جدل الإعلام التقليدي والجديد!!
بقلم : د.خالد الحروب ... 23.05.2014
هناك هوسٌ، ربما لا غنى عنه، بإطلاق تعبير «جديد» على أية تطورات وتحولات تحدث في سياق من السياقات السياسية والثقافية والاجتماعية. ولكن لفظة وتعبير «الجديد» تنطوي على مدلول مُضلل من ناحية معرفية، لأن «الجدة» المفترضة هنا مؤقتة وظرفية، وسرعان ما يتجاوزها الزمن ويأتي بـ«جديد» آخر. فـ«جديد» الأمس صار قديم اليوم، كما أن «جديد» اليوم سيعفو عليه الزمن ويصبح قديم الغد. سياسياً، وفيما يتعلق بتوصيف المنطقة التي نعيش فيها، تكرر تعبير «الشرق الأوسط الجديد» بشكل مدهش منذ انحسار النفوذ البريطاني وعهد الاستقلالات العربية، وصعود النفوذ الأميركي. عندها كان «الجديد» هو هذا الاستبدال في النفوذ الأجنبي والسيطرة. وبين ذلك «الجديد» و«الشرق الأوسط الجديد» الذي يتحدث عنه البعض الآن في حقبة ما بعد الثورات العربية وبداية انحسار النفوذ الأميركي، مرت المنطقة بمراحل عديدة من «شروق أوسطية جديدة»، أحدها بشر به شمعون بيريز بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانعقاد مؤتمر مدريد، وأشهرها مؤخراً ما بشر به جورج بوش الابن إبان غزو العراق. كل تلك «الشروق الأوسطية» صارت قديمة، بما يعني أن جِدتها كانت ظرفية بحتة.
ذات الجدل ينطبق على مفهوم «الإعلام الجديد» بل وبمفارقات أكثر. مرة أخرى، هناك «إعلام جديد» كل عقد من السنين على الأكثر. منذ ثورة التلفزيون الذي كان «الإعلام الجديد» الثوري مقارنة بالراديو، وهناك سلسلة متواصلة من «الإعلامات الجديدة». اليوم يُستخدم التعبير للدلالة على وسائل التواصل الاجتماعي وكثافة الاستخدام الفردية للإعلام الإنترنتي، بعيداً عن سيطرة المؤسسات الإعلامية التقليدية الكبرى. ولكن هنا يتداخل التقليدي والجديد، ذلك إن اعتبرنا أن التلفزيون والصحف والمجلات هي ما يندرج تحت صفة الإعلام التقليدي فإن الغالبية الكاسحة من هذه الوسائل قامت بـ«تجديد» نفسها وأصبحت «أون لاين» وتفاعلية وتقريباً انمحت الفروقات الواضحة بينها وبين «الإعلام الجديد». يُضاف إلى هذا سؤال له علاقة بأجيال المستخدمين، ذلك إن اعتبرنا أن الشريحة الأوسع من مستخدمي «الإعلام الجديد» هم الشباب والمراهقون وطلبة المدارس بل وحتى الأطفال (وهواتفهم النقالة والألواح الإلكترونية التي يلعبون عليها، «الآي باد» وسواه)، فإن هذه الشريحة لم تعرف من الإعلام إلا هذه الوسائل وبالتالي ليس هناك إعلام تقليدي أو قديم بالنسبة لها كي تعتبر أن ما بين أيديها هو «إعلام جديد». إنه إعلام جديد للجيل الأكبر سناً الذي خبر ورافق الإعلام «القديم».
الواقع يشير إلى أن الحدود بين الإعلامين «التقليدي» و«الجديد» تتداخل والوظائف تتكامل، بحيث يصعب رسم خطوط صارمة تفرق بين الفضاءين. ويمكن رصد بعض جوانب التداخل والتكامل هنا.
