logo
"كَسْرِة بئر السبع".. النكبة مستمرة!!
بقلم : رأفت أبو عايش ... 19.05.2020

غيرت ليلة العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 1948 كل شيء، كل مُطلع أو ممن عايشوا زمن سقوط مدينة بئر السبع قد تسأله يجيب بأنه أصبح للمشهد عنوان "كُسرت بئر السبع"، ضاعت المدينة وسرقت ديرتها.
والمعنى الذي مثلته المدينة الحاضرة في قلب الصحراء لم يكن بسيطا، فقد أشار كل ما فيها إلى سيادة عرب النقب على أرضهم.
7 آلاف نسمة من العرب الفلسطينيين، بمسلميهم ومسيحييهم، سكنوا عاصمة النقب ثم تركوها مرغمين وهجروا، "لم نبقِ فيها أحدًا، حتى الطيور هاجرت"، حسبما جاء في شهادة قائد حملة (يوآف) العسكرية الصهيونية التي قامت باحتلال بئر السبع، يغئال ألون.
لم يفعل أي استعمار سابق لـ"ديرة بئر السبع"، كما يسمى النقب في الموروث الشعبي والذاكرة الشفوية لعرب النقب، ما فعلته العصابات الصهيونية. تعامل الانتداب البريطاني بندية مع عرب النقب، كما عرفت تركيا أن لا وجود لها في الصحراء دون إعطاء الحكم الذاتي لأهلها، لم تسلب الأرض أو يُهجّر البشر قبل "كَسرة بئر السبع".
سلبت الحاضنة والمدينة وسرقت المؤسسات بين ليلة وضحاها، ولكن هل توقفت النكبة عند إفراغ المباني وقتل وتهجير أهلها؟
معظم من يطرح سؤال النكبة في النقب، يتلقى إجابة لها خصوصية ترتبط بالديرة، الـ"كَسرة" للمدينة التي رآها أهل الصحراء عصية وأكبر من أسقف خيام العرب مجتمعة حطمت الروح المعنوية، وقطعت الأنفاس لمن ارتبطت تفاصيل موروثهم الجماعي مثلهم كمثل سائر شعبهم الفلسطيني بالأرض، دائمًا كانت الأرض.
*سقوط المدينة وسلب الأرض
لم يكن سقوط بئر السبع نهاية لشيء، بل كان البداية فمنه بدأت النكبة في النقب، ويرى أهله أنها لم تتوقف حتى اليوم.
عدد من شيوخ بئر السبع عام 1933
الـ"ديرة" المفازة التي ملك العرب كامل ترابها وزرعها وحيواناتها، تلاشت شيئًا فشيئًا بعد سن قانون "أملاك الغائبين" في العشرين من آذار/ مارس 1950، سبقه تهجير قرابة 95 ألف عربي، أكثر من 90% من سكان النقب طردوا من أرضهم.
في شهادتها عن التهجير، والتي قدمتها الثمانينية الحاجة بسمة الصانع، المهجرة من منطقة وادي الشريعة في النقب، لـ"غراس- رابطة الطلاب الأكاديميين في اللقية"، سردت الصانع تفاصيل التهجير من الشريعة، وقالت: "سكنا وادي الشريعة، عائلات وعشائر كثيرة طول حياتنا، كنا نزرع وادي الشريعة الأخضر بالحبوب والقمح ونحصدها، ونعيش بأمان معًا. الجميع كان يعرف وادي الشريعة، ولم يرد أحد مغادرته حتى جاءت إسرائيل، هددونا وأرادوا أن نرحل من الشريعة، ولم يقبل أحد بالرحيل، فبدأوا بإطلاق النار وصنع الكمائن للقادمين والخارجين والقتل وحرق الخيام، أطلقوا النار كثيرًا، وضيقوا على الناس كثيرًا، وطالبوا أن نرحل إلى الأردن".
وأضافت: "حمل الناس حصادهم، مؤنتهم وخيامهم، واستقروا على الحدود مع الأردن حتى يسلموا من اليهود. الأردن لم تقبل بأن ندخل إليها فرحلنا إلى قرية اللقية، ولكن الجيش لحق بنا وأعاد إطلاق النار والتضييق علينا لكي نرحل، حتى طردنا إلى تل عراد، وبقينا هناك وأحبتنا الأرض فحصد الناس وزرعوا وارتاحوا قليلًا، ولكن الحاكم العسكري لم يتوقف عن التضييق. الحمد لله لكم يرحل أحد وعدنا إلى اللقية بعدها وليس إلى الشريعة".
