logo
1 2 3 41055
صحافة : إيكونوميست: أين تنفق دول الخليج الثروات الجديدة من النفط؟!
10.04.2023

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا رصدت فيه التحولات في تعامل الدول المنتجة للنفط، خاصة في الخليج، مع الثروة الناتجة عن زيادة أسعاره، وتساءلت عن كيفية استخدام مئات مليارات الدولارات من الثروات النفطية وكيف تنفق؟
وأشارت المجلة إلى محاولات دول الخليج الغنية البحث عن الخبراء المهمين في السوق المالي الأوروبي، واستئجارهم للعمل لديها. ففي الماضي، كانت العاصمة القطرية الدوحة صعبة للتسويق، إلا أن المناصب المعروضة مغرية بدرجة تدفع البعض إلى السفر ورؤية مقرات العمل في “رحلات عمل”.
وفي تشرين الثاني/ أكتوبر، استطاعت أبو ظبي اصطياد الرجل الثاني في شركة أموندي، أكبر شركة أوروبية لإدارة الأموال، من أجل العمل في سلطة أبو ظبي للاستثمار، والتي تشرف على تريليون دولار، وكذلك هيئة الاستثمار القطرية، وهيئة الاستثمار السعودي، وهما تديران تريليون دولار أيضا.
في الماضي، كانت العاصمة القطرية الدوحة صعبة للتسويق، إلا أن المناصب المعروضة الآن مغرية بدرجة تدفع البعض إلى السفر ورؤية مقرات العمل في “رحلات عمل”.
فالحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا رفعت من أسعار النفط والغاز بشكل جعل المصدّرين عائمين على بحر من الأموال. ففي أثناء الطفرات النفطية السابقة، كانت دول الخليج تعيد تدوير الموارد في أسواق العواصم الغربية، والاستحواذ على أصول عبر المصارف الموجودة في الخارج. وخلف هذا، كان الاتفاق الذي يعرض فيه الأمريكيون الدعم العسكري وشراء البترول من السعودية وأصدقائها، مقابل التعهد بسد العجز المالي الهائل للعم سام بدولارات النفط.
ومن هنا، فالتنافس على تصيّد المواهب يعطي فكرة أن الصفقة السابقة قد تداعت، فالعم سام الذي أصبح من أهم منتجي النفط، بات الشريك الأقل يقظة. فدول الخليج الحريصة على كسب الأسواق الآسيوية والراغبة بفتح علاقات مع إسرائيل وإصلاحها مع إيران، لم تعد مجبرة للتودد إلى البيت الأبيض.
وفي الثاني من نيسان/ أبريل، أغضبت السعودية وحلفاوها، أمريكا بزيادة تخفيض معدلات النفط الخام إلى حوالي 4 ملايين برميل في اليوم، أي ما يعادل 4% من معدل الإنتاج العالمي، بشكل رفع أسعار النفط، ومن ناحية أخرى، تشعر دول النفط بالحرية لاستخدام جبال المال التي لديها بالطريقة التي تريدها. وتقدر المجلة أن فائض الحساب الجاري لدول الخليج سيصل في 2022- 2023 إلى ثلثي تريليون دولار. إلا أنه خارج المصارف المركزية التي لم تعد تخزن معظم المال، فكنوز المنطقة المعروفة غامضة.
ومن أجل معرفة أين تذهب الأموال بالضبط، قامت مجلة “إيكونوميست” بالتدقيق في حسابات الحكومات وأصولها حول العالم والصفقات التي تعقد للاستثمار. ويشير بحث المجلة إلى أن قلة من المال، أو عائدات النفط، يتدفق نحو الغرب ويستخدم جزء منه لدعم أهداف سياسية في الداخل والحصول على التأثير في الخارج.
ودول الخليج ليست الوحيدة التي شهدت مكاسب غير متوقعة، فالنرويج التي أصبحت مركز الغاز لأوروبا بعد قطع إمدادات روسيا، شهدت رقما عاليا من الضرائب على مبيعات الغاز بـ161 مليار دولار، أي زيادة بنسبة 150% عن 2021.
*مجموع فائض الحساب الجاري لدول الخليج جميعا في عام 2022 وصل إلى 350 مليار دولار
وحتى روسيا، شهدت زيادة بنسبة 19% بمعدل 210 مليار دولار رغم العقوبات المفروضة عليها. ولكن دول الخليج هي التي انتفعت أكثر، نظرا للكلفة المتدنية للإنتاج والطاقة الإضافية والموقع الجغرافي الجيد، وتعتقد شركة “ريستاد إنيرجي” أن دول الخليج حصلت في 2022 على 600 مليار دولار من الضريبة على صادرات الهيدروكربون.
وعلى العموم لم تستفد كل دول الخليج من زيادة الأسعار، فالبحرين والعراق تعانيان من تضخم لا تنفع معه حتى عائدات ضخمة. وحصلت على الغنيمة أربع دول في مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية، الإمارات، الكويت، وقطر. وتقدّر شركة البيانات “أليكس إكسترا إكسانتي” أن مجموع فائض الحساب الجاري لدول الخليج جميعا في عام 2022 وصل إلى 350 مليار دولار.
