logo
1 2 3 41058
صحافة : "نيويورك تايمز”: وفاة فنان معروف كشفت أزمة تلوّث العَرَق المصنّع محلياً والخمر المهرب إلى إيران!!
17.07.2023

أدى منع إيران للكحول، تعاطيه، وبيعه، إلى ازدهار تجارة تهريبه، لكن الخمر المهرَّب أدى إلى وفيات وإصابات اقتضت علاجاً في المستشفيات، وأجبر المسؤولين على الاعتراف بحجم المشكلة.
في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، وأعدّته فرناز فصحي وليلي نيكونزار جاء أن فناناً استقبل أصدقاءه في شقته بطهران، وقدم لهم، كما هي العادة، زجاجة من العرق المصنع محلياً من الزبيب حصل عليه من تاجر يثق به. ولم يشرب أيٌّ من ضيوفه ولا صديقته في تلك الليلة، ولكنه رفع كأس النخب لهم.
أثارت وفاة حسن زادة من مشروب غير ضار غضبَ الكثير من الإيرانيين، الذين وجدوا طرقاً للتحايل على منع الكحول، والذي يعاقب عليه بـ 80 جلدة وغرامة.
وبعد ساعات، شعر الفنان خسرو حسن زادة بغبش قي نظره، وبحلول نهار اليوم التالي ذهب بصره، وأصبح مهلوساً، وشعرَ بضيق في التنفس، مما اقتضى نقله حالاً إلى المستشفى، حيث شخص الأطباء حالته بأنها تسمم الميثانول في العرق، حسب صديقته شهرزاد أفرشته. دخل حسن زاده في الغيبوبة، وبعد أسبوعين مات في 2 تموز/يوليو.
أثارت وفاة حسن زادة من مشروب غير ضار غضبَ الكثير من الإيرانيين، الذين وجدوا طرقاً للتحايل على منع الجمهورية الإسلامية لتناول الكحول وبيعه، والذي يعاقب عليه بـ 80 جلدة وغرامة.
وبدلاً من التوقف عن الشراب، فقد أدى المنع الطويل إلى ازدهار في سوق تهريب خطير. وانتشرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة موجة من التسمّم بسبب الخمر في كل أنحاء إيران، سواء في المدن الصغيرة أو الكبيرة، حيث سجلت في اليوم حوالي 10 حالات تسمم من الوفيات، أو العلاج في المستشفيات، حسب الأرقام الرسمية والتقارير الإخبارية. والسبب الرئيسي للوفاة هو الميثانول، الذي يوجد في الخمر المقطَّر في البيوت أو الماركات المزيفة، والتي تنتشر بشكل واسع في البلاد، بحسب تقارير صحافية وإيرانيين يشربون، يبيعون ويصنّعون الكحول.
بالنسبة للكثير من الإيرانيين، فإن الوفيات هي صورة عن الطريقة التي تتدخل فيها الجمهورية الإسلامية، وتقمع حرية الإيرانيين الشخصية.
وقال ناصر تيفنموربور، زميل الفنان: “لقد أخذ منّا خسروا نظراً لغياب الحرية الشخصية، إنكم أنتم من أخذتم خسروا منّا”، أي الحكومة، كما جاء في تغريدة على تويتر.
وتعاني إيران من عامِ تظاهرات اندلعت بسبب وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) عندما اعتقلتها شرطة الأخلاق لأنها لم تلتزم بالحجاب، وبات الكثير من النساء الإيرانيات يتحدّين المنع، ويظهرن شعرهن في العلن.
كان حسن زادة معروفاً في الأوساط الفنية الإيرانية، نظراً لمساره؛ من بائع فاكهة في حيّ للطبقة العاملة إلى فنان معروف في الداخل والخارج، عرضت أعماله في المتحف البريطاني، وبيعت في مزادات كريستي وسوذبي.
يجمع فنّه ما بين الرسم والخط الفارسي والتصوير، وأظهر حياة الإيرانيين العامة وكفاحهم اليوم. ضمّت موضوعاته الطقوس الدينية وكدمات الحرب واحترام الرموز الدينية والثقافة الاستهلاكية والثقافة الشعبية/ بوب. وقالت صديقته إن “خسرو قضى معظم حياته ليحافظ في فنه على قيم معينة، طقوس وحياة الناس العاديين. وشرب العرق هو جزء من الحياة الاجتماعية هنا”، مضيفة: “يبدو أنه قتل وهو يمارس عمله الفني، ولا تستطيع الشراب الآن في إيران بدون خوف”.
عندما وصل حكام إيران الحاليون إلى الحكم، عام 1979، حرموا الشراب، بناءً على الشريعة الإسلامية، واستثنوا الأقليات غير المسلمة، وعبر عقود ظهرت تقارير عن تلوث العرق بالميثانول، لكن ليس على القاعدة الحالية.
