شكرا نتنياهو على…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 27.11.2014
اعتدنا نحن العرب، أن نتفاءل حتى في أحلك الظروف، وليس هذا فقط، فنحن مبدعون، وأكاد أقول، إن التفاؤل رغم المحن والكوارث هو فن عربي أصيل قائم بذاته.
فنحن قوم نلتمس الخير والتفاؤل دائما، فإذا انكسر وعاء زجاجي مثلا، قلنا» انكسر الشر»، بل حتى والمريض يتعذب على فراش الموت، نقول «إن هذه الآلام تغسل ذنوبه وتنقيه من الدنس».
وقالت العرب «رب ضارة نافعة»، وصَحّت الأجسام بالعلل» وفي الآية الكريمة «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم»، وفي الحديث الشريف «ما يصيب المؤمنَ من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة»، وأكثر من هذا، فنحن نخاف من النعمة إذا استمرت طويلا، ونخشى عاقبة الفرح (إذا زاد عن حده)، ومثله الضحك فنقول «الله يكفينا شرّ هذا الضحك» يعني جاهزين لكل طارئ.
أما عن الشعر العربي الذي يبشر بالخير حتى ونحن في أوج الكوارث، فحدث ولا حرج، فقد ارتفع منسوب التفاؤل في الشعر العربي بعد هزيمة حزيران مليون بالمائة. باختصار نحن أمة عصية على الهزيمة أمام العدو الخارجي، وكذلك الداخلي، وفي العربي الفصيح نقول «كل كلب بيجي يومه» ويقول عبدالوهاب «يا ظالم لك يوم..مهما طال اليوم» وقال عبدالحليم «أبدا بلدنا للنهار بتحب موال النهار» وقال مرسيل خليفة «دائم الخضرة يا قلبي وإن بان بعيني الأسى» وقالت أم كلثوم «وبعد الليل يجينا النور وبعد الغيم ربيع وسرور» وقالت سعاد حسني «الحياة بقى لونها بامبي» وقال محمد منير «علي صوتك علي صوتك بالغنى..لسا الأغاني ممكنة» أما قمة التفاؤل فنراها عند شعبان عبدالرحيم إذ يقول»حبّطل السجاير وابقى إنسان جديد».
لا شك في أن العنصرية أمر قبيح، بل هي أمر مخجل، تدل على سخافة وسطحية وحقارة ووضاعة من يمارسها، وتدل على نقص في كرامته ومروءته، وقد يمارس عنصريته هذه ويحرّض على الآخر، كي يظهر بين القطيع الذي ينتمي إليه أكثر حرصا من غيره على مصالحه، فيكبر بأعين الغوغاء منهم، ويعظّمون تفاهته، ثم يأتي منافس له أحقر منه، فيرى في ذلك فائدة، فيزايد عليه في قذارته وعنصريته وتفاهته، ويتباهى العنصريون ويحولونها إلى منافسة فيما بينهم كي يحظوا لدى القطيع بمزيد من التقدير والاحترام والشعبية.
ورغم ذم البشر عموما للعنصرية، إلا أنها لا تخلو من فوائد، مثل سم الأفعى الذي قد يستخدم في الترياق أيضا.
وكعربي فلسطيني، أدمنت التفاؤل، ولم تستطع شتى الخبطات التشاؤمية أن تفطمني عنه، فقد رأيت بموجة مشاريع القوانين العنصرية الجديدة التي تقرها وتبحثها الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرئيل فوائد كثيرة.
هذه القوانين ستحرم دولة الاحتلال من ميزة القدرة على الكذب بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة العربية، فهي فاشية وعنصرية وظلامية مثلها مثل كثير من الأنظمة المحيطة، بل وقد تكون أسوأ من بعضها في هذا الجانب، هذا سيحرمها من الادعاء بأن معاييرها أوروبية وتنويرية.
الآن بات واضحا حتى للعميان، ولم نعد بحاجة لجهد كبير لإثبات عنصريتها وفاشيتها…فشكرا نتنياهو.
