إسلام يحترم الإبادة!!
بقلم : سهيل كيوان ... 05.12.2024
في محادثة تناقلتها وسائل التواصل بين نتنياهو وأيلون ماسك أغنى رجل في العالم وصاحب وداعم كبير لترامب في فوزه الأخير في رئاسة الولايات المتحدة،
ويرى مراقبون قوة تأثيره على دونالد ترامب وقراراته. يشرح نتنياهو لأيلون ماسك أنّ ما تقوم به إسرائيل حاليا هو محاربة الإسلام الراديكالي والعمل على هدمه، وقال إنّه بدأ أوّلا في قطاع غزّة واستمرّ في لبنان، وسوف يستمر حتى القضاء على الإسلام المتطرف، وأنّ الإسلام الذي نريده موجود في الإمارات والبحرين والسّعودية. ويقول نتنياهو «يجب أن ندمّر الإسلام المتطرّف، وهذا يشمل المساجد والمدارس التي يتعلّمون فيها التطرّف».
اتخذ نتنياهو من العداء للإسلام نهجا مدروسا وثابتا وتصاعديا، فهو في سياسته الخارجية ومنذ سنين يخاطب أوروبا بلهجة محاربة ما يسميه الإسلام المتطرّف، ويصف نفسه بأنّه يقود إسرائيل خطّ الدّفاع الأول عن الحضارة الغربية في وجه الإسلام المتطرّف. ويتوجّه لكل مسؤول يحتجُّ على حرب الإبادة في قطاع غزة، ويهاجمه ويطالبه بدعم إسرائيل في حربها ضد الإسلام المتطرّف. سياسة هدم المساجد في هذه الحرب لا سابق لها في تاريخ الحروب:
هدم في قطاع غزّة حتى الخامس من شهر أكتوبر/تشرين الأول الأخير، أي خلال عام من الحرب 814 مسجداً تشكّل حوالي 80% من مساجد قطاع غزّة، من أصل 1245 مسجداً، حسب بيان وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، إضافة إلى تضرّر حوالي 115 مسجدا، بعد وصمها بأنّها أوكار لتعليم الإرهاب، وفي أحيان كثيرة بادعاء أنّها شكّلت مراكز قيادة عسكرية للمقاومة. هذه الحملة المنهجية لم تستثن مساجد جنوب لبنان، حيث تعرّض عشرون مسجدا للقصف أو للنسف بالمتفجرات، أو بواسطة جرافات، إضافة إلى قصف طال كنيستين، خلال شَهرين. وثّق جنود وضباط في جيش الاحتلال عمليات النسف والقصف ونشروها، بعضها قُدّم كهدايا للأصدقاء والصّديقات. في النكبة الأولى عام 48 وفي كثير من القرى والمدن الفلسطينية كانوا يهدمون القرية ويتركون المسجد، فتجد قرية مهدومة ومهجّرة، ولكن المسجد، أو ضريح شيخ ما، أو مقبرة لم يهدم وفي بعض القرى تجد المسجد والكنيسة. كان هذا بهدف الظهور بمظهر احترام المشاعر الدينية، رغم أنّهم حوّلوا في ما بعد بعضها إلى معارض فنية وإلى مقاه وخمّارات، وهدموا أو جرّفوا بعضها.
الآن أصبح هدم المساجد حدثا عاديا، ويمارس بمنهجية دون أي احترام أو حساب لمشاعر أحد، لا مشاعر المواطنين ولا الحكام العرب والمسلمين ولا لرأي عام دولي.
هل كان العرب والمسلمون قبل سبعة عقود أكثر هيبة من عرب اليوم؟ أم كان الإسرائيليون أضعف وكانوا يخشون عواقب أفعالهم؟ أم أنهم كانوا واهمين من غيرة المسلمين والعرب على مقدساتهم أكثر مما هي في الواقع! أم أنّ وجود أنظمة عربية تتّخذ من محاربة الإسلام المتطرف ذريعة لتثبيت سلطتها أغرى غيرها بالغلو في هدم المساجد!
