صحافة : “نيويورك تايمز”: حفتر يحاول توطيد ديكتاتوريته بالسيطرة على إدارة أزمة ما بعد الإعصار !!
20.09.2023
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً أعدّه مراسلها بن هبارد قال فيه إن سيطرة أمير الحرب الليبي على جهود الرد بعد الفيضان المدمر، الأسبوع الماضي، قد تكون فرصة له لكي يعزز من موقعه في الشرق الليبي، مركز إعصار دانيال والكارثة التي تسبب بها، إلى جانب أنه يسيطر على المنشآت النفطية.
وأضاف بن هبارد أنه، بعد أيام من انهمار الأمطار الغزيرة، التي أدت إلى انهيار سدّين، وتدفق المياه التي جرفت أجزاءً كبيرة من مدينة درنة وآلافاً من سكانها للبحر، جاء الرجل العسكري القوي إلى المدينة في زيارة خاطفة. وصافح خليفة حفتر، 79 عاماً، القائد العسكري السابق الذين انشقّ عن معمر القذافي، وظلّ رصيداً مهماً لـ “سي آي إيه”، ولمدة طويلة، الجنودَ، وركب السيارة التي قادته بجولة سريعة بشوارع درنة الموحلة ثم طار بالمروحية.
منحَ حفتر أبناءه أدواراً مهمة في بنية السلطة، أحدهم، الصديق، الذي يقدّم نفسه كسياسي، وهناك صدام الذي يقود ميليشيا قوية، ويشرف على عمليات الإغاثة.
وقال بن هبارد إن الكارثة التي ضربت درنة، في 11 أيلول/سبتمبر، أدت إلى إثارة الانتباه الدولي لحفتر، وما يطلق عليه الجيش الوطني الليبي، الذي يسيطر على الشرق في ليبيا المقسمة وبيد من حديد.
وبعد أكثر من أسبوع على الكارثة، تحولت جهود الإنقاذ إلى العمل الطويل والمكلف للعناية بالمشردين ومساعدة المدينة للتعافي، فقد أكد حفتر أنه سيكون الحكم الأول والنهائي في عمليات الإغاثة بالبلد الغني بالنفط. كل هذا، جعل الذين يراقبون حفتر، ومنهم الذين قضوا وقتاً معه، في حالة عصبية. فهو يشرف على ديكتاتورية عسكرية فعلية تتنافس على السلطة مع الحكومة المعترف بها دولياً في منطقة الغرب، ومركزها العاصمة طرابلس. وأثرى نفسه وأبناءه، في وقت فشل فيه بتقديم الخدمات الأساسية، وصيانة البنية التحتية، مثل السدّين اللذين انهارا، الأسبوع الماضي، وذلك حسب محللين ودبلوماسيين. واتهمت منظمات حقوق إنسان جماعته بارتكاب أخطر الانتهاكات التي قد تصل إلى جرائم حرب. وهدفه النهائي هو حكم ليبيا، لدرجة أنه قام بشن هجوم عسكري للسيطرة على العاصمة، في وقت كانت تحضر فيه الأمم المتحدة لعقد محادثات سلام بين الأطراف المتحاربة. ومنذ كارثة الأسبوع الماضي، حاول حفتر تقديم نفسه بصورة المُحسن.
ولخص طارق المجريسي، الزميل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الرسائل الصادرة من حفتر: “أنا المُخَلّص، ويجب ألا أُلام على ما حدث”، مضيفاً أنه “هيمنَ على عمليات الرد، حيث تم نشر العسكر في كل مكان بدرنة، ليظهر بمظهر من يقوم بتأمين المدينة”. ومنح حفتر أبناءه أدواراً مهمة في بنية السلطة، أحدهم، الصديق، يقدّم نفسه كسياسي، وهناك صدام الذي يقود ميليشيا قوية تابعة لحفتر، ويشرف على عمليات الإغاثة في درنة.
وفي الأيام الأخيرة، منعت هذه القوات الصحافيين الأجانب من دخول شرق ليبيا، بغرض تغطية الأزمة، وحدّت من حركة الصحافيين الذين دخلوا إلى هناك. وأقيمت نقاط التفتيش على مداخل المدينة. وفي يوم الثلاثاء، قال المتحدث باسم فريق الأمم المتحدة إنه لم يسمح لهم بالسفر إلى درنة، مع أن هناك فِرقاً أخرى لا تزال عاملة هناك. ما عقّد جهود الإغاثة، وفي ظل تاريخ من العلاقة المعقدة، أو الدم الفاسد بين حفتر ودرنة.
فبعد هزيمة فصيل إسلامي فرعاً لتنظيم “الدولة الإسلامية” بدرنة، عام 2015، قاوم أفرادُ الفصيل الإسلامي جهود حفتر للسيطرة على المدينة. وبعد معركة طويلة سيطرَ “الجيش الوطني الليبي” عليها، عام 2018. ولم يفعل حفتر إلا القليل ليصلح الضرر الذي خلّفتْه المعركة الطويلة على المدينة، ومنعَ الانتخابات المحلية، وعيّن عمدة للمدينة من أقارب عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق في شرق البلاد والمنافس لطرابلس.