ورغم انخفاض سعر النفط من المعدل 100 دولار للبرميل في العام الماضي، والافتراض أنه سيظل عند 85 دولارا ، فإن الأربعة الكبار ستحصل على فائض 300 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يعني تراكم 650 مليار دولار في عامين. وفي الماضي، كانت معظم العائدات تذهب إلى احتياطي العملات الأجنبية، ذلك أن معظم دول الخليج ربطت عملتها بالدولار، ولهذا يجب تخصيص جزء، والاستثمار في زمن الطفرة، لكن ليس هذه المرة، فالاحتياطي في المصارف المركزية لم ينمُ بشكل كبير. ولأن تدخل المصارف في أسواق العملة الأجنبية بات نادرا، فإن حراس ثروات الدولة التقليديين لا يحصلون على الفائض.
والسؤال هو أين تذهب هذه الأموال؟ وبعد البحث تبين أنها تنفق في ثلاث طرق جديدة عبر عدة لاعبين بمن فيهم الحكومات الوطنية، المصارف المركزية، والصناديق السيادية. وهذه تقوم بتسديد الدين الخارجي وإقراض الأصدقاء والاستحواذ على أصول أجنبية.
وأشارت المجلة إلى استفادة دول الخليج من الطفرة النفطية وزيادة أسعاره لسداد الديون التي اقترضتها بسبب انهيار أسعار النفط في الفترة ما بين 2014- 2016 نظرا للإشباع الذي حصل في السوق بسبب زيادة إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ودفع أسعار النفط للهبوط من 120 إلى 30 دولارا للبرميل، ثم جاء كوفيد-19 الذي زاد تدهور الأسعار إلى 18 دولارا في 2020.
واضطرت دول الخليج لتحويل جزء كبير من احتياطات العملة الأجنبية إلى سيولة، واقتراض العملات الصعبة من أسواق الغرب المالية. فقد دفعت أبو ظبي 3 مليارات دولار منذ نهاية 2021 أي نسبة 7% من المبلغ المتبقي. وتقلص عبء قطر بحوالي 4 مليارات دولار أو 4%، أما عبء الكويت فقد أصبح النصف منذ عام 2020. وبات تقليص المديونية ظاهرة في دول مجلس التعاون الخليجي التي لم يكن لدى دوله دين بداية القرن الحالي عندما كانت هناك طفرة نفطية.
وتقوم دول الخليج بمساعدة الأصدقاء. ففي 2022 أودعت السعودية والإمارات وقطر 13 مليار دولار في البنك المركزي لمساعدة مصر التي تستورد حاجاتها الأساسية. ولكن هذه الدول باتت تطلب عائدات من الأموال، وطلبت من مصر وباكستان، التي سمحت لها السعودية بتأجيل دفع مليارات عن مشتريات النفط، القيام بإصلاحات والحصول على حصة من أصول الدولة التي تعرض للبيع.
والظاهرة الجديدة في كل هذا هي تركيا التي كانت تطلب حزمة مساعدة من صندوق النقد الدولي لمواجهة المصاعب الاقتصادية، إلا أنها وفي ظل التضخم وتداعيات الزلزال، باتت تطلب مساعدة من دول الخليج، فقد تعهدت السعودية بإيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، أما قطر والإمارات، فقد أقامتا مقايضة عملات، وستشارك الدول الثلاث في مزاد السندات الحكومية التركية.
وتعتبر قطر حليفا مهما لتركيا، أما السعودية والإمارات، فقد أعادتا علاقاتهما مع أنقرة بعد فترة من التوتر، وكل هذه الدول، ترى أن هناك فرصة للتأثير على الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يواجه انتخابات صعبة في أيار/ مايو المقبل.
طريقة استثمار أموال الصناديق السيادية تشير إلى محاولة دول النفط استخدام الأموال لاستعراض القوة الناعمة
وتظل القروض قليلة من موارد النفط، مما يترك الجانب الأكبر منها للاستثمارات الخارجية. وفي فترة الطفرة السابقة، كانت روسيا والسعودية توكل مهمة تدوير العائدات إلى البنوك المصرفية، وتحويلها إلى أصول تحسبا لمفاجآت، ولم تكن إلا قطر المعروفة بـ”كاوبوي الشرق الأوسط” متميزة في نهجها، حيث كانت تشتري ناديا رياضيا هنا، أو ناطحة سحاب هناك.
أما اليوم فقد جمدت احتياطات البنك المركزي الروسي، ولم يعد البنك المركزي السعودي يتلقى الكثير من المال مثلما تتلقى هيئة الاستثمارات العامة التي يترأسها ولي العهد محمد بن سلمان. فقد زاد حجم الصناديق السيادية في المنطقة على مدى سنوات قليلة.
وأشارت المجلة إلى أن طريقة استثمار أموال الصناديق السيادية تشير إلى محاولة دول النفط استخدام الأموال لاستعراض القوة الناعمة. كل هذا يؤشر إلى تطور جديد في نهج استخدام دول الخليج لصناديقها السيادية، وهو دعم أهدافها الإستراتيجية.
ففي الوقت الذي تنفق فيه السعودية مثلا على تحسين صورتها وجاذبيتها للمستثمرين الخارجيين، تقوم بالإنفاق بسخاء على جيرانها من عُمان إلى البحرين والأردن ومصر والسودان، وخصصت لذلك 24 مليار دولار.


www.deyaralnagab.com