الدور الخليجي الذي ينبغي أن يتم في اليمن!!!
بقلم : عبدالواسع السقاف* ... 21.10.2014
قدمت دول الخليج مبادرة في العام 2012م لإحتواء الأزمة التي نتجت عن ثورة فبراير الشبابية الشعبية السلمية 2011م والتي أطاحت بنظام صالح واستفاد منها أحزاب اللقاء المشترك المعارضين، ولكن المبادرة لم تُحقق كافة أهدافها خاصة بعد الصراع الذي دار بين "رجال القبائل" في الشمال وجماعة أنصار الله (وهنا يجب أن نفرق بين كلمة "حوثي" ومصطلح "أنصار الله"، فكلمة حوثي تُشير إلى أسرة واحدة في صعدة وهي أسرة قائد الحركة "حسين بدر الدين الحوثي"، بينما مصطلح أنصار الله فهم كل من تبعوا المنهاج الحوثي وإنضموا للحركة من بقية محافظات اليمن)! وللأسف الشديد تم تجيير هذا الصراع إعلامياً على أنه صراع حوثي/إخواني "حزب الإصلاح"، بالرغم من أنَّ الدولة بجيشها وعتادها كانت طرفاً فيه، وكان هذا التجيير بهدف تحييد عامة الشعب الذين لا يميلون لكلا الطرفين "لا الحوثي ولا الإصلاح"، ومازال هذا الزخم الإعلامي مُستمر حتى الأن، بالرغم من أن قيادات حزب الإصلاح أعطت توجيهات صريحة بعدم الدخول مع أنصار الله في أي صراع بعد دخولهم العاصمة وكان ذلك واضحاً في خطاب رئيس كتلة الإصلاح البرلمانية زيد الشامي حينها! وعليه فقد أعتبرت جماعة أنصار الله أن المبادرة الخليجية ملغية بعد توقيعهم إتفاقية السلم والشراكة مع رئيس الجمهورية وبقية المكونات السياسية في 21 سبتمبر 2014م، إلا أن دول الخليج لم تقم بمباركة هذا الأتفاق، وذلك خوفاً من أن تُعطي بذلك شرعية لجماعة أنصار الله التي مازالت تعتبرها دول الخليج جماعة أو مليشيا متمردة لا يوجد لها شكل سياسي أو قانوني حتى الآن!
بالمقابل بدأت دول الخليج تتخوف من توسع وإنتشار جماعة أنصار الله وخاصة أنَّ الجماعة إستطاعت أن تسيطر على محافظات ومُدن إستراتيجية عديدة ومنها مدينة الحديدة ومينائها الأستراتيجي على البحر الأحمر وقربها من مضيق باب المندب، وهو المضيق الإستراتيجي الذي يُشكل عنق الزجاجة لمرور النفط والمواد الخام والتجارة الدولية والذي قد يشكل تهديداً على الأمن القومي والأقتصادي لكل من دول الخليج العربي (خاصة السعودية) ومصر والسودان! وأزدادت مخاوف دول الخليج بهذا الخصوص كون إيران هي الداعم الإقليمي لجماعة أنصار الله وهناك عداء تاريخي بينها وبين دول الخليج! ولأن إيران لا تستطيع ضرب مصالح دول الخليج عبر مضيق هُرمز كونها ستواجه كافة دول مجلس التعاون الخليجي بكل ثقلها الأقتصادي والسياسي والعسكري، فالمخاوف هي من إيعاز إيران لأنصار الله التحكم بمضيق باب المندب وضرب تلك المصالح! ومثل هذا السيناريو سيشكل مُعضلة لا حل لها لأن دول الخليج تعلم أن أي حرب في جبال اليمن لن تُحقق نتائجها المرجوة وستكون مكلفة جداً عسكرياً وبشرياً، فقد جرّبت ووقَعت مصر بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م في هذا الفخ الذي تسبب في نكستها فيما بعد عام 1967م! ولذلك فقد بدأت التصريحات الخليجية والمصرية في الظهور خاصة فيما يخص أي تحركات قرب مضيق باب المندب والمياه الأقليمية اليمنية من باب تخويف الآخر من الإقدام على ذلك!