لم يفعل حفتر إلا القليل ليصلح الضرر الذي خلّفتْه المعركة الطويلة على المدينة، ومنعَ الانتخابات المحلية، وعيّن عمدة للمدينة من أقارب عقيلة صالح.
وشهدت المدينة المدمرة احتجاجات، يوم الثلاثاء، وطالبَ المتظاهرون بعزل صالح من عمله في إدارة فشلت في حمايتهم. ولم يهتفوا ضد حفتر، وعلينا الانتظار لنرى إن كانت الأزمة في درنة ستهزّ إدارته. وقال دبلوماسي عملَ في ليبيا إن حفتر في وضع جيد للاستفادة من الكارثة، فهو يشرف على بنية واسعة تستطيع السيطرة على عملية الإغاثة. وربما قوّت (الكارثة) علاقاته مع منظمات الإغاثة الدولية، ومكّنت من سيطرته، حسبما قال الدبلوماسي الذي رفض الكشف عن هويته.
وخلال مسيرته العسكرية والسياسية، نجا من تحديات عدة، فقد كان مرشحاً شاباً عندما سيطَرَ معمر القذافي على السلطة، عام 1969، لكنه اختلف مع رفيقه وهرب إلى أمريكا، حيث عاش في فيرجينيا، مدة عقدين، وكان رصيداً مهماً لـ “السي آي إيه”. وحاول خلال هذه الفترة الإطاحة بالقذافي بدون نجاح. ثم عاد إلى ليبيا بعد اندلاع الربيع العربي، وتدخَّلَ الناتو للإطاحة بالقذافي، ومساعدة الثوار. وفي السنوات التي تبعت الثورة، منحت الحرب الأهلية، في 2014، حفتر فرصة للسيطرة على شرق ليبيا. وحَظِيَ بمستويات مختلفة من دعم الأردن ومصر وروسيا والإمارات العربية، باعتباره في موقع جيد لتحقيق الاستقرار، وملاحقة المتطرفين والإسلام السياسي. لكن جهوده لتوسيع سلطته اتّسمت بالوحشية، واتهمته منظمات حقوق الإنسان بتعذيب أعدائه وقتلهم خارج القانون، وترويع المدنيين الذين شكّ بعدم ولائهم.
ونظر إلى إدارته في الشرق على أنها مهتمة بجني المنافع له ولمحاسيبه. ويقول ولفرام لاتشر، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: “هي إدارة تركّز أولاً وأخيراً على السيطرة على المناطق والقمع”، وهي “أيضاً إدارة تحاول الحصول على أكبر قدر من المصادر من هذه المناطق”.
ويضيف لاتشر أن قوات حفتر أثرت نفسها من تهريب المخدرات والبشر، وتفكيك البنى التحتية لبيعها في الخردة، إلى جانب الحصة التي يحصل عليها حفتر من الموارد النفطية.
**الصحيفة: طالبَ المتظاهرون بعزل صالح من عمله في إدارة فشلت في حمايتهم، لكنهم لم يهتفوا ضد حفتر،.. علينا الانتظار لنرى إن كانت الأزمة ستهزّ إدارته.
وذكر المحلّلون، منذ الكارثة، أن حفتر منح الأولوية للسلطة على حساب الحكم، وهو ما تسبّب بانهيار السدّين المتهالكين، رغم تحذيرات الخبراء مقدماً، وضرورة صيانتهما وإصلاحهما. ويقول تيم إيتون، الباحث في تشاتام هاوس: “السبب الذي وصلنا فيه إلى هذه المرحلة هو عدم وجود حكومة فاعلة في ليبيا، ومنذ وقت طويل، وعليه فإن الأموال التي كانت ستنفق على الحكم أُنفقت على الجيش الوطني الليبي”.
ويقول بن هبارد إن وضعية أمير الحرب لم تحوّل حفتر لمنبوذ دولي، فقد حظي بدعم عسكري من روسيا والإمارات ومصر، واستقبله المسؤولون الغربيون، ما أغضب الليبيين الذين رأوا بالاحتفاء به تمكيناً لسياسيين فاسدين وغير منتخبين. واستقبلَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حفتر، عام 2020، للتباحث معه بشأن وقف إطلاق للنار، وكذا التقى مدير المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز مع حفتر في بنغازي، بكانون الثاني/يناير من هذا العام.
ويقول محللون إن المسؤولين الغربيين لا أوهام لديهم بشأن أمير الحرب، لكنهم يعتقدون أنه محاوِرٌ مهم في بلد فوضوي، وخاصة في قضايا الإرهاب والنفط وتصديره، وجهود منع الهجرة غير الشرعية. ويعلق لاتشر: “ليسوا مقتنعين بأن البديل سيكون أفضل، وهو يقدم شيئاً معروفاً من خلال سيطرته على عناصر في الشرق الليبي”.
وحاول حفتر الاستفادة من موضوعات تهمّ الغرب لتوطيد سلطته، ففي الفترة الأخيرة زادت أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين غادروا من الشرق الليبي نحو أوروبا، وهي ظاهرة لم تكن لتحدث بدون تورط قواته. وسافر حفتر، في أيار/مايو، إلى روما، واجتمع مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وكان البند الأول على جدول المباحثات تقييد الهجرة من ليبيا إلى أوروبا.
www.deyaralnagab.com
|