logo
عامٌ على المَوت!!
بقلم : مها صالح ... 21.11.2024

بعد مرور عام على الإبادة الجماعية لشعب أعزل يعيش في بقعة جغرافية اسمها غزة، تُرِك وحيدا جائعا عطِشا مقهورا متألما، أبدأ حديثي بالترحم أولا على شهداء غزة وأدعو بالشفاء للجرحى وأنادي بالحرية للأسرى، والصبر للثكالى.
من على هذا المنبر نجدد العهد والوعد للوقوف مع القضية العادلة في هذا العالم " قضية فلسطين" والتي أحيت الأمل من جديد في نفوس أحرار العالم بأن هنالك أرض مقدسة تُنتهك وشعب يتوق للحرية يُباد وكأن فلسطين الآن تعيش ويلات نكبة ١٩٤٧ ونكسة ١٩٦٧ بهجمة صهيونية بربرية سادية أمام أنظار العالم وبصمت مريب على مستوى الدول العربية والغربية والمؤسسات الدولية الحكومية والمنظمات الإنسانية ومحاكم الجرائم الدولية.. لا أحد يُحرك ساكنا أمام هذا الشيطان الأرعن والذي استطاب المضي قُدما نحو الإبادة الجماعية لشعب أعزل جلهم من الأطفال والنساء بدون أي رادع إنساني أو أخلاقي! فكيف لا وهو يجد البيئة الحاضنة لفكره النازي من صمت وتخاذل النظام الرسمي العربي والذي كسر بهذا الصمت جميع المواثيـــق الدولية التي تنادي بحقوق الإنسان والعيش الكريم وحق الشعوب في تقرير المصير. كيف لا وهو الممعن بالقتل والتعذيب والتشريد والتدمير وكأنه شرطي وجلاد هذا الكوكب بلا حسيب ورقيب! نحن هنا الآن ليس فقط لنصرة اخواننا في فلسطين، بل لنخرج بقرارات تغير من هذا الواقع الجبان والذي ارتأى الصمت والمشاهدة والتنديد بدون أي ترجمة على الواقع بما يسهم بردع هذا الكيان الصهيوني البربري.
من موقعي ودوري في الإعلام أرى بأن الإعلام العربي الآن انقسم الى فرق تخدم توجهات الدول ومصالحها وتنفذ المخططات بعيدة كل البعد عن الأولوية الإنسانية والوحدة العربية بمعزل عن أية أجندات خارجية، فقط نُصرة للإنسان والإنسانية، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك حيث أصبحت بعض القنوات الاخبارية العربية تسوّق للرواية الإسرائيلية وتتبنى سرديتها التي بُنيت على الكذب والتدليس على مدار ٧٥ عاما من الخديعة والمظلومية الغوغائية. أين الإعلام الحر والذي أصبح منبره يُباع ويُشترى؟ نحن لسنا في زمن الرأي والرأي الآخر، نحن في زمن القضية الفلسطينية والتي لا تحتمل رأيان أو توجهان أو خياران، بل إما أن تنصر القضية وإما أن تخذلها.. القضية الفلسطينية لا تقبل القسمة على إثنان إما أن تكون معها أو ضدها. فكيف تجرأت بعض القنوات الاخبارية العربية وبعض المنابر الإعلامية وبعض صحف السلطة الرابعة بأن يكونوا ضد حرية الشعب الفلسطيني بتقرير المصير عن طريق المقاومة المشروعة. كيف لهؤلاء بأن يستثمروا منابرهم لبث الكراهية والتجييش ضد حركات الكفاح المسلح في غزة والضفة الغربية؟ انا أتساءل هنا لأني لم استطع أن أبرر هذه المواقف المخزية تجاه هذه القضية العادلة!. وللإنصاف وعلى الجانب الآخر شاهدنا أيضا بعض القنوات الاخبارية العربية والتي كانت الجندي الخفي والناقل الرسمي للمجازر اليومية والتي ساهمت بشكل كبير بنقل الصورة والخبر ليراها العالم وتتحرك ضمائرهم.
نحن أمام مشهدين كلوحة سريالية تاهت فيها أدوات الإعلام الحر والنزيه. نحن أمام القضية الفلسطينية لا يوجد أمامنا أية خيارات سوى أن نكون متحيزين ومنقادين نحو الحق ونصرة شعب عانى وما يزال يعاني النكبة تلوه النكبة. نكبة ١٩٤٨ ونكبة التخاذل الإعلامي العربي. نحن أمام منعطف خطير يقودنا إلى تقويد دور الإعلام النزيه ليكون شيئا آخر لا يشبه الإعلام الحق ودوره في إرساء مبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية والتي قام الإعلام عليها منذ الأزل. فيجب علينا هنا أن نواجه تلك المعضلة بلا مساحيق تجميل أو مراءاة لنحمي ما تبقى من هذا الفضاء الفسيح ضد أي شوائب او اختراقات نصرة لقضايانا وهموم شعوبنا.
أما بالنسبة للفن ودوره بما يحصل في فلسطين فهنا أقول: رحِم الله المخرج حاتم علي والذي شكّلت مسيرته مادة دسمة ومنعطف حقيقي في خدمة القضايا الوطنية ومن أهم أعماله مسلسل "التغريبة الفلسطينية " والذي يعتبر تجسيد تاريخي وواقعي لحقبة لم يعيشها معظمنا لكن عايشنا كل حلقة من مسلسله وبكينا عند كل مشهد يإن وجعا من فيض المشاعر ونبل المواقف لشعب كان يعيش بسلام ووئام الى شعب شريد مفجوع من هول النزوح والموت والقتل. هو لم يقدم رسالة وطنية فحسب، بل توثيق درامي لمن لم يقرأ التاريخ أو يعرف ماذا حصل في نكبة ١٩٤٨ خاصة لجيل الشباب والذي لم يدرس التاريخ حتى بالمدارس. أين الفن الآن ودوره في القضايا الإنسانية والوطنية؟!
للأسف وأقولها بمرارة نحن أمام موجة من الفن الهابط والذي يسعى فقط إلى الربح التجاري ومحاكاة للترند الرقمي ضاربا بعرض الحائط لجميع القيم والمبادئ والأخلاق والأهداف السامية، بل يدعو الى الفجور والاسفاف وبث الفتن. وهنا أنا لست ضد التطور ومواكبة تغير المرحلة خاصة في عصر الذكاء الاصطناعي والتقدم التكنولوجي، لكن لا يكون هذا التطور على حساب طمس الهوية العربية وتهميش القضايا الوطنية والإنسانية. الفن العربي الآن أمام قاب قوسين أو أدنى، إذا لم نسعفه سيغرق في طوفان الانحلال.
سيبقى طوفان الأقصى هو نبراس الشعوب نحو حلم تقرير المصير وإن كثُر الجلادين والمتآمرين والمندسين.. طوفان الأقصى أتى لنصحو من غفلة لو لم تدركنا لكنا بقينا أمواتا ونحن على قيد الحياة...
كما قال محمود درويش:
«لأن غزة هي الدرس الوحشي والنموذج المشرق للأعداء والأصدقاء على السواء».


www.deyaralnagab.com