*النكبة لم تتوقف أبدًا
قصص التهجير التي انطبعت في ذاكرة قرابة 13 ألف عربي ممن استطاعوا البقاء في أرضهم، معظمهم تحولوا إلى مهجرين داخليين طردوا من أرضهم إلى داخل السجن الأكبر، وهو ما سمي في حينه منطقة "السياج"، وبقي الاسم حاضرًا لغاية اليوم. حُبس الناس في أقل من 4.5% من مساحة النقب الفلسطيني بسيطرة الحكم العسكري، الوضع الأسوأ حضورًا في الذاكرة الجماعية بعد "كسرة بئر السبع" لعرب النقب، وما زال عرب النقب يقارعون المخططات الإسرائيلية لسلب القليل الباقي (مخزون الأرض الأخير للعرب في الداخل الفلسطيني)، لغاية اليوم.
ركام بيوت عربية مهدومة بالنقب
كأن النكبة لم تتوقف أبدًا، جملة قالها الأستاذ محمد أبو جابر، وهو أسير محرر من قرية اللقية ومرب فُصل من سلك التعليم الإسرائيلي عام 1985 بسبب آرائه السياسية، خلال حديثه لـ"عرب 48" عن النكبة المستمرة في أرض النقب ومحاولات السلب الإسرائيلية الدائمة لها.
*تعددت المسميات والحكم العسكري واحد
وقف المربي محمد أبو جابر أمام بيت لعائلة عربية في جبال قرية اللقية، هُجّر أصحابه إبان نكبة فلسطين وبقي شاهدًا على نكبة لم يكفها التوثيق حقها في النقب، وبقيت معظم أحداثها ذكريات تتناقلها الروايات الشفوية إذا خرجت من أفواه كبار السن ومن عايشوا كَسرة بئر السبع وما زالوا يستطيعون الحديث عنها.
قرية مهجرة في النقب
وعن النكبة المستمرة في النقب، قال أبو جابر لـ"عرب 48" إن "أكثر ما نخاف منه، نحن كبار السن، هو أن لا يقوم الشباب بدوره في حفظ الهوية ونقل حقيقة معاناة شعبنا الفلسطيني للأجيال الصاعدة. الحقيقة لم تنتقل بالسلاسة المفترضة، والاحتلال لم يرفع القبضة العسكرية عن النقب يومًا، ولا أعتقد أنه سيفعل حتى إذا سلب آخر جزء من الأرض".
وشدد على أن "القضية في النقب واضحة فلطالما كان الهدف الإسرائيلي سلب الأرض، والأسلوب المتبع دائمًا كان التخويف والقوة وما زال مستمرًا، ولو غيروا ألوانه وأحيانًا لا يغيرون شيئًا بل يتفاخرون بما فعلوا ويثبتونه. استمرت مخططات مؤسسة الحاكم العسكري بترحيل وهدم بيوت، ولكن على هيئة سلطة خاصة، مسؤولة عن كل ما يتعلق بقضايا الأرض، تحدد للناس مصائرهم، وتحرث محاصيلهم الزراعية وتختار لهم شكل حياتهم تسمى ‘سلطة تطوير النقب’ وهي تملك ذراعًا للتنفيذ عبارة عن وحدة شرطة مسؤولة فقط عن هدم البيوت في النقب، تسمى وحدة (يوآف) على اسم الحملة العسكرية التي احتلت النقب، فهم لم يوقفوا الحرب على النقب منذ النكبة".
خربة زعق المهجرة بالنقب
*تركيز العرب على أقل مساحة من الأرض
منذ إسقاط "مخطط برافر" الاقتلاعي في العام 2013 بالنضال الشعبي، تمارس إسرائيل التهجير الصامت لعرب النقب، تفرض الغرامات وتضيق العيش وتهدم المنازل.
هدمت إسرائيل 2,775 منزلا في العام 2018 وحده، إلى جانب مخطّطات سلب الأراضي من قبل ما تسمى "سلطة تطوير النقب" ووزارة الزراعة الإسرائيلية و"دائرة أراضي إسرائيل".
كما وضعت السلطات الإسرائيلية 7 مخططات ضخمة، تهدف في محصّلتها إلى مصادرة أكثر من 400 ألف دونم من الأرض العربية، بالإضافة إلى مخطّطات أخرى أصغر حجمًا، تهدف لخلق خارطة جديدة للحضور العربي في النقب وتركيز العرب على أقل مساحة من الأرض.

*المصدر : عرب 48

www.deyaralnagab.com