شيماء الدّلالي رئيسة لاتحاد الطّلبة في بريطانيا: أن تجرؤ على الكلام في «أم الديمقراطيات»!!
بقلم : ندى حطيط ... 31.03.2022
كاستثناء طازج منعش في لجج من الأخبار الكئيبة المتلاحقة تحاصرنا بها الشاشات ليل نهار عن الحرب والأزمات والعقوبات والمجاعات الآتية، جاء فوز شيماء الدّلالي برئاسة الاتحاد العام للطلبة في بريطانيا. هذه الطالبة العربيّة المسلمة (من أب تونسي وأم سودانيّة) بسمرتها الآسرة وروحها المشتعلة وصوتها اليقين الذي تسلل من بوابات الضوء، حصلت على ثقة مئات الآلاف من الطلاب في مختلف قطاعات التعليم الجامعي العالي البريطانيّة لتكون صوتهم وممثلتهم ومنسقة مواقفهم لعامين مقبلين.
وفي الحالة البريطانيّة، فإن انتخاب شيماء الدلالي، الذي ضجّت به وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الوقت بالذات يُحسب بالتأكيد لصالح الجيل الشاب الجديد في البلاد، الذي كسر كل القوالب العنصريّة والتمييزيّة واختار فتاة، وعربيّة، ومسلمة، ابنة مهاجرين لهذا المنصب الطلابي الرفيع الأقرب إلى رئاسة حكومة ظلّ تمثّل قطاع الطلاب العريض في قلب المملكة، التي تسكن نخبتها الحاكمة هواجس شوفينيّة وتأخذ بلبابها أحلام استعادة أمجاد الإمبراطورية، التي كانت ذات يوم.
لكن الأمر في انتخاب الدلالي يعدو بكثير المسألة العرقيّة الشكليّة – والغرب معروف بقدرته على تمويه انحيازاته بمزجها بقليل من ذوي الوجوه الملونة على صيغة بريتي باتيل (وزيرة الداخليّة من أصل هندي) وناظم الزهاوي (وزير التعليم من أصل عراقيّ) في الحكومة البريطانية الحاليّة – ويتجاوزها إلى مضمون الخطاب (السياسيّ) الخطير الذي تحمله الرئيسة الجديدة وتعبّر عنه كتوجه عام غالب بين البريطانيين الشباب.
فطالبة القانون الفصيحة تقف بحزم معلن إلى جانب السعي لعقد اجتماعيّ جديد مناهض للسياسة النيوليبراليّة المتوحشة التي تبنتها الحكومات اليمينية المتعاقبة في المملكة المتحدة وحوّلت التعليم الجامعي إلى تجارة تتوخى الربح، وامتياز لا يمكن الحصول عليه سوى لأبناء الأثرياء – أو مقابل تحمّل ديون باهظة تثقل كاهل الطلاب الفقراء وتفسد انطلاقتهم لبناء مستقبلهم -. والدلالي بذلك تعبّر عن أشواق ملايين البريطانيين لاستعادة التعليم من براثن الجشع إلى موضع الحق لمن يتأهل – بكفاءته حصراً – لنيله.
وبالطبع ليست هذه المطالبة بالجديدة، إذ أن عدداً من مجالس الاتحادات الطلابيّة السابقة طرحها في سياق برامجها الانتخابيّة، لكّن توقيت انتخاب الدلالي التي تحمل راية التعليم المجانيّ في وقت تعيش فيه بريطانيا – والغرب عموماً – أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة غير مسبوقة ضاعفت منها تأثيرات الحرب الجارية في أوكرانيا يضع هذه المسألة في النطاق الساخن، إذ يُخشى أن يتحوّل التململ الشعبيّ من التضخّم المتسارع والبطالة المتزايدة واتساع الفجوة في المداخيل إلى اضطرابات سيكون الطلاب – كما عهدهم – طليعتها المتقدمة، ولا شكّ أن مجانيّة التعليم ستكون قضيّة يسهل حشد الطلاب من حولها وفي ظروف معينة قد تتدحرج لتكون نواة 1968 بريطانيّة على صيغة ثورة الطلاب الفرنسيين الشهيرة. ولذلك تخشى المنظومة الحاكمة من مضمون الرسالة التي يحملها تنصيب الدّلالي بوصفها تأكيداً على انتقال مزاج الأجيال الجديدة إلى فضاء مناقض تماماً لتوجهات الأجيال الأكبر سناً والتي وضعت ثقتها خلال العقود الأخيرة في حكومات من صناعة اليمين البريطاني المحافظ والنيوليبرالي.
مملكة ممنوع التفكير
وإذا كان معنى انتخاب الدلالي مقلق للطبقة البريطانيّة الحاكمة من الزاوية الاجتماعيّة – الاقتصاديّة، فإنّ وصول هذه الشابة الشجاعة لرئاسة اتحاد الطلبة على برنامج صريح في تأييده لقضيّة فلسطين، سيكون بمثابة مصدر إزعاج إضافي للدوائر الصهيونيّة المتمكنة داخل المنظومة البريطانيّة، ناهيك عن تنظيمات الطلبة اليهود الموالية بتطرّف للدولة العبريّة وتديرها السفارة (الإسرائيليّة) في لندن، والتي لا تخفي توجسّهم من التوسّع الملحوظ لتعاطف الجمهور البريطاني مع الشعب الفلسطيني، كما ظهر جلياً خلال انتفاضة الشيخ جرّاح الأخيرة.
