logo
1 2 3 41058
صحافة : فايننشال تايمز: صعود طحنون بن زايد.. الخطوط الغامضة بين الدولة ومصالح العائلة الحاكمة!!
25.01.2021

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تحقيقا أعده أندرو إنغلاند وسايمون كير حول صعود الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان والرابطة بين الأمن والتجارة.
وأشارا في التقرير إلى أن اتفاقية التطبيع التي عقدتها الإمارات العربية المتحدة مع إسرائيل شارك فيها رجلان مؤثران في البلدين وعادة ما يعملان في الظل. فمن جهة كان هناك مدير الموساد، يوسي كوهين. وعلى الجانب الآخر كان طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي في الإمارات.
واقترح اللقاء في آب/أغسطس العام الماضي في الإمارات أن “الأمن سيكون جوهر التحالف الجديد وأخرج الشيخ طحنون الذي برز كأهم شخصية مؤثرة في الإمارات إلى دائرة الضوء”. وقالا إن صعوده على مدى العقد الماضي أظهر الرابطة بين القوة والتجارة والمصالح الوطنية الاستراتيجية في دول الخليج مثل الإمارات والسعودية وقطر حيث برز جيل من الأمراء الشباب الميال للتكنولوجيا والعقلية الأمنية إلى المقدمة. وتقدم صورة عن آلية العمل الداخلي للعائلة المطلقة الحاكمة في أبو ظبي والتي تقوم فيها العائلة وزمرة من المساعدين الذين يوثق بهم بالسيطرة على الأمن والقطاعات الرئيسية للاقتصاد بشكل يطمس الحدود بين الدولة والشركات الخاصة.
وتقول كريستين فونتنروز، مسؤولة شؤون الخليج بمجلس الأمن القومي بإدارة دونالد ترامب، إن الشيخ طحنون هو “الرجل الذي يراقب كل شيء وهو الموثوق به ولكن تحت الرادار” و”جزء من هذا هو الغموض، فهو هادئ وموجود في كل مكان، فهو في الولايات المتحدة وفي المرة التالية تراه في طهران لكنه لن يخبرك”.
ويقول مسؤولون غربيون سابقون إن الشيخ طحنون، 51 عاما، الخبير في الفنون القتالية والموثوق به من شقيقه محمد بن زايد، يدير على مستوى السياسة الخارجية أهم ملفات الدولة الحساسة والمتحدية: ملف علاقة الإمارات مع إيران واليمن وكذا التعاون الأمني مع الولايات المتحدة وروسيا وهو جزء من جهود مكافحة فيروس كورونا في البلد.
أما مصالحه فتمتد إلى قطاع واسع من المؤسسات التجارية الكبرى، فهو مدير شركة إي دي كيو القابضة التي أنشئت العام الماضي والتي أصبحت من أهم الشركات المستثمرة. ويترأس أيضا بنك أبو ظبي الأول، أكبر مقرض في الإمارات والذي تملك فيه الحكومة والعائلة الحاكمة أسهما كبيرة. وكذا مجموعة رويال جروب والشركة الدولية القابضة وهي مجموعة أخرى تعمل في قطاع الصيد والصحة وضاعفت أرصدتها أربع مرات إلى 4 مليارات دولار عام 2020 التي تولى الشيخ طحنون إدارتها.
وفي كانون الثاني/يناير جرى تسميته كرئيس مجلس إدارة جروب 42، وهي كيان في أبو ظبي أنشئ عام 2018 ويصف نفسه بشركة الذكاء الاصطناعي وشركة الحوسبة السحابية. ونشأت من دور طحنون الأمني وكان راعيها منذ نشوئها. وتقول الصحيفة إن تطورات كهذه ليست مختلفة عن إسرائيل حيث يقوم العاملون السابقون في الجيش بإنشاء شركات تكنولوجيا تعمل مع وزارة الدفاع.
وكدليل عن تداخل المصالح الاستراتيجية والوطنية بمصالح العائلة المالكة والدولة فقد كانت جي42 أول شركة تفتح لها مكتبا في إسرائيل. وتعاونت مع شركة بي جي أي الصينية لفتح مختبر في أبو ظبي للقيام بتجارب على اللقاح.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوباء يوجه تركيز أبو ظبي على الصحة والتكنولوجيا والأمن الغذائي. وقامت شركات مرتبطة بطحنون بتوقيع عدة عقود في مجال المصالح الوطنية، وحصلت شركة إي دي كيو على نسبة 45% من شركة لوي دريفوس لتوفير البضائع الزراعية. وهذه العقود جزء من توجه جعله أكثر أعضاء العائلة الحاكمة نشاطا حيث تتداخل مصالحه التجارية مع مصالح الدولة.
