العنف المعنوي.. قتل بطيء للمرأة!!
بقلم : ليلاس سويدان ... 29.01.2013
على الرغم من تجريم العنف ضد المرأة بعد قرون من شرعنة هذا السلوك اجتماعيا تحت حماية العادات والتقاليد وهيمنة الثقافة الذكورية، فإن العنف سيظل مشكلة متجددة في كل المجتمعات العصرية، خصوصاً أن بعض أنواع العنف وأخطرها لا يوجد دليل مادي عليه ولا ما يثبت حدوثه، وهو العنف النفسي أو المعنوي كما تم تعريفه في «الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة 1993».
هذا النوع من العنف قد يمارسه الرجل ضد زوجته ليحقرها أو يهينها ويقلل من قيمتها وثقتها بنفسها من دون أن يصل الأمر الى حد الشتيمة المباشرة التي تمنحها الحق في تجريمه قانونيا. المشكلة في هذا النوع من العنف المعنوي والنفسي انه قد يدمر المرأة ببطء ويترك لديها جروحا نفسية لا تشفى أبدا ولا علاج لها، كما أكد العديد من المختصين النفسيين.
يمكن وصفه بقاتل بطيء لروح الإنسانة، أو قاتل لا يترك وراءه أثرا واضحا، لكنه في النهاية أكثر أنواع العنف بشاعة.
د. مروان المطوع-الاستشاري النفسي- تحدث بداية عن العنف بأنواعه ومدى خطورة العنف المعنوي والنفسي:
- النوع الأول من العنف هو العنف الجسدي أو البدني الذي يتم باستخدام الضرب باليد أو أدوات أخرى، بجميع أشكاله من الضرب البسيط إلى الضرب المبرح الذي قد يؤدي الى عاهة أو الى الموت. أما العنف اللفظي فيتم بالشتائم أو الإهانة والتحقير والتقليل من شأن الآخر والنقد السلبي المستمر ومحاولة إلغاء الآخر. مشكلة هذا النوع من العنف أنه يصعب إثباته لأنه يتم خلف أبواب مغلقة، وبعض أشكال العنف اللفظي أو النفسي للأسف تعتبر مقبولة في المجتمعات العربية لو تم استخدامها أمام الآخرين. هذا النوع من العنف لا شفاء منه ويترك جروحا لا تندمل.
نقص وعدائية
ثم تحدث د. المطوع عن أسباب الرجل لممارسة هذا النوع من العنف ضد الزوجة وشكل ممارسته:
- قد يسخر منها أو يقارنها بغيرها أو يحط من شأنها أو يحاول مثلا أن يحملها مسؤولية سبب مشكلة في البيت ويتهمها بأنها السبب، فلو هربت الخادمة من المنزل مثلا أو رسب الولد في الدراسة فهي المسؤولة بأسلوبها وبطريقة إدارتها للمنزل، هو يجعلها شماعة لكل خطأ ويلقي اللوم عليها بكل شيء ليتهرب من تحمل المسؤولية ويضمن خضوع زوجته له.
إضافة الى ذلك فإن الرجل قد يكون تعود هذا الأسلوب لأنه تربى في بيته وهو يرى العنف في تعامل أبيه مع أمه والأخ مع أخته، ورأى كيف تعامل المرأة في وسائل الإعلام وتُظهر ذلك على أنه شيء طبيعي وغير مستنكر. إلى جانب أن الرجل الشرقي متخفظ في إظهار عواطفه وقد يكون سبب عنفه أيضا وتحقيره للزوجة مشاعر نقص وعدائية تجاه المجتمع وغضب يفرغ بالزوجة لأنه لا يستطيع توجيهه لمصدره المباشر، فيوجهه نحو الزوجة والأبناء ليعطيه ذلك شعورا بعلو شأنه في مقابل قلة شأنها.
أحيانا تكون الزوجة متفوقة على مستوى التعليم أو المادة أو الذكاء، أو تمتلك شخصية قوية قادرة على اتخاذ القرار وإدارة البيت بكفاءة، فيشعر بنقص أمامها ولاشعوريا يبدأ بممارسة التحقير والتقليل من شأنها.
المشاكل الزوجية قد تزيد الأحقاد والكراهية أيضا بين الزوجين وتؤدي الى هذا السلوك، واللافت أن بعض الرجال يشعرون بالذنب من أسلوبهم مع زوجاتهم لكنهم لا يستطيعون منع أنفسهم من استخدامه.
ثقة بالنفس
ثم تحدث المطوع عن مدى قدرة المرأة على الاحتفاظ بثقتها بذاتها وصحتها النفسية وهي عرضة لهذا النوع من العنف:
- تستطيع أن تنجو من الآثار النفسية السيئة إذا كان لديها قدرا من التعليم المناسب وتربت على تعزيز ثقتها بنفسها وكانت المناهج الدراسية تنمي هذه الثقة لديها وتؤكد أنها تستطيع أن تفعل كل شيء ولديها مهارات الرجل نفسها وربما تتفوق عليه في بعض المجالات.
