logo
هل أصبتُ باللاساميّة!!
بقلم : سهيل كيوان ... 22.08.2024

في الشَّبكة تطبيقات كثيرة حول مختلف الأمراض الجسدية والنفسية، هل أنت نرجسي! هل ستصاب بالزهايمر بعد تقدمك في السّن! افحص دقات قلبك وضغطك والسّكر والبروتين ومختلف العناصر في دمك، ببصمة واحدة على الشّاشة، فهل سنرى تطبيقات تدلك على أمراضك السّياسية، افحص نفسك هل أنت ديمقراطي، هل أنت نازي! هل أنت متطرّف يميناً أو يساراً أو انتهازي، هل أنت صهيوني! افحص نسبة اللاسامية في دمِك.
منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزّة وظهور قيادات من العنصر السّامي وتصريحاتهم التي تدعو جهاراً نهاراً إلى قتل المدنيين وتجويعهم، لأنّه لا يوجد أبرياء في قطاع غزة، بدأتُ أشعر بأعراض من اللاساميّة.
حاولت التهرّب من حقيقة إصابتي بالبوادر مثل تهرّب مريض من أعراض مرض خبيث، فيعزو أعراضه الخطيرة إلى المكيّف في غرفة النّوم.
هنالك من لم يعد قادراً على سماع أو مشاهدة نشرة أخبار، وتوقّف عن مشاهدة ما ينشر من فظائع.
الفظائع ليست فقط الجثث من مختلف الأجيال في الطرق وتحت الأنقاض، فهناك فظائع مثلاً مثل تصريحات بلينكن وزير خارجية أمريكا، فكميات العهر وملامح وجهه الكاوتشية، التي تنضح باللؤم والعداء العرقي المتأصل والعميق للعرب وللمسلمين، تجعلك عاجزاً عن الاستمرار في مشاهدته.
كثيرون لم يعودوا قادرين على مشاهدة صور مجرمي الحرب أو سماع تصريحاتهم التي تظهر نوايا الإجرام والاستعلاء الذي يعكس مشاعر دونية عميقة لا يمكن زحزحتها.
كثيرون لم يعودوا قادرين على مشاهدة فضائيات تنطق بالعربية وتموّلها أموال العرب ولكنها تنطق بلسان صهيوني، ولا عهر أكبر من عهر مدّعي حريّة التعبير ومنحها لممثلي مجرمي الحرب على شاشاتهم، بينما هم في بلدانهم لا يستطيعون التنفس إلا بما يُملى عليهم من فوق ورغم أنوفهم.
ما أتفه أولئك الذين يتظاهرون بالموضوعية الصّحافية كي يدسّوا التحريض على المقاومة وتحميلها مسؤولية جرائم الإبادة العرقية!
اللاسامية مرضٌ خطيرٌ، مثله مثل أمراض سياسية أخرى كالفاشية والنازيّة والتعصّبات الحزبية المختلفة المتشدّدة التي تتحوّل إلى أمراض مزمنة.
هذه الأمراض لا تولد مع الإنسان، ولكنّه قد يكتسبها رويداً رويداً بسبب تأثير البيئة السّياسية المحيطة، تنمو ببطء شديد إلى أن تحدث الطّفرة فتظهر أعراضها بوضوح بتعبيرات مختلفة، فهي تتسلل إلى تفكير الإنسان ووعيه دون أي شعور بتأنيب ضمير، وقد لا يشعر بها بتاتاً، إلى أن تتمكن منه، ويخرج الأمر عن سيطرته ويصبح لاسامياً.
انتشر مرض اللاسامية في حقبٍ من التاريخ البشري، حيث نظر بعض البشر إلى العنصر السّامي بأنّه جنس حقير متدنٍ، يمثل الجشع والنذالة والقذارة والوضاعة، وبعد دمغه بمثل هذه الصفات يصبح التخلّص من وجوده أكثر سهولة، ودون تأنيب ضمير.
السّاميون بحسب التوراة، هم المنحدرون من سام ابن نوح في بلاد ما بين النهرين، ويتحدّثون باللغات العربية والسّريانية والعبرية والحبشية.
أن يتهم اليهود جرمانياً أو صينياً أو سلافياً بأنه لا سامي، فهذا ممكن فهمه، ولكن أن يتّهموا عربياً بأنّه لا سامي فهذا أمر مُربك للذهن!
بل إنّهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وصاروا يتهمون يهودياً جهرَ بحق الفلسطيني في وطنه أو دعا إلى وقف تسليح إسرائيل أو بمعاقبة مجرمي الحرب فيها بأنّه لاسامي، حتى صارت تهمة اللاسامية مبتذلة تطلق على كل من يدين جرائم الحرب الصهيونية في فلسطين، بل وعلى من يدعو للجم جرائم المستوطنين.
