في مدلولات تسمية ملتقى النقب العربي الاسرائيلي!!
بقلم : محمود الريماوي ... 14.01.2023
شهد كيوبتس سديه بوكير (مستوطنة زراعية عسكرية)، في منطقة النقب من أراضي عام 1948، في مارس/ آذار العام الماضي (2022)، اجتماعاً لوزراء خارجية مصر والبحرين والمغرب والإمارات وإسرائيل، بحضور نظيرهم الأميركي. عقد في إطار تعزيز الاتفاقيات الإبراهيمية، ورفدها بتعاون واسع بين الدول المشاركة في قطاعات تشمل: المياه، السياحة، الصحة، التعليم والتعايش، الطاقة، الأمن الإقليمي والأمن الغذائي. ثم عقد اجتماع ثانٍ في المنامة لـ "اللجنة التوجيهية"، واجتماع ثالث افتراضي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واجتماع رابع قبل أيام في أبوظبي. ويستعد القائمون على ما بات يعُرف بملتقى (أو منتدى) النقب لعقد اجتماع وزاري في المغرب في مارس/ آذار المقبل. وقد سعت واشنطن إلى ضم الأردن والسلطة الفلسطينية إلى هذه الاجتماعات، إلا أن الطرفين رفضا المشاركة فيها، لأسباب تتعلق بسياسات الاحتلال الإسرائيلي القائمة على الاستيطان والضم الفعلي للأراضي المحتلة والتهويد القسري لمدينة القدس العربية وانتهاك مقدّساتها، ورفض حكومات الاحتلال منذ عام 2014 أية مفاوضات مع الجانب الفلسطيني تحتكم للقرارات الدولية، فيما تسعى واشنطن إلى ضم دولٍ أخرى إلى هذا الملتقى الذي يحمل اسم النقب، وهي منطقة صحراوية شاسعة تعرّضت الأجزاء الأوسع منها للتدمير وتهجير أبنائها على يد العصابات الصهيونية في حرب عام 1948. ومن الواضح أن الجانب الإسرائيلي هو من اختار اسم النقب لهذا الإطار من التعاون، والذي ترعاه واشنطن، وهو اختيارٌ يحمل مدلولاتٍ سياسية، ويحيل إلى وقائع سابقة وراهنة، وإلى نهجٍ ثابت ومتواصل يتعلق بالنقب، وهي منطقة عربية فلسطينية خالصة، ظلّت على مدى التاريخ ملكاً لأبنائها العرب البدو. علماً أن المشكلة في هذه الاجتماعات لا تتعلق بعنوان هذا الملتقى فقط، بل بأغراضه الرامية إلى دمج اسرائيل في المنطقة مع تمسّكها بسياستها التوسعية والاستئصالية. ولإلقاء ضوء على وضع النقب، يستعرض هذا المقال ثلاثة تقارير:
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية، في مارس/ آذار 2008، تقريراً موسّعاً باللغة العربية بعنوان "إسرائيل خارج حدود الخريطة" عن أحوال منطقة النقب، شرح الأساليب التمييزية ضد السكان البدو الفلسطينيين، وهم السكان الأصليون للنقب، وكيف يتم انتزاع أراضيهم الشاسعة ابتداء من ادّعاء أن ذلك يتم لأغراض عسكرية، فيما يجري خلال ذلك منح هذه الأراضي لأفراد يهود إسرائيليين مع منح تسهيلات هؤلاء للزراعة، ومدّها بالماء والكهرباء تمهيداً للاستيطان فيها، ما يضطر السكان البدو للإقامة في تجمعات بائسة ببناء أكواخ فيها. وترفض السلطات منحهم الماء والكهرباء، بل إنها تهدم مبانيهم الهشّة، وتصف تجمعاتهم على أرض آبائهم وأجدادهم بانها قرى غير معترف بها، فيما تفسح المجال لمن يشاء من اليهود للإقامة ولإنشاء مزارع، إضافة إلى المزارع الجماعية ذات الصبغة العسكرية.
ويفيد التقرير بأن البدو الفلسطينيين، رغم أنهم في الأصل بدوٌ رُحّل، الأ أنهم استقرّوا في قرى خاصة بهم قبل 1948 (عام إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين)، وقد دمّر غالبيتها الجيش الاسرائيلي، وجرى على قدم وساق نزع أراضيهم وإقامة عشرات من التجمّعات الزراعية كيوبستات عليها، ويجري التخطيط لبناء مزيد من المزارع، برعاية السلطات وتمويلها، إلى جانب المزارع الفردية، والتي كانت تضم، حتى إعداد ذلك التقرير، 59 مزرعة لأشخاصٍ مع كامل الرعاية لهم ولمزارعهم المقامة على أرض أبناء النقب.
ويكشف التقرير الذي يعود إلى نحو 15 عاماً "أن انتهاك إسرائيل المنهجي لحقوق الأرض والسكن الخاصة بالبدو آخذ في التزايد. إذ تظهر من سجلات وزارة الداخلية أن عمليات الهدم التي نفذتها الحكومة في منطقة النقب تزايدت بمعدّل يفوق الضعف؛ من 143 عملية هدم في عام 2005 إلى 367 عملية هدم في عام 2006. وفي 8 مايو/ أيار 2007، أزالت السلطات الإسرائيلية 30 مبنى في قرية طويل أبو جرول غير المعترف بها، وهي آكبر عملية هدم حتى يومنا هذا، وسادس مرّة يتم فيها هدم بيوت من هذه القرية. وقد سلمت السلطات الإسرائيلية في بعض القرى إخطارات تحذير أو أوامر هدم لأحياء بالكامل، أو للقرية بالكامل" .
