الحب صناعة مُربحة… !!
بقلم : سهيل كيوان ... 14.02.2019
أن تقول يحيا الحب، هذا كأن تقول يحيا الماء، أو يحيا الهواء، فهو يحيا رغماً عن كل عائق في كل الظروف وبقواه الذاتية، إنه الكائن الأكثر قدرة على التأقلم في كل مكان وزمان وظرف، ولديه القدرة على النمو حيث ظنوا أنه قد يبس ومات، وإذا به يبرعم ويزهر وينمو، مثل عود ظهر يابساً لا حياة فيه في كانون، وما أن ينتصف شباط حتى تراه يبرعم ويستعد للإزهار، وتستيقظ القطط إلى ممارسة الحب بلهفة وجنون، بعد شتاء بارد.
دفع الحب أبناء البشر إلى الإبداع، فنظموا الشعر وكتبوا الروايات والقصص، وأبدعوا في الموسيقى، كذلك في الانتقام، وتحكي إلياذة هوميروس أن شرارة حرب إسبارطة على طروادة وتدميرها كانت بسبب هيلانة زوجة ملك إسبارطة، التي اختطفها ابن ملك الطرواد.
أحمد رامي شاعر عظيم، ولكن عشقه لأم كلثوم جعله يبدع أكثر وأكثر، ويُحكى أن أم كلثوم رفضت عرض الاقتران به لأنها أدركت أنه بعد الزواج
سيتحول من عاشق ملهتب المشاعر إلى زوج قد يحبها ولكن على نار هادئة قد تصبح رماداً.
وما أروع كلمات الشاعر السوداني الهادي آدم «أغداً ألقاك
يا خوف فؤادي من غد
يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد»!
كذلك فقد أبدعوا في رثاء حبيباتهم، وهل توجد تشبيهات أكثر روعة ورِقّة من تشبيهات نزار قباني لزوجته الشهيدة بلقيس.
«كانت إذا تمشي ترافقها طواويس وتتبعها أيائل»
«يا أمواج دجلة تلبس في الربيع بساقها أحلى الخلاخل».
ويروي لنا القرآن الكريم قصة سيّدة مصر الأولى التي بلغ حبها ليوسف الصّديق شغاف قلبها، فتنازلت عن كبريائها الملكي وحاولت إغراءه، و«هّمت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه»، ولم تندم السيدة زليخة، وعندما تناولت سيدات المجتمع سيرتها، استضافتهن وأدخلته عليهن فقطعن أيديهن من شدّة حُسنِه، فاعترفَتْ،»فذلكن الذي لمتنني فيه، وقد راودتُه عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكوناً من الصاغرين».
الحب الذي حمله الإعرابي في صحراء العرب قبل ألفي عام لزوجته، ريثما يعود إليها من المرعى، هو نفسه الحب الذي يحمله رجل فضاء أمريكي أو روسي لامرأة تنتظر عودته إلى كوكب الأرض، فرغم كل ما مر ويمر على بني البشر من تحوّلات عميقة في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ما زال الحب هو الركن الأجمل والأكثر قدرة على إسعاد الإنسان ومنحه ما لا يستطيع اقتناءه بالمال أو بقوة الذراع والسلاح، أو بالقرار السياسي وتعديل الدستور.
تطورت التكنولوجيا وكذلك وسائل التعبير عن الحب والوصال، فاللهفة التي كانت رهن لقاء صدفة في الطريق إلى حقل الذرة أو البرسيم، أو عند خرير مياه ساقية ما على كتف وادٍ، أو حول خرزة بئر، تبدأ وتنتهي بنظرة مختلسة، أو ابتسامة خجولة وبحركة متلعثمة من الشفتين، انتقلت إلى همس يبدأ بكلمة (هالوو) تحملها الأسلاك، ثم تفجّرت فصارت لقاء صوت وصورة في العالم الافتراضي، إلا أن هذا لم يبق افتراضياً، وفي كثير من الحالات يتحول إلى حقيقة من التعارف والحب والشغف.
الحب بات عابراً للقارات، قد يعشق فلسطيني مغربية ويلتقيان في شيكاغو، وقد يكون العاشق في اليابان ومعشوقته في كندا أو السويد، وقد تكون العاشقة في أمريكا والمعشوق في مستوطنة ما في الضفة الغربية.
لم أحتفل يوماً في عيد الحب، لأنني لم أشعر يوماً بأن الحب يحتاج إلى عيد، ولأن لكل حالة من الحب عيدها وذكرياتها الخاصة وأيامها ولحظاتها، ولست من أنصار تحويله إلى تقليد كالمناسبات الدينية أو السياسية، كذلك لست ضد من يحتفلون فيه، وأبارك لهم فرحتهم.
لقد تحول الحبّ مثل أمور كثيرة أخرى، إلى صناعة، فللترويج لعيد الحب وعلى هذا النطاق هدف اقتصادي، فهو مناسبة ممتازة لتسويق بعض المنتجات، مثل الزهور والشوكلاتة والدِّببة والعطور، حيث تظهر الدببة بأحجام مختلفة في المحلات التجارية كالمكتبات وغيرها، ولا شك في أن الصين تصدّر الدببة للعالم بمئات ملايين الدولارات، وكذلك الأتراك، الذين لا يفوتهم مثل هذا العرس.
المؤكد أن يوم الحب يضيف جرعة ما إلى الدورة الاقتصادية، حتى ولو كانت صغيرة، ويشعر بقوّتها أولئك الذين يعيشون في بلاد مستقرة وخالية من آلام وأوجاع الاحتلال الخارجي وكوارث القمع الداخلي، فبات سكانها يختلقون مناسبات للفرح.
طبعاً لا علاقة للعرب بالدبّ الذي لا يظهر في بلادهم إلا في حديقة الحيوان، وفي التعبير السياسي المعروف بالدب الرّوسي، ولكن جرت قولبة الحب على الطريقة الغربية، مثل تقاليد الملابس وآخرها الممزق وقصّات الشّعر وعروض الأزياء والوشم والتقويم الغربي، وصارت الهدية في هذا اليوم فريضة على العشاق، كذلك على أولئك الذين يتظاهرون بأنهم عشاق، وويل لمن ينسى أو يسهو عن حبيبه في هذا اليوم.
الحب في شباط/فبراير ليس بعيداً عن تراثنا، وجاء في المثل الشعبي في فلسطين «فلان مثل قطط شباط، يجامعُ ويصرخ»، وهذا يقال لمن يستمتع بفعلة ما، مثل ربحٍ في تجارة ما، ولكنه يصرخ مبدياً عدم رضاه من الصفقة، فيبدو كأنه يتألم، ولكن صراخه ليس سوى تمويهٍ وتغطيةٍ على ما يقوم به في الواقع!!
www.deyaralnagab.com
|