في السياسة الصهيونية يستخدمون أساليب كثيرة نفسية، تعتمد على تجارب العصور في كيفية التأثير على الآخرين والسّيطرة عليهم وعلى تفكيرهم وقراراتهم، فهم يتهمون الآخرين بشتى التهم، وعلى رأسها الكراهية والعداء للسامية، التي تعني العداء لليهود، وعلى الآخرين أن يثبتوا براءتهم من تهمة كراهية اليهود، وعليهم أن يشفِعوا هذا بحسن السّلوك والمعاملة وكف اللسان أو القلم عن الاحتلال وجرائمه لكي يحظوا برضى الصهاينة، ولهذا نرى أنّ أكثر كتاب الرأي والأدب والسياسة وغيرها يؤكّدون عند مهاجمتهم أو انتقادهم لجرائم جيش الاحتلال والمستوطنين والمرتزقة بأنّهم يميّزون بين الصهيونية واليهودية، بل إن بعضهم ينوه بأنّ مؤسسي الحركة الصهيونية لم يكونوا بمثل هذه العنصرية، وكانوا يطمحون إلى حياة مشتركة مع عرب فلسطين، وبعضهم يؤكّد أن له أصدقاء من اليهود كصك براءة من تهمة محتملة، دون أن يطلب أحدٌ منه ذلك، وفي أحيان كثيرة خارج سياق المقال أو النص الأدبي، ولكن هذا لا يشفع له ما دام أنّه منحاز إلى الحقّ الفلسطيني، وسيتهم حينئذ بالتقرّب من بعض اليهود (المضلّلين)، للتغطية على حقيقة كراهيته لإسرائيل، ومن يكره إسرائيل فقد كره اليهود ويريد إبادتهم، ويبدو أنه من أنصار النازيين الجدد.
أن تدعو إلى محاكمة مرتكبي جرائم الحرب، فهذا يعني أنك لاسامي.
أن تدين استخدام جيشهم للمدنيين كدروع بشرية فأنت لا سامي، أن تدعو إلى تطبيق الشّرعية الدولية وإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان وقطاع غزّة تصبح بهذا لاسامياًّ وتسعى للقضاء على الجنس السامي كله (الفرع العبري)، أن تدعو إلى تطبيق اتفاقات أوسلو فأنت تريد القضاء على إسرائيل وعدت إلى أسطوانة رمي اليهود في البحر، أن تدعو إلى المساواة بين العرب واليهود من مواطني دولة إسرائيل فأنت لاسامي تريد خراب إسرائيل، إذا قلت إنّك ترفض نظرية سمُو العرق اليهودي على غيره، وخصوصاً على العرق العربي، فأنت لا سامي.
عندما تدعو إلى تقسيم القدس لتكون عاصمة لدولتين، فأنت تدعو إلى طرد اليهود وتشتيتهم. وستصبح نازياً إذا طالبت باقتلاع المستوطنات من الضفة الغربية والجولان، لأنّك بهذا تسعى إلى تشريد مليون يهودي يعيشون في هذه المناطق، ويترزّقون منها، فأين تريدهم أن يذهبوا؟!
إذا نشرت مشاهد من جرائم الحرب، خصوصاً إذا كنت صاحب منصة تأثير ولك متابعون أكثر من موقع جامعة الدول العربية، فسوف تتّهم باللاسامية.
من يتنفّس ضد معتقلات التعذيب فهو من أعداء وكارهي اليهود، ومن يكره اليهود فقد كره أمريكا وأوروبا والعالم الحرّ، والديمقراطية، وحرّية المرأة والمثليين، والفنون كلها، وهو معاد للتعدّدية الفكرية والجنسية والانفتاح الحضاري، وهو يعيش في العصور السّالفة، ويسعى لاستعادة الخلافة الإسلامية، فهو داعشي، وهؤلاء هم أعداء الحياة الذين يجب أن يجتمع اليمين واليسار والشّرق والغرب والعرب والعجم للقضاء عليهم.
ينتابني شعور سيئ بأنّني لاسامي، ولو أنزل تطبيق على الشّبكة لفَحص نسبة اللاسامية عندي لتبين أنني فعلاً لاساميّ، مثل مئات الملايين من البشر في هذه الأيام، فالولد العاطل يجيب لأهله المسبّة، هذا الجنس السّامي جاب المسبّة لسام ولكل أولاد نوح وسلالاتهم من مجرمين ومتواطئين وخونة ومتذلّلين.


www.deyaralnagab.com