صحافة :التايمز: رفض بريطانيا والدول الأوروبية إعادة نساء وأطفال تنظيم “الدولة” يخلق غوانتانامو أوروبي في سوريا!!
26.11.2020
قال مراسل صحيفة “التايمز” البريطانية أنطوني لويد إن مخيم الهول في سوريا أو كما وصفه “غوانتانامو أوروبا” بات مكانا لتفريخ المتشددين. وقال إن الأطفال الذين يمرضون ويموتون يدفنون في مقابر حفرت على عجل خارج المحيط المسيج للمخيم المليء بالإلتهابات وسوء التغذية الحاد والإسهال المزمن.
وبعض هؤلاء الموتى يدفنون في قبور غير معلمة: أطفال أوروبيون وأسيويون وعرب وأفارقة في سهل بالحسكة، وهناك من يتم دفنهم بدون شاهدة قبر لكي تبلعهم الأرض بعيدا عن أوطانهم. وفي داخل المخيم المسيج ينظم سكانه أنفسم كعصابات داخل خيم مهترئة وأكوام من النفايات، تتحرك فيه رموز تذكر بعالم تشارلس ديكنز، أجسادهم هزيلة وشعر أشعث وعيونهم لامعة وبشرتهم جافة بسبب سوء التغذية وعدم توفر الخضروات والفواكه في وجبات الطعام.
وفي غياب التعليم هناك مناخ من العنف، وتقوم عصابات الأطفال بمحاربة بعضها البعض وإلقاء الحجارة على الحرس للتسلية. أما الأطفال الكبار الذين انغرس فيهم الحقد بسبب دراستهم بمدارس تنظيم الدولة فيهاجمون الشباب مع حدوث حالات من العنف الجنسي في بعض الأحيان. ولو ضبطوا متلبسين بالجريمة فيضربون عقابا لهم بأعمدة حديدية.
وفي هذا المناخ من الفوضى لا مجال للتعليم إلا في النادر ولا وجود للعلاج النفسي من الصدمات أو نزع أفكار التشدد من عقول هذا الجيل الذي ولد في ظل الخلافة. وهناك شعور لدى الكبار الذين يتذكرون أوطانهم بحالة الهجر ويتمنون لو يحضروا أبدا إلى سوريا.
وقال طفل فرنسي عمره 13 عاما “لم أطلب الحضور هنا ولم أكن أريد أن أكون هنا”، وأضاف “أريد العودة إلى باريس إلى جدتي وألعب كرة القدم لكن بلادنا لا تسمح لنا بالعودة”.
ويعلق لويد أن هؤلاء الأطفال تخلت عنهم بلدانهم مع أنهم لم يرتكبوا جريمة وتركتهم في مخيم اعتقال بشمال- شرق سوريا. وبات مصير الأطفال وأمهاتهم محل انتقاد للسياسات البريطانية والأوروبية التي طبقت على المواطنين الذين سافروا إلى الخلافة.
وناشد القادة البارزون في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومسؤولون في وزارة العدل الأمريكية والسلطات الكردية التي تدير المخيمات ومنظمات حقوق الإنسان وجماعات الإغاثة بريطانيا والدول الأوروبية السماح لهؤلاء العودة إلى بلدانهم وحذروا أن بقاء المخيمات تظل مصدرا لقوة تنظيم الدولة وليس احتواء لتهديده.
وقال الجنرال فرانك ماكينزي، قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط “حتى يعود هؤلاء ويندمجوا من جديد في مجتمعات بلدانهم ويحصلون على محلي للتصالح فإننا نخزن لأنفسنا مشكلة استراتيجية لعشرة أعوام من الآن عندما يكبر هؤلاء الأطفال في ظل التشدد”. و”لو لم نعالج هذا الآن فلن نكون قادرين على هزيمة تنظيم الدولة”.