الجانب الأول، التكاملية الوظيفية (functional complementarity): وهذه الخاصية ربما كانت الأهم والمقصود بها أن كلاً من الإعلامين اشتغل على وظيفة معينة تكمل الوظيفة التي يقوم بها الإعلام الآخر. فالإعلام الجديد، وتعبيره الأهم وسائل التواصل الاجتماعي، يعتمد على الهواتف النقالة المحملة بالكاميرات الشخصية، ويسجل الأحداث على الأرض مباشرة (zoom-in) ثم يبثها «أون لاين» سواء للآخرين أو لمواقع إلكترونية، وربما تنتهي إلى قنوات تلفزيونية، كما شهدنا خلال الانتفاضات العربية. حيث كانت محطات التلفزة الكبرى تقوم بعرض ما يصلها على الشاشة الكبيرة وتنقله لمئات الملايين من المشاهدين في العالم (zoom-out). في العدد الأكبر من الحالات لم تستطع التلفزيونات الكبرى الوصول إلى أماكن الأحداث، إما بسبب التضييق، أو بسبب سرعة إيقاع الحدث. عندها كان الإعلام الاجتماعي هو الذي يقوم بالمهمة.
الجانب الثاني يتعلق بالحراك والتعبئة (mobilization and mobility) ويعكس مرونة الحركة والقدرة الفائقة على النشر والاستدعاء وسوى ذلك. وهنا يتحرك الإعلام الاجتماعي، الموجود في جيب كل فرد من الأفراد (أو الناشطين السياسيين والاجتماعيين) على شكل هاتف نقال من مكان إلى آخر بسهولة وسرعة، بخلاف ثقل حركة الإعلام التلفزيوني بكاميراته ومعداته الثقيلة. وفي الوقت نفسه يعمل مديرو الصفحات والمواقع الخاصة بالإعلام التقليدي على استلام الرسائل وإعادة توجيهها، وبالتالي إدارة عملية الحشد والحركة بشكل فعال، التي هي خليط بين التعبئة والإعلام ونشر المعلومة.
جانب التكامل الثالث هو الشمولية (inclusivity) والمقصود هنا أن الإعلام الاجتماعي بسبب توفره في أيدي الجميع، عن طريق الهواتف النقالة، أو الكاميرات الصغيرة، قد تمكن من القيام بتغطية إعلامية شاملة لكل الأحداث التي تقع ضمن الانتفاضة الشعبية وفي كل المدن والقرى. هذا في حين تركزت تغطية الإعلام التلفزيوني في الميادين الرئيسة والمدن الكبرى، ولم يكن باستطاعة هذا الإعلام نشر تغطية تشمل كل المناطق بسبب الموارد البشرية والمادية وإدارة العملية الإعلامية نفسها.
القدرة على التملك (affordability)، وهنا تمتاز أدوات الإعلام الاجتماعي برخصها النسبي وإمكانية امتلاكها من قبل معظم شرائح المجتمع، وعمادها ببساطة الهاتف النقال. وإضافة إلى ذلك فإن غالبية الشرائح الشبابية في الوطن العربي متواصلة الآن بواسطة الإنترنت وعندها حسابات على الفيسبوك أو تويتر. وهذا كله لا يحتاج إلى موارد مالية غير عادية.
القدرة على تجاوز الرقابة (un-controllability) والمقصود هنا أن الإعلام الاجتماعي على الأرض off-line على شكل هواتف نقالة، وفي الواقع الافتراضي on-line، تصعب السيطرة عليه، بخلاف الإعلام التقليدي والتلفزيوني. ويمكن القول إن المهارة الشبابية في استخدام الإعلام الاجتماعي فاجأت كثيراً من الدول التي حصل فيها ما سمي «الربيع العربي»، ولم تستطع مجاراة السيطرة الشبابية على تلك الوسائل، مما وفر فجوة آمنة خدمت، بمعنى ما، الثورات العربية.
www.deyaralnagab.com
|