حكومة بينيت تقفز من نهاية البداية إلى بداية النهاية!!
بقلم : د.جمال زحالقة ... 14.04.2022
مضى أقل من سنة على حكومة بينيت ـ لبيد، التي ما أن أتمت مرحلة نهاية البداية حتى دخلت مباشرة في دوّامة بداية النهاية، وذلك بعد أن انسحبت النائبة عيديت سيلمان عن حزب «يمينا»، من الائتلاف، الذي فقد بذلك الأغلبية، وهو اليوم يعتمد على دعم 60 نائبا مقابل 60 في المعارضة. وهكذا تعود الحلبة الحزبية الإسرائيلية إلى مربّع أزمة الحكم المستمرة في الأعوام الأخيرة، ويجري الحديث عن انتخابات جديدة وشيكة، ستكون الخامسة خلال ثلاث سنوات. وحتى لو جرت انتخابات خلال الأشهر القريبة المقبلة، فلا دليل على أنّها ستضع حدًّا للأزمة السياسية المتمثلة بعدم قدرة أي تركيبة حزبية على تشكيل حكومة مستقرّة ولو نسبيا. ومهما يكن من أمر، فإن حالة الأزمة والخشية من فقدان كراسي الحكم، قد تدفع القيادة السياسية الحالية إلى مغامرات عسكرية، أملا في إطالة حياة الحكومة الحالية وفي كسب المزيد من القوّة في الانتخابات المقبلة.
سئل هذا الأسبوع أحد المستشارين السابقين لنفتالي بينيت عن نصيحته له في ظل خطر خسارته للسلطة، فأجاب بلا تردد: «أنصحه أن يوجّه ضربة لإيران». إن مجرد طرح مثل هذه النصيحة هو دليل على حالة اليأس السياسي، التي وصل إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي ومن حوله ومن معه، حيث الحاجة إلى فعل من الوزن الثقيل لوقف تدحرجه هو وحزبه نحو الهاوية السياسية. ولكن وبما أن «ضرب إيران» يعتبر، حتى بالمعايير الإسرائيلية، ضربا من الخيال ومغامرة خطيرة غير محسوبة، فإنّ احتمال اللجوء إلى عملية عسكرية مختلفة، قائم ويزداد خطورة تبعا للضربات المتوالية التي يتلقّاها بينيت المحشور بين مطرقة الإخفاقات الأمنية وسندان تفكك حزبه. وإذ ترى قيادة الائتلاف الحاكم، بينيت ولبيد وغانتس وليبرمان وساعار، إمكانية خسارة السلطة مع «بهدلة» الفشل الأمني، فإنّها تعي أن هذه وصفة لخسارة مؤكّدة للانتخابات المقبلة. هنا قد تجد هذه القيادة مخرجا في المبادرة إلى عملية عسكرية، تقبل بها قيادة الجيش وبقية الأجهزة الأمنية، التوّاقة إلى إثبات قدراتها.
الأزمة الحكومية ليست ولن تكون السبب لحرب أو لعملية عسكرية، لكنّها قد تشكّل عاملا مؤثّرا في التوقيت، كما حدث أكثر من مرّة في الماضي السياسي والأمني المشؤوم للكيان الإسرائيلي، حيث ترتفع شعبية من يرتكب جرائم الحرب بحق الفلسطينيين والعرب. وإذا كانت للقيادة الحكومية الإسرائيلية «أسبابها» لترجيح كفّة الخيارات العسكرية، فإن الأجهزة الأمنية هي الأخرى تبحث عن فرصة لإثبات جدارتها بعد أن تعرّضت لانتقادات شديدة لإخفاقها في منع عمليّات مسلّحة متكررة في قلب المدن الكبرى، وفشلها في منع تطوّر القدرات الصاروخية لحماس وحزب الله.
في مقابل «الإغراء» بمغامرة عسكرية كمخرج من أزمة سياسية، هناك أمثلة عكسية، وبالأخص سقوط شمعون بيريس بعد إخفاقه في عملية «عناقيد الغضب» عام 1996، والانهيار السياسي لإيهود براك بعد قراره عام 2000 تحويل الانتفاضة الثانية إلى مواجهة عسكرية دامية، بعد أن كانت في بداياتها هبة شعبية غير مسلّحة، والضربة السياسية التي تلقّاها إيهود أولمرت بعد فشل الحرب التي شنّها على لبنان عام 2006، وكذلك خسارة أولمرت وليفين وبراك عام 2009 بعد عملية «الرصاص المصبوب»، التي لم تسعف من بادر إليها. وعلى الرغم من أن بينيت وكل من معه على وعي تام بأن إمكانيات الفشل السياسي في الخيار العسكري لا تقل عن إمكانيات تحقيق المكاسب، إلّا أن حالة اليأس من المستقبل قد تدفع إلى اتخاذ قرار بعملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، على غرار «الجدار الواقي»، مع اختلاف الظروف والسياقات، أو استغلال أتفه الأسباب للقيام بعدوان جديد على غزة، أو على لبنان، وربّما مواقع معينة في سوريا، وكذلك هناك إمكانية جدّية بأن تقوم إسرائيل بعملية عسكرية استفزازية في إيران، مع استبعاد ضربة عسكرية مباشرة وكبيرة.