الدبلوماسية العربية فاشلة عموما، لسبب بسيط، هو أنك لا تستطيع إقناع أحد بحقوقك ورقيّك ونواياك الحسنة، بينما أنت مجرم بحق شعبك، ومعارضوك إما في القبور أو السجون، إلا أن نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان قدما الكثير من (الإبداعات) في العنصرية، حتى باتوا مكروهين في أوروبا وحتى لدى الأم الحنون أمريكا، ولم يبق لهم أصدقاء كثيرون كما كان في الماضي، حتى الناطق بلسان البيت الأبيض أُحرج و «أسف» للنية بسن قانون (يهودية الدولة)، فشكرا نتنياهو….
العنصرية تذكرك دائما بمن أنت، فبعض الضعفاء يتخذون من المضطهِد القوي وتصرفاته ولغته وممارساته نموذجا أعلى، خصوصا عند مقارنته بأنظمة العصر الطباشيري العربية..ها هي العنصرية تقول لهؤلاء «سدوا أنياعكم»…فشكرا نتنياهو…
حتى الآن كانوا يفسرون العنصرية على أنها تصرفات فردية قام بها موظف هنا وآخر هناك، ولكن عندما تصبح قانونا، فهي تنطح صاحب الشأن وتذكره بحقوقه المفقودة، وتحرّضه للتمرد وتضعه أمام مسؤولياته، وترغمه أن يعمل ما بوسعه لأجل أن لا يورّث أبناءه هذا الميراث الثقيل، وأن يعمل على تغييره، وأن يُعدّ مستقبلا إنسانيا لأبنائه، وأن يربيهم على نبذ العنصرية والعنصريين والتمسك بحقهم بحياة كريمة حرة في وطنهم مع كامل الحقوق المدنية والقومية.
العنصرية تقول لمن نسي أصله، «إرجع من حيث أتيت»، خصوصا أولئك الذين تنكروا لعروبتهم وفلسطينيتهم، وأولئك الذين يخدمون في أجهزة أمن الاحتلال، وظنّوا أنهم في موقع يحميهم من العنصرية والعنصريين، ها هو نتنياهو ووزراؤه يصفعونهم ويقولون لهم «أنتم أقل درجة من اليهودي، حتى من ذلك الذي يعيش في كندا أو أمريكا، وحتى ممن لم تحمل به أمه بعد، إنه أفضل منكم، وله حق في هذه الأرض أكثر منكم، أنتم مرتزقة»… شكرا نتنياهو على هذا التوضيح..
هذه الحملة من قوننة العنصرية يرافقها هبوط نحو الحضيض في كل المستويات، فقد أعلن رئيس بلدية أشكلون (عسقلان) عن منع العمال العرب من العمل في حدود بلديته، هذا يذكر فقط بأقذر الحقب التي مرت بها البشرية، كذلك تذكر بالمستبدين والطغاة الذين «مروا في كلام عابر» أمام مقاومة وإصرار أهل البلاد الأصليين.
العنصرية تخرب الفن، فقد أصدر أحد المغنين أغنية عنصرية ضد (أحمد) لاقت رواجا كبيرا، حتى رئيس الدولة الليكودي رؤوبين ريفيلن لم يرق له هذا الهبوط، وفهم أنه يضر بـ «المشروع الصهيوني» في الداخل بعلاقة الدولة بمواطنيها غير اليهود وبالخارج أمام العالم، وأعلن مقاطعة صاحب الأغنية التي تصف (أحمد) بأنه «غدار يأكل ويشرب معك ثم يطعنك من الخلف ببلطة مشحوذة».
على كل حال وكما قال شعبان «حبطل السجاير وابقى انسان جديد» أوكما قال درويش..سجل أنا عربي (درجة زفت)، وهنا في وطننا باقون ما بقي الزعتر والزيتون والحجل والليمون والطيون والبلابل والخبيزة والباذنجان واللفت، والخيار والفقوس والبطيخ والدجاج والعلت، والحنون واليمام والحسّون..بل ما بقيت في السماء نجوم.
www.deyaralnagab.com
|