الخليجيون يعتقدون بأن الدولة الحالية غير قادرة على إيقاف هذا المد لأنصار الله بوضعها الراهن، ولذلك فهم في تحليلاتهم السياسية والعسكرية يعوِّلون على النظام السابق متمثلاً في صالح والقبائل الموالية له في القيام بهذا الدور! يعتقدون أن هناك تحالف بين صالح وجماعة أنصار الله وأنهم يستطيعون أن يجيروا هذا التحالف لصالحهم وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 2011م وإيقاف جماعة أنصار الله عند هذا الحد (المكاسب التي حصلوا عليها حتى الآن)، غير أنهم بنفس الوقت يتحدثون عن حتمية إنفصال الجنوب عن الشمال عبر إستفتاء شعبي يحدد مصير الجنوب! هم لا يمانعون إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل مايو 1990م والتعامل مع دولتين: اليمن الشمالي ودولة الجنوب العربي، طالما وأن أمن المنطقة سيتم المحافظة عليه ومصالحهم لن تتأثر! ولذلك فلم تكن المبادرة الخليجية من أساسها إلا محاولة لتهدئة الأوضاع في اليمن والسيطرة على الجانب الأمني حتى لا يؤثر على أمنهم ومصالحهم، كما لم يكن الهدف الرئيسي منها إيجاد حلول جذرية وتقديم مساعدة حقيقية للنهوض باليمن ليكون مؤهلاً للإنضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي (ولا يبدوا أنهم يفكرون بهذا الهدف الذي يخدم كافة دول المنطقة)، ولذلك لم يتم متابعة والتأكيد على تنفيذ بنود المبادرة، ولا الضغط على الجهات التي تتهرب من التنفيذ، ولا حتى إحتواء أية صراعات عبر الحوار كما حدث مع لبنان! تُركت اليمن تتدبر نفسها بنفسها، ولم تُكلف دول الخليج نفسها حتى متابعة المُتغيرات في الواقع! لقد كانت أكثر متابعة لما يحدث في العراق والشام ومصر!
المشهد اليمني الأن أصبح أكثر تعقيداً بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، ولم تعد المبادرة الخليجية ذات جدوى في ظل الصراعات الجديدة وتوجه أنصار الله لبسط نفوذهم في الشمال، ورفض المناطق الوسطى لهم، وسيطرة القاعدة على مناطق أخرى، وتوجه الجنوبيين إلى إعلان فك أرتباطهم عبر المطالبة بإستفتاء شعبي، والذي لو تم فعلاً لتحققت نبوءة صالح في مارس 2011م بأن" اليمن قنبلة موقوته وسينقسم إلى أربعة أشطار من بعدي"! وبالرغم من أن دول مجلس التعاون الخيلجي لديها ثقل عسكري رهيب (بكمية التسلح الهائل الذي تحصل عليه سنويا)، وإقتصادي دولي كبير، وثقل سياسي، إلا أنها لم تكن قادرة على مجاراة إيران في تأثيراتها على المنطقة ككل من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى مصر إلى اليمن! ولأنها الآن باتت وسط دائرة ملتهبة من كافة الاتجاهات، فقد بات لزاماً عليها إيجاد إستراتيجية جديدة للتعامل مع الملف اليمني، ولأنها الملاذ والملجأ الدائم لكل الساسة اليمنيون في كل الأوقات الصعبة، فعليها المساهمة في دعم الدولة اليمنية في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وتشكيل حكومة كفاءات وطنية حقيقية والضغط على القوى السياسية والقبلية بالقبول بالآخر وتسليم سلاح المليشيات كافة حتى تستطيع الدولة بسط هيبتها، قبل أن تتطور الأوضاع في اليمن وتجد أن قوى أخرى قد سيطرت على كل مفاصل الدولة، ولربما إعلان دولة خلافة جديدة على غرار "داعش" في الشام، أو جمهورية إسلامية يمنية!!
* عضو المجلس العالمي للصحافة
www.deyaralnagab.com
|