ولكن تداعيات حضور العائلة الحاكمة في التجارة يضيق من المساحة المتاحة للقطاع الخاص في اقتصاد تسيطر عليه الدولة. وقال مدير تنفيذي أجنبي “لو كان لديك رجل يلعب القمار ولديه ورقتان فمن الأفضل ألا تلعب أمامه” و”لا يمكنك التنافس مع العائلة المالكة عندما تكون كل الأعمال الكبيرة ملكا للدولة”.
وتشير الصحيفة إلى أن الخطوط الغامضة بين الدولة ومصالح العائلة الحاكمة كانت سمة دول الخليج ولكنها أصبحت أكثر وضوحا في الإمارات والسعودية، في وقت بات فيه حكام البلدين أكثر استبدادا وهوسا بالأمن وراغبين بتطوير قطاعات جديدة، ذات علاقة بالتكنولوجيا. ويقول ستيفن هيرتوغ، الخبير بشؤون الخليج بمدرسة لندن للاقتصاد، إن القيادة أصبحت الآن متركزة بسيطرة أكثر وسلطة أقل توازن بين الأبناء والأعمام وأبناء الأعمام. ويقول “هذا استراتيجي ويهدف أكثر للحصول على سيطرة سياسية وليس الريع وتحت سيطرة محمد بن زايد في الإمارات”، مضيفا أن “هذا مثل الجيل الجديد من الأمراء في السعودية الذين هم أصحاب الأمير محمد بن سلمان. وهي مركزة يتم استخدامها كأداة للقائد وليس كتلة غير واضحة كما في السابق”.
وتقول الصحيفة إن ولي العهد السعودي أصبح شخصية حاضرة في مجال الأمن والاقتصاد، فقد عين بعد تولي والده الملك سلمان الحكم، وزيرا للدفاع ورئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية. وحول هيئة الاستثمار العام بـ 400 مليار دولار إلى أداة استثمار في الخارج. ومثل محمد بن زايد فقد تبنى محمد بن سلمان، 35 عاما، سياسة خارجية حازمة.
والجيل الجديد من الأمراء على رأس الحكم في قطر، حيث أصبح الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حاكما في عمر الـ 33 عاما. وتحت رقابته أصبح الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، 40 عاما، نجما صاعدا ووزيرا للخارجية ورئيسا لجهاز قطر للاستثمار.
لكن الشيخ طحنون يظل متميزا بين الجيل الجديد من ناحية سعة دوره وقدرته على العمل تحت الرادار كما تقول فونتنروز.تزامن صعود طحنون مع سياسة التدخل الخارجي التي تبناها محمد بن زايد وتضييق مساحة التعبير في الداخل.
ووصف دبلوماسي أمريكي سابق طحنون بأنه رجل الظل. وهو إلى جانب شقيقه المؤثر ولي العهد ضمن ستة من أبناء الشيخ زايد الذين يقودهم الشيخ محمد ويعرفون بـ “أبناء فاطمة الستة”، ومنهم الشيخ منصور مالك نادي مانشستر سيتي والشيخ عبد الله، وزير الخارجية. ولدى طحنون خبرة 10 أعوام في الجيش وعين نائبا لشقيقه الشيخ هزاع، مدير الأمن القومي، حيث حل محله بعد ثلاثة أعوام.
وتزامن صعوده مع سياسة التدخل الخارجي التي تبناها محمد بن زايد وتضييق مساحة التعبير في الداخل. ويعتبر طحنون مقربا من شقيقه محمد وهو “جزء من حلقة مقربة لمحمد بن زايد يتحدث معهم في هذه الموضوعات وطحنون رقم واحد”، حسبما يقول دبلوماسي غربي.
وقبل عام من تولي طحنون منصبه عام 2016 أرسلت الإمارات قوات إلى اليمن ضمن التحالف الذي قادته السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وفي 2017 انضمت الإمارات لحصار قطر، ودعمت الجنرال المتمرد خليفة حفتر في ليبيا. ويرى المسؤولون الأجانب أن طحنون رجل براغماتي وتحليلي وكان أول من تحدث عن منظور سحب القوات الإماراتية من اليمن لأن الحرب لا يمكن الانتصار فيها. وقال الدبلوماسي الأمريكي السابق إن طحنون كان أول من أعطى انطباعا وقلقا من دعم الإمارات للجنرال خليفة حفتر، وأنه ليس “زعيما سياسيا قابلا للبقاء” وأنه “رجل عسكري متقلب”. وشوه التدخل في ليبيا سمعة الدولة الخليجية، وطالما اتهمتها الأمم المتحدة بخرق قرار حظر تصدير السلاح إلى ليبيا. و”قدرت” وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية أن الإمارات ربما قدمت دعما لمجموعة فاغنر الروسية التي نشرت ألفي مرتزق في ليبيا لدعم حفتر، حسبما جاء في تقرير المفتش العام للبنتاغون في شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وفي نفس الشهر كشفت منظمة هيومان رايتس ووتش أن شركة إماراتية “بلاك شيلد” قامت بتجنيد سودانيين للعمل كحراس أمن ثم أرسلتهم للقتال في ليبيا. وقالت المنظمة الحقوقية إن هذا مثال واحد من “التورط الخبيث للإمارات في النزاعات الخارجية”، ولم ترد وزارة الخارجية على أسئلة للتعليق.