وتدّعي السلطات الرسمية أنها تنوي إسكان البدو في سبع بلدات جديدة. ويشرح تقرير المنظمة الحقوقية أن هذه البلدات غير جاهزة، ولا تضم أراضي كافية للزراعة، وأن فكرة البلدات هذه لا تشمل سكان 39 قرية غير معترف بها. والأهم، كما يقول التقرير، أن السلطات تشترط على من يرغب في الانتقال إلى البلدات الجديدة التنازل عن أراضي آبائهم وأجدادهم فيما يبلغ عدد سكان القرى المسلوبة الاعتراف 120 ألفاً (عام إعداد التقرير).
ويكشف تقرير نشره موقع عرب 1948 في فبراير/ شباط من عام 2022 بعنوان "إيال وايزمان... عن الصهيونيّة وأهالي النقب" إن "السلطات الاسرئيلية عملت على استغلال النقب حيِّزا للاستيطان الحربي، فقد أقامت فيه مجموعة من ثكنات الجيش، ومهابط الطائرات الحربيّة، ومعسكرات التدريب والمناورات الحربيّة، فضلًا عن مخازن الأسلحة، خصوصا بعد انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء مطلع الثمانينيّات، ونَقْلِ ثكناتها العسكريّة ومعدّاتها الحربيّة منها إلى النقب، ما برَّر للدولة العبريّة الاستمرار والتمادي في سياسة طرد عرب النقب من مواقع إقامتهم. كما حوّلت إسرائيل النقب إلى أكبر مخزن وأخطر مختبر لصناعتها العسكريّة – الكيميائيّة، أهمّها كان مفاعل ديمونة، الذي أُقيم في مطلع الستينيّات. واستخدمت إسرائيل النقب لدثْر القمامة والنفايات، حيث أقامت فيه أكبر مكبٍّ للنفايات في البلاد، من دون أي اكتراثٍ بخطورة هذه النفايات على صحة أبناء بدو النقب، وتبعاتها في تلويث البيئة والمناخ فيه. وكان أخطرها مكَبّ النفايات السامّة الذي أقامته الدولة سنة 1979 في جنوب مدينة بئر السبع، معتبرة إيّاها منطقة غير مأهولة، في إشارة إلى خلوّها من اليهود، لا العرب؛ حتّى صار النقب مدفنا للمواد المُشِعَّة، فضلًا عن خَزن المواد القابلة للاشتعال فيه". ويفيد التقرير بأنه، في مطلع العقد الأول من القرن الحالي، أُعطيت مليشيا الدورية الخضراء الضوء الأخضر من حكومة إسرائيل لاستخدام المبيدات السامّة ورشّها من الجوّ، عبر طائرات مخصّصة لذلك، وقد أدّت هذه المبيدات، التي كانت على درجة تركيز عالٍ، إلى إبادة مئات الدونمات الزراعيّة التي تعود ملكيّتها لأهالي "عبدة"، القرية غير المُعترَف بها. كما لم تتوانَ الدولة العبريّة عن إقامة أعتى سجونها الأمنيّة للمعتقَلين السياسيين في النقب، ويُطلق عليه اسم "كتسيعوت" أو سجن النقب الصحرواي، الذي يُعدّ أكبر مركز احتجاز في البلاد.
وفي تقرير ثالث لمركز مسارات، نُشر في مارس/ آذار 2022، بعنوان "النقب بين منظومة السيطرة الإسرائيلية ومقاومة المجتمع العربي"، يرد فيه أن الحكومة الاسرائيلية "تستمرّ في سياسة تفريغ القرى البدوية في النقب بالهدم والتجريف، بذريعة تشجير الأراضي وشق طريق سريع. وقد عانى النقب، منذ احتلال فلسطين في العام 1948، من سياسات السيطرة والتفريغ الإسرائيلية؛ إذ هُجِّرَ قرابة 80 ألف فلسطيني، وصُودِر حوالي 11 مليون دونم من أصل 12.5 مليون بموجب قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي. واستغلت إسرائيل الحروب التي خاضتها في الماضي، من أجل تفريغها من الشعب الأصلاني، وسنّت قوانين لتثبيت الفوقية اليهودية، عن طريق منع الفلسطيني من العودة إلى أرضه". .. ويُذكر هنا، عينةً على السلوك الاسرائيلي وعلى الصمود الأسطوري للسكان، أن السلطات هدمت، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قرية العراقيب في النقب مسلوبة الاعتراف، وذلك للمرة 210.
ذلك باقتضاب شديد وإجمالي حال النقب والسلوك الإسرائيلي حياله. ولذلك، فإن اختيار هذا الاسم للاجتماعات العربية الإسرائيلية لم يأت من فراغ، إذ يدلل على مآل التعاون الذي تهجس به دولة الاحتلال.
www.deyaralnagab.com
|