**بمنهجيته يسعى نتنياهو إلى إخراج أبناء العقيدة الإسلامية وذرّيتهم من دائرة الإنسانية، كي تكون إبادتهم مقبولة ولا تواجه بمعارضة حازمة، وهو ما يجري في قطاع غزّة
في الحرب الأهلية السورية مثلا هُدم 1450 مسجداً، اختار نتنياهو الطّريق الأسهل لتحريض الغرب على الفلسطينيين لكي يحظى بالتفهُّم لجرائمه أو التغاضي عنها، ولإيجاد حلفاء له في مشروعه. وليس أسهل من دمغ المقاومة بالإسلام المتطرّف، وإطلاق تسميات مثل «داعش» و»النازيين» على الفلسطينيين المقاومين، وتذكير الأمريكيين والعالم بعمليّة ضرب البرجين الإرهابية في نيويورك عام 2001، لربطها بالمقاومة الفلسطينية، ثم الإحالة التاريخية على الصراع القديم بين المسلمين والغرب الذي تمثّل في الحروب الصليبية. هتك الأماكن المقدسة ليس مقتصراً على المساجد، قبل أيام نشر شريط لجنود احتلال في قرية دير ميماس جنوب لبنان، يمثّلون حفل زفاف داخل الكنيسة ويسخرون من تمثال السّيدة مريم. لنفرض أن جميع الفلسطينيين واللبنانيين وكل الأمة العربية أعلنت عداءها للإسلام وتبرأت منه، واستبدلنا ديانة الفلسطينيين إلى البوذية، فهل سيقبل نتنياهو ببقاء شعب فلسطين البوذي بين النّهر والبحر! يعيش بمساواة وتقدم طبيعي في وطنه! طبعا سيصف ديانتهم بالبوذية المتطرّفة. يقول نتنياهو إنّه يريد تغيير خريطة الشرق الأوسط وإسلاماً معتدلا! الحقيقة أنّه يريد إسلاما يصمت على الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال في قطاع غزة، يريد إسلاماً يتجاهل تطبيق القوانين الدولية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. يريد إسلاماً يسرع لقتل المسلمين ويجد ألف ذريعة للتلكؤ والصمت حيال جرائم اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم. يريد إسلاما متفرّجا، بل شريكا في حصار المسلمين وتجويعهم لرغيف الخبز، يريد إسلاماً منافقاً يحزن ويعزّي في مقتل أي مواطن على الكرة الأرضية، ويشيح بوجهه إذا كانت الضّحية مسلمة. يريد إسلاما لا يرى المستوطنين وهم يحرقون البيوت والأملاك ويقطعون أشجار الزيتون في قرى الضفة الغربية. يريد إسلاما يجند مئات آلاف المتطوعين ويضخ مليارات الدولارات والسّلاح عندما تكون المواجهة بين عرب وعرب، أو مسلمين ضد مسلمين.
في أواخر عام 2015، قال نتنياهو في احتفال تكريم لضباط من الموساد، إنّ إسرائيل تخوض حربين عالميتين ضد الإسلام المتطرّف، واحد تقوده إيران وآخر تقوده «داعش»، ويجب هزيمتهما بأسرع ما يمكن. وفي خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في أغسطس/آب من هذا العام 2024 قال إنّ إسرائيل هي رأس الحربة ضد الإسلام المتطرّف، ووصف حربه بـ»حرب الحضارة ضد البربرية». يعني هذه المذابح اليومية التي تجري في قطاع غزّة هي جزء من حرب الحضارة ضد البربرية.
وكي ينزع الشّرعية عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يقول إنّ عباس يكافئ الإرهابيين الإسلاميين و»داعش»، لأنّ السلطة تدفع رواتب لأسر الأسرى والشّهداء، فالمطلوب هو تدمير هذه الأسر، إضافة إلى هدم بيوتها الذي تقوم بها قوات الاحتلال.
في عام 2014 في خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال إنّ هدف الإسلام المتطرّف هو السّيطرة على العالم. وفي زيارة له إلى لندن للقاء رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عام 2015 اتصل مع قادة عدة دول في الاتحاد الأوروبي ليقول لهم إنّ إسرائيل هي الدرع الحقيقي أمام الإسلام المتطرف الذي يعود إلى العصور الوسطى وعلى أوروبا دعمها. وكان هذا ردّه على مطالب لديفيد كاميرون بعدم استقباله لارتكاب جرائم حرب منذ تلك السّنوات. وفي لقاء له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2015 في موسكو قال» أنا أؤمن بأننا شركاء في النّضال ضد الإسلام المتطرّف الهمجي والبربري». ووصف أحداث أمستردام في هولندا بعد لعبة كرة قدم قبل حوالي الشّهر بأنّها «مذبحة (بوغروم) قام بها مسلمون متطرّفون ضد اليهود». كذلك فهو عندما يحرّض ضد مشروع إيران النووي يصفها بالإسلام المتطرّف.
