logo
1 2 3 41058
مجلة فرنسية: “حميدتي”.. أمير الحرب الذي أنشأ قوة شبه عسكرية أقوى من الدولة في السودان!!
25.04.2023

نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية مقالا تحليليا لأليكس دي وال، وهو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، وأستاذ أبحاث في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، جاء فيه أن التوترات الحاصلة في السودان تعود إلى الخلاف حول دمج المجموعة شبه العسكرية التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، في الجيش السوداني. وهو شرط أساسي لاتفاقية انتقالية لم يتم توقيعها مطلقا، ولكن التزم بها الطرفان منذ عام 2021.
قوات الدعم السريع يقودها عرب دارفور المعروفون باسم الجنجويد. يشير هذا المصطلح إلى الجماعات المسلحة من العرب في دارفور وكردفان في غرب السودان. نشأوا من أقصى الغرب من أطراف البلاد، وأصبحوا في غضون عقد من الزمن القوة المهيمنة في الخرطوم. فبات حميدتي وجه الساحة السياسية العنيفة في السودان.
أضاف الكاتب أن مهنة حميدتي هي درس في ريادة الأعمال السياسية قدمه متخصص في العنف. يعتبر سلوكه وإفلاته من العقاب (حتى الآن) من المؤشرات الأكيدة على أن سياسات المرتزقة التي لطالما حددت الأطراف السودانية قد أعيدت إلى العاصمة الخرطوم.
وأشار إلى أن حميدتي ينحدر من أبعد ضواحي السودان، وهو غريب عن المؤسسة السياسية في الخرطوم. جده، دقلو، كان زعيم عشيرة كانت تجوب مراعي تشاد ودارفور. أصبح شباب هذه المجموعة من رعاة الإبل الذين لا يملكون أرضا والمهمشين، جزءا مركزيا من الميليشيا العربية التي قادت مكافحة التمرد من الخرطوم إلى دارفور منذ عام 2003.
مُنح حميدتي لقب “جنرال” بسبب مهاراته كقائد لواء الجنجويد في جنوب دارفور في ذروة الحرب من 2003-2005. بعد سنوات قليلة، انضم إلى تمرد ضد الحكومة، وتوسط في تحالف مع متمردي دارفور، وهدد باقتحام مدينة نيالا التي تسيطر عليها الحكومة. بسرعة كبيرة، توصل حميدتي إلى اتفاق مع الحكومة، تعهدت الخرطوم بموجبه بتسوية الرواتب المتأخرة لجنوده وتعويض الجرحى وعائلات القتلى، وتمت ترقيته إلى رتبة جنرال وتلقى مبلغا كبيرا من المال.
بعد عودته إلى سوق العمل في الخرطوم، أثبت حميدتي ولاءه، وأبدى الرئيس السابق عمر البشير، إعجابه به، ويبدو أحيانا أنه يعامله مثل الابن الذي لم ينجبه من قبل. لكن في الأيام التي أعقبت الإطاحة بالبشير، اعتمد بعض المتظاهرين الشباب المؤيدين للديمقراطية في الشوارع المحيطة بوزارة الدفاع، حميدتي كوجه جديد للجيش.
وتابع الكاتب أن حميدتي عرف كيف يستخدم فطنة عمله وبراعته العسكرية لجعل ميليشياته أكثر قوة من الدولة السودانية المتدهورة، موضحاً أن البشير شكّل قوات الدعم السريع كوحدة منفصلة في عام 2013، في البداية لمحاربة الجيش الشعبي لتحرير السودان -متمردي الشمال في جبال النوبة. لم تحقق هذه القوات نجاحاً كبيراً في البداية، ولكن مع وجود أسطول من شاحنات ”البيك أب” الجديدة المزودة بمدافع رشاشة ثقيلة، سرعان ما أصبحت قوة لا يستهان بها، حيث خاضت معركة رئيسية ضد المتمردين في دارفور في أبريل 2015.
بعد التدخل العسكري السعودي الإماراتي في مارس 2015 في اليمن، توصل السودان إلى اتفاق مع الرياض لنشر قوات سودانية هناك. كان أحد قادة العملية هو اللواء عبد الفتاح البرهان، الذي ترأس المجلس العسكري الانتقالي منذ عام 2019. لكن معظم المقاتلين كانوا من عناصر قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي. وقد جلب ذلك المال مباشرة إلى حميدتي. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، سيطرت قوات حميدتي على مناجم الذهب في جبل عامر في دارفور، أكبر مصدر للصادرات في السودان. جاء ذلك بعد هزيمة منافسه الكبير موسى هلال، الذي كان قد تمرد على البشير.
وهكذا، حصل حميدتي على أكثر مصدرين ربحا للنقد الأجنبي في البلاد، كما توضح “لوبوان”، مضيفة أن الأخير يتبنى نموذج مرتزقة الدولة المألوف لمن يتبعون سياسة الصحراء. استعان رئيس تشاد الراحل، إدريس ديبي، بقواته الخاصة لعمليات مكافحة التمرد. ويمكن أن نرى قوات الدعم السريع منتشرة في ليبيا.
ولكن هناك أيضا وجه آخر للعملة. فجميع قادة السودان، باستثناء واحد ملحوظ، ينحدرون من قلب الخرطوم والمدن المجاورة على النيل. الاستثناء هو خليفة عبد الله “التعايشي” وهو عربي من دارفور. وفّرت جيوشه غالبية القوات التي احتلت الخرطوم عام 1885. وتتذكر النخب المحلية حكم خليفة (1885-1898) باعتباره طغيانا، وهناك حالة رعب من عودة هذا الطغيان.حميدتي هو وجه هذا الكابوس، كما يقول الكاتب، فهو أول زعيم غير مؤسسي في السودان منذ 120 عاما. على الرغم من المظالم ضد الجماعات شبه العسكرية التابعة لحميدتي، إلا أنه ما يزال يُنظر إليه على أنه دارفوري وغريب عن المؤسسة السودانية.
عندما بث النظام السوداني رياح الجنجويد في دارفور عام 2003، لم يكن يتوقع أن يجني العاصفة في عاصمته. في الواقع، تم زرع البذور قبل ذلك بكثير. كانت الحكومات السابقة قد تبنت إستراتيجية حرب في جنوب السودان وجنوب كردفان من خلال تأليب السكان المحليين ضد بعضهم البعض. وفضّلت هذه الاستراتيجية على إرسال وحدات من الجيش النظامي لأنها كانت مسألة عدم تعريض هذه الأخيرة للخطر.حميدتي هو تلك العاصفة، لكن صعودها يعد أيضا بشكل غير مباشر، انتقاما لهامش تاريخي. مأساة السودانيين المهمشين هي أن الرجل الذي يقدم نفسه على أنه بطلهم هو الزعيم القاسي لفرقة بدوية عرف كيف يستفيد استفادة كاملة من الصراعات العسكرية التي تمزق البلاد.


www.deyaralnagab.com