ويبلغ عدد المحتجزين في مخيمين تحت إشراف قوات سوريا الديمقراطية 13.500 امرأة وطفل من عائلات مرتبطة بتنظيم الدولة “داعش” بمن فيهم 1.000 أوروبي ومنذ سقوط آخر معقل لتنظيم الدولة في آذار/ مارس 2019 في باغوز حيث تم وضع عائلات المقاتلين والأسرى في مخيم الهول والروج. ومن بين هؤلاء 8.000 طفلا تحت سن الخامسة من العمر.
وفي مخيم الهول هناك 65.000 امرأة وطفل بمن فيهم أطفال سوريون وعراقيون. وتوفي فيه ا371 طفلا العام الماضي. وتوفي 80 طفلا في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام وحتى قبل بداية موسم الشتاء. ووجد تنظيم الدولة في الظروف البائسة لسكان المخيمين فرصة دعائية للتجنيد وإمكانية إعادة بناء قاعدته من الجيل الذي تخلت عنه بلدانه.
وفي دعاية “الهول هو مهد الخلافة الجديدة” وصممته مجموعة نساء بريطانيات أطلقن على أنفسهن “لآليء محبوسة” والتي تقوم بجمع التبرعات تحت نفس الصورة في انستغرام. وتم تجميع صور أخرى لمجموعة “لآليء محبوسة” من حسابات تابعة لتنظيم الدولة على منصات التواصل وقام بتحليلها باحثون في مركز دراسة العنف المتطرف في أمريكا وتشير إلى الأطفال بـ”المجاهدين الصغار”. ويظهر إعلان واحد مسدسا وتحته تعليق “لا أستطيع اليوم حتى أحمل السلاح مرة ثانية”.
وتقول مولي إلينبرغ، الباحثة في المركز “يصور تنظيم الدولة المخيمات في سوريا على مراكز اضطهاد لأسر الأطفال والنساء” و”هو ما استخدموه في دعايتهم طوال الوقت: المؤمنون أسرى ومضطهدون وبحاجة لم ينقذهم.
وتحصل المنشورات على متابعة لأن قضية المخيمات أهم من تنظيم الدولة نفسه”. ووصفت الأمم المتحدة الأوضاع في المخيمات بـ”غير الإنسانية”.
ودعت منظمة “رايتس أند سيكوريتي انترناشونال” إلى عودة سريعة للأطفال والنساء إلى بلدانهم التي جاءوا منها. واتهمت المنظمة الحكومة البريطانية والدول الأوروبية بخلق “غوانتانامو أوروبي” في المخيمين حيث يعتقل الأطفال والنساء من بريطانيا بدعم تنظيم الدولة بدون توجيه اتهامات.
ولاحظ التقرير أن عدد الأطفال الأوروبيين المحتجزين في الهول والروج هو أعلى من عدد المعتقلين الكبار في معسكر غوانتانامو الأمريكي في ذروته. وأن معظم هؤلاء الأطفال تحت سن الخامسة وبدون حقوق قانونية ويعانون من ظروف مريعة.
وقال ياسمين أحمد المديرة التنفيذية لرايتس أند سيكوريتي إنترناشونال “هذا هو غوانتانامو أوروبي ولكن للأطفال” و”هذا لا يصدق في ظل شجب بريطانيا لمعسكر غوانتانامو ولكنها وقفت متفرجة الأن وتركت الأطفال يموتون”.
وفي غياب التعليم وبرامج نزع التشدد أو معرفة بالعالم المحيط بهم فمستقبل الأطفال الذين يعيشون المرض والحرمان والقذارة والعنف يؤشر لاتجاه واحد وهو: وقود للتطرف غدا. ويظل عدد الأطفال البريطانيين وأمهاتهم في المخيم قليل.