يسعى نتنياهو في حملته المتواصلة إلى إحياء تاريخ الحملات الصليبية، وتحويل الصراع إلى ديني بين تحالف مسيحي صهيوني من جهة والمسلمين من جهة أخرى. ولا يوجد مسلمون معتدلون، أي كلمة تدين الاحتلال أو ممارساته تدخل صاحبها إلى قائمة المتطرّفين. بمنهجيته يسعى نتنياهو إلى إخراج أبناء العقيدة الإسلامية وذرّيتهم من دائرة الإنسانية، كي تكون إبادتهم مقبولة ولا تواجه بمعارضة حازمة، وهو ما يجري في قطاع غزّة، حيث بات الطفل ابن السّتة أشهر يعرّف كإرهابي، وتقصف مراكز توزيع الماء والخبز والمستشفيات تحت عنوان ضرب تجمعات ومراكز قيادة للإرهابيين. تهدم مساجد تحت عناوين» تفجير مركز قيادة لحركة حماس داعش النازية. يجري من خلال هدم مئات المساجد تعويد الرّأي العام العالمي والعربي والإسلامي على مشهد هدم المساجد مثل قصف منطقة مفتوحة. وبلا شك أنّ له شركاء في المنطقة العربية، ويجد معهم قاسماً مشتركاً، فبعضهم يدافع عن سلطته ويكسب شرعيته من خلال شعارات محاربة التطرّف الإسلامي. ويدخل في هذا النهج السّاعي إلى تحطيم البنية الأساسية للعقيدة التّمثيل بجثث الشهداء، وإعادة إخراجها بالجرافات من الأرض بهدف زعزعة العقيدة التي تقول إن للشهيد مكانة مرموقة في الدنيا والآخرة، فها هو الشّهيد تنهش لحمه الكلاب المفترسة الجائعة والسّائبة. وها هو الله صاحب هذه البيوت لا يدافع عنها.
نتنياهو لن يتوقف، وهو في خضم تكوين «الشّرق الأوسط الجديد»، وينتظر استلام صديقه دونالد ترامب كي يشاركه مشروعه الكبير. ترامب الذي يهدّد بأنّه سيفعل ما لم تشهده أمريكا في تاريخها، ما لم يجر تحرير الرهائن والأسرى الإسرائيليين قبل استلامه الفعلي للسُّلطة في يناير/كانون الأول المقبل، وما الذي يمكن فعله أكثر من الإبادة الجارية على قدم وساق؟ وهل ستكون هذه ذريعة وضوء أخضر لضرب إيران. وفي الوقت الذي يُعلن فيه رئيس أركان ووزير دفاع جيش الاحتلال الأسبق الليكودي حتى قبل سنوات قليلة بوغي يعلون، بأنّ إسرائيل تمارس جرائم حرب في شمال قطاع غزة، فيثير عاصفة من الرّدود التي تدينه وتضعه في مكان خادم أعداء إسرائيل، منها مكتب نتنياهو ووزير حربه الجديد يسرائيل كاتس، بأنّ يعلون «فاقدٌ للبوصلة منذ زمن، ويقدّم بتصريحه هذا هديّة لمحكمة الجنايات الدولية ولكارهي إسرائيل». بينما يُصرّ يعلون على قوله هذا، معتمداً على شهادات أبلغه بها ضباط من جيش الاحتلال، وقال إنّ مقولته هذه تهدف إلى إجراء تحقيقات داخلية، دفاعاً عن الجنود والضباط، الذين قد يتعرضون للمحاسبة وأوامر اعتقال من قبل محكمة الجنائيات الدولية، مثل نتنياهو وغالانت. أما بالنسبة لما يجري في شمال سوريا، فيباركون للأطراف المتنازعة، ويتمنّون النجاح للجميع.
www.deyaralnagab.com
|