ومن المعروف أنّ اتحاد الطلبة اليهود في بريطانيا تحديداً من أقوى التنظيمات في البلاد، وعضو مؤسس للاتحاد العالمي للطلبة اليهود، الذي يقوم بحملات لتعزيز روابط منتسبي الجامعات والكليّات مع الدّولة العبريّة في مختلف الدّول، ويتولى إصدار تثقيف سياسيّ لمساعدة الطلاب الأعضاء في الدّفاع عن المشروع الصهيونيّ. ويعمل الاتحاد العالمي تحت رعاية المنظمة الصهيونية العالمية، التي تنهض بالأولويات الاستراتيجية لدولة (إسرائيل) وتتولى توفير التمويل لها.
وتأثير الاتحاد ظاهر في الجامعات البريطانيّة من خلال حملات التشهير والدعاوى القضائيّة بتهمة معاداة الساميّة التي يتابعها باسمهم محامون مرموقون كلمّا تجرأ أيّ من الأساتذة أو الباحثين على الخروج ولو قيد أنملة عن السرديّة الصهيونية، سواء في المجالات الأكاديميّة كالتاريخ أو السياسة أو اللاهوت، وأيضاً في المواقف الاجتماعيّة أو التصريحات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني على مواقع التّواصل الاجتماعيّ.
وتتم هذه الحملات في ظلّ تواطؤ شبه تام من مؤسسات الدّولة البريطانيّة التي تسيطر على توجهاتها نخبة يمينيّة متصهينة، تبدأ من الأجهزة الأمنية والقضائيّة، ولا تنتهي بالصحافة والإعلام المنحازين بشكل صريح لجانب الدّولة العبريّة، مروراً بالطبع بالبرلمان المتخم بمؤيدي (إسرائيل).
كساد بضاعة الإسلاموفوبيا الفاسدة
لعلّ واحدة من أخطر الأدوات التي وظفتها النّخب الحاكمة في الغرب لتمديد هيمنتها وخدمة غاياتها المشبوهة كانت لعبة (الإسلاموفوبيا) أو رهاب الإسلام، تلك الظاهرة الخطرة التي ما لبثت تسمم مناخات المجتمعات الغربيّة، وتضع على عيون ذوي البشرة البيضاء فيها عُصابة تمنعهم من تكوين آراء واقعيّة بشأن السياسات الغربيّة العدوانيّة المستمرة ضدّ نطاق عريض من بلدان العالم الثالث، وتتسبب في استقطابات أهليّة حادة ضد مواطنيهم المسلمين والمهاجرين بشكل عام. ومن الواضح أن مثل تلك الظاهرة تخدم حصراً أهداف النخبة المهيمنة على الثروة والسلطة في الغرب، وتضيّع طاقة الشعوب في حروب ثقافيّة لا طائل من ورائها.
إن انتخاب شيمّاء الدلالي، الفتاة المسلمة المحجبة من قبل الطلاب البريطانيين لإشارة إلى كساد بضاعة التخويف من المسلمين، وسقوط محاولات تخوينهم وعزلهم، أقلّه في أذهان المجموعة السكانيّة التي ستشكل مستقبل هذه البلاد في الآتي من الأيّام، ويفتح بالتالي أفقاً من أمل لتوحيد نضالات جميع المواطنين البريطانيين دون السقوط في أفخاخ التقسيمات العرقيّة والجندريّة والدينية والثقافيّة التي تدفع باتجاهها الطبقة الحاكمة.
الجيل الثاني: أكثر تعليماً، أكثر اطلاعا، وأكثر شجاعة
المقيمون في بريطانيا من أصول عربيّة ومسلمة يعانون دائماً من سطوة الثقافة الغربية، التي يتعرّض لها الجيل الثاني من أبناء المهاجرين من خلال انخراطهم في التعليم والمجتمع المحليّ بإعلامه ومؤسساته ونظمه السائدة. ويسكن معظم الآباء والأمهات هواجس وتحديات نقل الهويّة والثقافة والانتماء القومي من جيلهم إلى الأجيال الجديدة التي ولدت وتعيش في الاغتراب، والتي كثيراً ما ينتهي عديد منها إلى ضعف في هويّتهم الثقافية، وبهتان لعلاقتهم بلغة وتاريخ وقضايا أهلهم. لكن ليس شيماء الدلالي، هذه الصبية المنهمكة بهموم نسيها أصحابها أو كادوا، بتفوقها وحضورها المبهر تمنحنا جميعاً الأمل بأن هويتنا وثقافتنا وحتى نضالاتنا القوميّة يمكن أن تنتقل بأمان إلى جيل قد يكون أشجع وأكثر تعليماً واطلاعاً منا بحكم التغير المتسارع في بيئة الحياة البشرية والإمكانات التكنولوجية الحديثة. فخورون بك يا شيماء، وكثيراً جداً.
www.deyaralnagab.com
|