ويقول المراقبون إن إنشاء شركات مثل جي42 هو امتداد لأهداف الإمارات الاستراتيجية حيث باتت تعتمد على قطاعات التكنولوجيا والصحة. وستكون علاقتها مع إسرائيل متركزة على هذين المجالين بالإضافة لتكنولوجيا الزراعة ومن خلال كيانات مرتبطة بالعائلة المالكة.
لكن هناك جانبا مظلما للجزء المحلي لقيادة تركز على الأمن. وتتهم هذه التي تعتبر الإسلاميين السنة والمتشددين الشيعة وإيران تهديدا عليها بقمع حرية الرأي والتعبير في الداخل. وسجن أحمد منصور، الناشط في مجال حقوق الإنسان، 10 أعوام بتهمة إهانة “مكانة وسمعة الإمارات ورموزها”. وزعم ناشطون أن هاتفه اخترق عبر برمجية خبيثة صنعتها شركة أن أس أو غروب الإسرائيلية.
وفي 2019 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا قالت فيه إن تطبيق توتوك الذي أعلن عنه في الإمارات استخدم للتجسس على مستخدميه، ووصف توتوك الاتهامات بالمضللة وغير الصحيحة وأكدت الشركة المنتجة له أنه يلتزم بالمعايير الدولية للخصوصية، مع أن شركة أبل حذفته من متجر التطبيقات وكذا غوغل من بلي ستور.
واستثمرت مجموعة جي42 في مجال التطبيقات وكان أسامة الأهدلي الذي يعتبر جزءا من “شبكة المدراء التنفيذيين” للشيخ طحنون مسجلا حتى الشهر الماضي كمدير لتوتوك. وحمد الشامسي يعد جزءا من شبكة الشيخ طحنون وهو عضو سابق في الشركة العالمية القابضة وهو المدير الوحيد المذكور في جي42 ويترأس بالإضافة لهذا منصب مدير أعمال الشيخة فاطمة والدة الشيخ طحنون. وقال شخص مقرب من طحنون إنه لا الأهدلي أو الشامسي على علاقة مع توتوك أو ج42.
وبدأت هذه تتوسع، ففي تشرين الأول/أكتوبر أعلنت كابول أن المجموعة هي جزء من مجموعة وقعت عقدا مع سلطة الطيران الأفغاني يتعلق بالخدمات الأمنية وإدارة العمليات وغير ذلك. وقويت صلتها بالدولة عندما اشترت مبادلة، العربة السيادية للاستثمار التي يترأسها محمد بن زايد، حصة فيها بشهر تشرين الأول/أكتوبر. ويقول المدير الأجنبي إن الخطوط الفاصلة بين العائلة والتجارة في أبو ظبي باتت غير واضحة ولا “أعتقد أنها موجودة الآن” ومن الصعب الحديث عن حدود القطاع الخاص ولا يوجد لاعبون من القطاع الخاص في القطاعات الاستراتيجية. وعندما كان الشيخ زايد بن نهيان على قيد الحياة تولى الشيخ طحنون “الدائرة الخاصة” بالعائلة. وأنشأ بنك الخليج الأول الذي اندمج مع بنك أبو ظبي الوطني ليصبحا بنك أبو ظبي الأول. وبعد وفاة الشيخ زايد عام 2004 بات أبناؤه يبحثون عن فرصهم التجارية الخاصة مثل الشيخ منصور.
وقال المدير التنفيذي “لو أردت الحصول على صفقة تجارية مع العائلة وليس في القصر فما عليك إلا التواصل مع الشيخ طحنون” و”عندما حصل الأبناء على حصتهم من المال عندما مات الشيخ زايد، أراد بعضهم عمل أموره الخاصة”. وطالما كان طحنون مهتما بالتجارة. ويقول مستشار مخضرم في المنطقة إن التداخل بين ما هو اقتصادي وأمني في أدواره جعله ثاني أهم شخصية بعد محمد بن زايد، مضيفا أنه ربما وصل إلى ذروة تأثيره بظهور أبناء الشيخ محمد بن زايد، خاصة خالد بن محمد الذي بات يتولى مناصب أمنية واقتصادية. و”السؤال الأكبر فيما إن أكد تأثيره” أو أن “ظهور جيل جديد من القادة يعني تلاشي تأثيره”، وفي النهاية فاستمراره يعتمد على نجاح مشاريعه وقدرتها على تقوية الاقتصاد الإماراتي.


www.deyaralnagab.com