من المهم الانتباه إلى أن إسرائيل قد تستغل الانشغال العالمي بالحرب في أوكرانيا لتصعيد حربها على الشعب الفلسطيني، وعلى الشعوب العربية عموما. ويزيد هذا العامل من احتمالات التصعيد العسكري، وما يزيده أيضا هو توافق المصالح بين بينيت ولبيد وغانتس، حيث يتحمّل كل منهم مسؤولية الفشل المزدوج الأمني والسياسي، وبالتالي قد يدفعوا ثمنا حزبيا باهظا إذا سقطت الحكومة وانكسرت أمام ضغوط نتنياهو والليكود.
سيناريوهات
ترتبط التطورات الأمنية والعسكرية بالسيناريوهات السياسية المحتملة في الفترة المقبلة. فما هي هذه السيناريوهات؟ لقد أدّى انسحاب عضو الكنيست عيديت سيلمان، من الائتلاف وانضمامها إلى المعارضة إلى دوّامة سياسية من المرجّح أن تدفع بحكومة بينيت إلى انهيار سريع، وأصبح من المؤكّد أنها لن تعمّر حتى موعد تنفيذ التناوب بين بينيت ولبيد بعد سنة ونصف السنة. وتتلخص السيناريوهات، التي يجري تداولها في إسرائيل، بما يلي:
أولا، نجاح الليكود في تجاوز حالة التعادل القائمة، وسحب عضو إضافي أو أكثر من الائتلاف الحكومي، ما يؤدّي إلى تشكيل أكثرية تدعم تبكير موعد الانتخابات، وهذا الاحتمال الأقوى، لكنّه ليس في «جيب» الليكود بعد. هناك عدد من أعضاء الكنيست مرشّحون للانتقال من الائتلاف إلى المعارضة من كتل «يمينا» بقيادة نفتالي بينيت، و«أمل جديد» بقيادة جدعون ساعار، وحتى من «أزرق أبيض» بقيادة بيني غانتس. ويتعلّق موعد الانتخابات بتوقيت انسحاب أي عضو كنيست من الائتلاف، وبعدها سيكون الباب لتعيين انتخابات جديدة، مفتوحا على مصراعيه. وإذا لم تحدث تطوّرات غير متوقّعة فإن الحد الأقصى لحياة هذه الحكومة هو آذار/مارس 2023، حيث موعد إقرار الميزانية، وهي لا تملك الأغلبية لتمريرها، ما يعني أوتوماتيكيا إعلان انتخابات، لكن الائتلاف الحالي قد يتفكك قبل ذلك وتجري الانتخابات في موعد ما في الربع الأخير من العام الحالي.
ثانيا، انسحاب أعضاء من الائتلاف بما يكفي لتشكيل حكومة بديلة برئاسة نتنياهو من دون اللجوء إلى الانتخابات. وهذا احتمال ضعيف جدا لأنّه يتطلّب فرار سبعة نواب من سفينة الحكومة الغارقة لإتمام 61 صوتا لازمة لتمرير حكومة بديلة. كما أن إمكانية تمرير اقتراح حجب ثقة يقدمه الليكود مستحيلة لأن القائمة المشتركة، ولها ستة نواب، لا يمكن أن تدعم حجب ثقة يشمل انتخاب نتيناهو رئيسا للوزراء، حيث ينص القانون على «حجب ثقة بنّاء» يشمل تصويتا مزدوجا على سحب الثقة من الحكومة وانتخاب مرشح لرئاسة الحكومة.
ثالثا، بقاء الحكومة رغم التعادل في الكنيست، حتى لو لا يمكنها تمرير قرارات خلافية، ولكن لا يمكن إسقاطها طالما بقي التعادل. من الصعب جدا الاستمرار بهذا الوضع طويلا، وفي كل الأحوال لا يمكن تمرير الميزانية في مطلع العام المقبل، ما سيؤدي إلى سقوط الحكومة.
رابعا، تشكيل حكومة بديلة برئاسة شخص غير بنيامين نتنياهو، وهذا ممكن لولا أن نتنياهو لن يتنحّى جانبا، والليكود لن يتنازل عنه. وعليه لم يعد هذا الأمر واردا في الحسبان.
يبدو أن حكومة بينيت – لبيد آيلة إلى سقوط والانتخابات هي مسألة أشهر، ووفق اتفاق التناوب، فإن لبيد سيصبح رئيسا للوزراء فور الإعلان عن الانتخابات. وقد يكون لبيد أقل ميلا لمغامرة عسكرية من تلقاء ذاته، لكنّه سيقبل بما يقترحه عليه الجيش، لضعف خبرته العسكرية. وحين يصبح لبيد رئيسا للوزراء فمن المؤكّد أن الإدارة الأمريكية، المعنية جدّا ببقائه في منصبه بعد الانتخابات، ستحاول مساعدته بطرقها الخاصة، التي قد تشمل مزيدا من التطبيع العربي، لمنحه شحنة مصطنعة من المجد السياسي لمساعدته في تحقيق نجاح انتخابي والبقاء على كرسي رئاسة الحكومة.
الانتخابات الإسرائيلية على الأبواب، وليس هناك ما ننتظره منها سوى المزيد من التطرف والعمل على تهميش قضية فلسطين ومحوها من الوجود السياسي، ولكن ومن جهة أخرى فإن أزمة الحكم في إسرائيل هي أضعف أيام الدولة العبرية، فهل هناك في فلسطين وفي الوطن العربي من سيقوم باستغلال الفرصة؟
www.deyaralnagab.com
|