بعض بلداننا!
أستذكر أيام دراستي في الجامعة وكيف كنت أعاني من تلك المواقف السخيفة ، حتى أنني وكمحاولة يائسة لدرء سماع تلك العبارات ورؤية تلك النظرات الوقحة،كنت أرتدي ماهو فضفاض وماهو غير ملفت بالمرة مع أني أصلا لا أرتدي ما قد يعتبره البعض مثيرا!ولكني وجدت نفس النتيجة ، فلربما أن تكون ملفتا للنظر والإعجاب في مجتمعنا خطأ ،لأجد النتيجة واحدة! وكانت احدى زميلاتي المحجبات تشتكي من نفس الوضع لأسألها :هل الأمر لا يختلف بالنسبة الى المحجبة؟!لترد على وأتذكر كلامها بأن بنات الحرام خربوا سمعة بنات الحلال!
كانت تزعجني تلك النظرات- وما زالت- أو بالأحرى تلك البحلقة!هي تحرش حتى لو لم يكن هناك عبارات أو اعتداء جسدي فالنظرة أياها تشعر بها وكأنها تعري أجسادنا وتستبيحها!
قد يكون لباس المرأة إيحاء لمسلكها أو طريقة نظرتها للأمور ،هذا مايقولة مجتمعنا !
ولكن ليس معناه أن فتاة تلبس بنطالا ضيقا أنها منحرفة !وليس كل فتاة محجبة رمزا للعفة!
ليس بالعري تكون المرأة متحررة ومتحضرة! وليس بتغطيتها من أعلى رأسها الى أخمص قدميها تكون ملتزمة !
طريقة اللباس بشكل عام تنبع من ثقافة المجتمع، فثقافتنا الشرقية مازالت ترفض وتستهجن ظهور النساء كما يقال، شبه عاريات! لكن مجتمعاتنا تلهث وراء مشاهدتهن على شاشات التلفاز! نشتمهن علنا ويتمنى بعضنا (الرجال)حضورهن بجانبه سرا!وتحاول النساء التمثل بهن خفية رغم نظرة الإستحقار لهن !إنه التناقض الأخلاقي الذي نعيش.
لكن نتأمل أن يكون لدينا تحرر وتحضر وبنفس الوقت التزام أخلاقي، نريد للنساء أن تتحرر من العقد والقيود التي وضعها مجتمعنا الذكوري، وأن تدرك أنه حين نهاجم من يقيد المرأة بقيود اللباس فليس معناه أننا مع ثقافة التعري لأن المرأة ليست مجرد جسد نغطيه حينا ونعريه حينا وفق أهوائنا! ونتأمل ان ينظر الشاب اليوم الى المرأة على أنها أكثر من مجرد جسد! لا تحكم علي من خلال لباسي فقط!
طريقة اللباس قد تحدد نظرة الأخرين إلينا وتبنيهم رأيا حول شخصياتنا وربما سلوكنا! قد يكون ذلك صحيحا نوعا ما ولكن بالنسبة لنا لا أظن القضية تكمن في لباس المرأة، فلو كان ذلك صحيحا لكانت حالات التحرش فقط موجهة الى شريحة من النسوة دون غيرها ولكانت نسبة التحرش في المجتمعات الغربية أكثر مما هي عليه نظرا للحرية الممنوحة للمرأة هناك في مجال اللباس!
لكن في مجتمعاتنا التي تقدس أحاديث الجنس السرية، وتحرف معنى الكلام الى غيره،فيخشى المرء أن يقول كلاما يفهمه البعض على أنه إيحاء جنسي!في مجتمعات ينظر الى المرأة التي تدعو الى التحرر وكأنها فاسقة! في مجتمعات تبارك دون أن تدري علاقات الخفاء! في مجتمعات تقدس الجسد في الخفاء وتلعن رغباته في العلن !وتحول المرأة من كائن بشري الى وسيلة للمتعة فقط، وتحمَلها كل وزر يرتكبه الرجل ...نرى ذلك طبيعيا!ونتيجة لكل الثقافة الخاطئة التي زرعت في عقول شبابنا عن المرأة وعن كينونتها!
وفي ظل التصادم بين روح العصر والقيم الدينية، و كل هذا الكم من استدعاء للغرائز الذي نراه بشكل ملفت ،بالإضافة الى اسلوب التربية الخاطئ وعدم توجيه القدرات والطاقات الى مكانها الصحيح و الفراغ الفكري الذي نعيشه ... والنظرة الدونية الى المرأة ..كل هذا ..يجعل أي امرأة – مهما كان لباسها - مشروع تحرش جنسي !إنها ثقافة التحرش!
المصدر : مركز مساواة المرأه
www.deyaralnagab.com
|