وعلى وسائل الإعلام أن تكف عن إظهار المرأة على أنها مكسورة الجناح وتُضرب من كل ذكور العائلة لتربيتها وإصلاحها، وكأن ذلك لا يتم إلا بالتحقير والعنف البدني واللفظي.
اضطراب ونرجسية
د. حسن الموسوي - استشاري نفسي واجتماعي - قال إن من أشكال العنف النفسي حتى مجرد مقارنة الرجل بين زوجته وامرأة أخرى جميلة قد تظهر في التلفزيون، لأن فيه انتهاك لكرامتها ولصورة المرأة عن ذاتها، وأضاف:
- كذلك عدم معاشرتها ومعاملتها كخادمة أو مربية للأطفال فقط وعدم مشاورتها في شيء وتجاهل كل أمر يخصها أو يسعدها. بهذا هي قد تعيش في حالة نفسية سيئة، وربما تدخل حالة اكتئاب وتشعر بحاجة للعزلة عن الآخرين وتفقد ثقتها بنفسها وتهتز صورتها عن ذاتها. ربما تمارس العنف ضد نفسها أو ضد أبنائها الذين هم سبب استمرارها مع هذا الزوج فتضربهم وتسبهم وتدعي عليهم بالموت.
أما عن ذلك الرجل الذي يعنف زوجته نفسيا وعنويا فقال:
- شخصية مريضة تعاني اضطرابا أو نرجسية، وربما سبب عدوانية هذه الشخصية أن لديه صورة للمرأة لا يجدها في الواقع فيبدأ برفضها وتحقيرها لينتقم منها ومن نفسه لأنه اختارها ومستمر معها. التنشئة الخاطئة قد تكون السبب أو التعرض لخبرة مؤلمة في حياته فيبدأ في إسقاطها على الزوجة التي تصبح ضحية هذه العقد.
طوفة هبيطة
د. خضر البارون- استاذ علم النفس في جامعة الكويت- قال إن العنف المعنوي لا يقتصر فقط على الكلمات المهينة التحقيرية بل قد يكون بتعبير بالوجه أو الجسد يحط من شأن الآخر ويستهجن ما يقوله أو يفعله. وأضاف:
- الزوجة تعرف ماذا يقصد زوجها من حركة أو تعبير ما. والزوج الذي لا يحب زوجته لا يتورع عن إهانتها بأي طريقة بشكل شعوري أو لاشعوري ويريد التقليل من شأنها بكل أسلوب، كأن يعايرها باصلها مثلا أو يقلل من مكانتها الاجتماعية. هذا الشخص غير متربٍّ أصلا وقد يكون من اسرة تستخدم هذا الأسلوب والألفاظ والكل يهين بعضه البعض. هو يريد أن يقتل روحها ويسيطر عليها ويفقدها الثقة بنفسها. هو شخص غير قوي وربما لديه فشل ويهان في الخارج ويأتي ليجعلها الطوفة الهبيطة ويُسقط عليها كل شيء.
ثم نصح البارون من تتعرض لهذا النوع من العنف بالتصدي له إذا استمر الرجل في هذا السلوك القاتل للروح، حتى لا تتعود عليه وتأخذ فكرة سيئة عن نفسها:
- لا بد من أن توقفه عند حده ومن المرة الأولى وتقطع حديثه ولا تسمح له بتاتا بتحقيرها وتطالبه بالاعتذار وعدم تكرار ذلك مرة أخرى. يجب ألا تتقبل أي كلمة مهما صغرت وتسكت عنها لكي لا يكرر فعله ويعرف بشاعته وفي الوقت نفسه لا ترد على كلماته بكلمات تشبهها تقلل من شأنه او شأن أهله.
أم مكسورة
ثم لفت د. البارون النظر إلى امتداد أثر هذا العنف الى الأبناء وقال:
- من يحب أبناءه يجب أن يحترم زوجته لكي لا تربيهم أم مهزوزة مكسورة مترددة، وإذا كان لديه بنات فليعلم أنهم سيعتبرون هذا الأسلوب في التعامل نموذجا وسيتقبلن المهانة عندما يتزوجن.
قهر وهيمنة
د. بدر الشيباني- أستاذ علم النفس في جامعة الكويت - تحدث عن شخصية الرجل أو الزوج الذي يعنف زوجته قائلا:
- هو يريد قهرها من اجل الهيمنة عليها ويريد إشعارها بالسيطرة ويجمع بين القوة والكبرياء بحيث انه صح دائما والآخرون على خطأ. عندما تجتمع هاتين الصفتين فيه يشعر أنه المسيطر القوي، وهو شخصية غير متزنة وعصابية تنظر إلى الآخرين من زاويتها هي فقط. من الصعب حقيقة أن نصنف كل الأزواج المعنفين لزوجاتهم في شخصية واحدة ولكن قد يكون السبب خلفية من التعرض لأذى وقهر وحرمان.
المصدر : مركز مساواة المرأه
www.deyaralnagab.com
|