بالنسبة للكثير من الإيرانيين، فإن الوفيات هي صورة عن الطريقة التي تتدخل فيها الجمهورية الإسلامية، وتقمع حرية الإيرانيين الشخصية.
وبات المسؤولون يعترفون بحجم المشكلة، وأنها زادت، وقال مسؤول الطب الشرعي في طهران مهدي فورزيش، بمؤتمر صحافي عقده نهاية حزيران/ يونيو، إن عدد الذي دخلوا المستشفى بسبب التسمم من العرق، والموتى، ارتفع بشكل حاد. وزادت النسبة في طهران وحدها إلى 36.8%، منذ بداية آذار/مارس. وسجلت في الفترة ما بين أيار/ مايو و 3 تموز/يوليو 309 حالات تسمم اقتضت العلاج في المستشفى، ووفاة 31 شخصاً. وربما كان العدد أعلى، لأن هناك العديد من الحالات التي لم يبلغ عنها، خوفاً من العقاب بتهمة خرق القانون. وفي الشهر الماضي، قال عباس مسجدي، من منظمة التشخيص العلاجي، إن 644 شخصاً ماتوا عام 2022 بسبب تسمم الميثانول، بزيادة نسبة 30% عن العام الذي سبقه، وفقد عدد من الضحايا بصرهم بشكل دائم.
ولا يعرف سبب زيادة حالات الإصابة بتسمم الميثانول، وقال بائع خمور: “لا أصدق أن التجار قرروا فجأة قتل زبائنهم في الوقت نفسه”، مضيفاً أن بيع الخمور وتصنيعها محلياً تظل أموراً خطيرة في إيران، و”لا أحد يريد التسبّب بأذى لعملائه وتجارته”، ويواجه أي تاجر بالممنوعات من الكحول، لو ضبط، السجن ومصادرة سلعه أو تدميرها. ونسبت السلطات الزيادة الحالية إلى عدة أسباب، منها استخدام مواد كحولية عالية في الشراب وعدم إتقان الإنتاج، وجشع المنتجين، وعدم الالتزام بمعايير السلامة لتحقيق الأرباح.
وهناك الكثير من الإيرانيين يحبون الشراب، ولا يمكن إقناعهم بالتخلي عن عادة متجذّرة بالثقافة الفارسية. ويتم تداول زجاجات الخمور المصنع محلياً، والمهرب، في الحفلات والأعراس واللقاءات الاجتماعية. وفي بعض المطاعم الراقية يقدم الخمر سراً في أباريق الشاي.
تقول نينا (39 عاماً) إن “الشراب أصبح شكلاً للهروب من الظروف الصعبة، وطريقة لكي نمارس الفرح”، قائلة إن أزمة تلوث الخمر تستدعي رقابة مناسبة، مع أنها لا تأمل بتغير بمسار الحكومة.
وبدأ بعض الإيرانيين بصناعة الخمر ببيوتهم، ويقول مصطفى (34 عاماً) إنه علّم نفسه كيفية تخمير الكحول عبر متابعة أشرطة الفيديو على الإنترنت، ولخوفه من شراء الخمور المهربة. واشترى آلة تستخدم لتقطير ماء الورد واستخدم مطبخ صديق فارغ، وبدأ بصناعة العرق.
اكتشفت الشرطة مصانع تقطير الخمر في عيادة بيطرة، وكوخ على جانب الطريق، ومصنع عطور، ومخازن فارغة. وتقتضي صناعة العرق عمليات سرية، والاعتماد على جامعي النفايات للبحث عن علب الفودكا والويسكي لكي تملأ بالعرق المصنّع محلياً.
أدى المنع الطويل إلى ازدهار في سوق تهريب خطير. وانتشرت موجة من التسمّم بسبب الخمر في كل أنحاء إيران.
ويقول الخبراء إن المستهلك لا يمكنه اكتشاف الميثانول القاتل، نظراً لعدم وجود رائحة أو طعم في الشراب. ولكن عملية تقطير العرق في البيوت تزيد من احتمالات التسمم، وبخاصة لو لم تتم عملية التخمير بطريقة جيدة.
وفي ظل المخاوف، هناك إيرانيون لم يعبّروا عن اهتمام، فيما فضّل آخرون نوعاً من الخمر على الآخر. لكن النتائج قد تكون خطيرة، ففي حفلة العام الجديد، شربَ رجلٌ من تبريز، اسمه مجيد (49 عاماً) ويسكي اعتقدَ أنها مهربة، وفي غضون دقائق أخذ يشتكي من الألم، ومات بعد عدة أيام،
وآخر فقدَ بصره بشكل دائم إثر شربه عرقاً مصنّعاً محلياً.
لم يكن الفنان حسن زادة يثق بالخمر المهرّب، وفضّل العرق المحلي، معتمداً على تاجر يثق به، وحاول أصدقاء الفنان الاتصال به لكنه لم يرد، ورآه البعض (التاجر) في جنازة حسن زادة.


www.deyaralnagab.com