وبحسب الأرقام التي جمعتها الصحيفة ومنظمات الإغاثة فهناك 35 طفلا و15 امرأة في الهول بالإضافة إلى تسعة رجال بريطانيين معتقلون في الحسكة. لكن الحكومة البريطانية متمسكة بمدخلها اللامتسامح مع التطرف والإرهاب والذي بدا من خلال رفضها عودة شميما بيغوم، 21 عاما وتجريد من ذهب إلى الخلافة في سوريا والعراق من جنسياتهم. لكن الادلة على الأرض تظهر عدم نجاعة السياسة البريطانية والأوروبية التي ترفض التعامل مع قضايا الأطفال والنساء المحبوسين في الخارج. فهي سياسة تقوض الأمن القومي لا تعززه، نظرا للدور الذي بات يمثله هؤلاء في ولادة تنظيم الدولة من جديد.
وقدمت المخيمات هذه رواية مهمة له عن الظلم شبيهة بتلك التي ارتبطت بمعسكر غوانتانامو الذي أقيم في عام 2002.
ونقل الكاتب عن مسؤول في مناطق الأكراد قوله “لا مصادر لدينا لكي نسيطر على ما يحدث في الهول” و “ارتكبت المجتمعات الأوروبية خطأ فادحا بالتخلي عن النساء والأطفال وتركهم هناك” و”هؤلاء الأطفال هم ضحايا لم يقترفوا جرما ولكنهم تركوا ليواجهوا الحرمان ولقنوا على الإنتقام والظلم والحقد”.
وأعادت بريطانيا عددا قليلا من المحتجزين البريطانيين في المخيمين حيث تعللت الحكومة البريطانية بخطورة إرسال فرق إلى سوريا. وهو زعم أثار دهشة الأمريكيين نظرا لوجود القوات البريطانية الخاصة والمخابرات في التحالف ضد تنظيم الدولة وتشارك في المهام مع قوات سوريا الديمقراطية. وكان عناصر القوات الخاصة البريطانية بارزين في معسكر روج إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية.
ويزور ضباط المخابرات السويدية والفرنسية والألمانية المخيم للتحقيق مع المعتقلين. ويقوم مسؤولو وزارة العدل الأمريكية الذين أعادوا 27 مواطنا أمريكيا بمن فيهم 15 طفلا بنقلهم على طائرات بشكل مباشر من سوريا. ووجهت اتهامات لعشرة كبار بمن فيهم امرأة.
وقال النائب العام للأمن القومي جون ديمرز في تصريحات للتايمز “أعتقد أن مسؤوليتنا الأخلاقية تقتضي نقل مواطنينا الذي ذهبوا وانضموا لتنظيم الدولة”. ومن “يمثلون تهديدا فيجب تحييدهم. ومن لا يمثلون مثل الأطفال فيجب إعادتهم إلى مكان يمكنهم التأقلم مع الديمقراطية الليبرالية. وتركهم في المخيم سيعرضهم لتشدد مستمر”.
وأشرف ديمرز على إعادة المواطنين الأمريكيين وتوجيه تهم لكل من ألكسندر كوتي والشفيع الشيخ عضوي مجموعة “البيتلز” في تنظيم الدولة. وقال “نحن مستعدون للتعاون مع الأوروبيين الذي يريدون استعادة مواطنيهم”.
ولتخفيف الضغط على الهول نقلت عائلات وأطفال إلى مخيم الروج الذي يحتجز فيه 4.000 طفل وامرأة وأفرج عن عائلات سورية بعفو. لكن المخيم هذا يعاني من نفس مشاكل الهول، من ناحية سوء التغذية وانتشار المرض وغياب العناية النفسية. ويقوم بعض السجناء من جنسيات أخرى باستخدام نظام الحوالة للحصول على الخضروات والفواكه لمنع سوء التغذية. لكن عائلات الأوروبيين ستواجه تهما بمساعدة الإرهاب بموقف قوانين الإرهاب لو أرسلوا المال إلى أبنائهم.
وقالت سونيا كوش من “سيف ذا تشيلدرن” “الكثير من البريطانيات لا يحصلن على الحوالة”. وأضافت “أعرف امرأة بريطانية توفر ما يكفي لشراء حبة تفاح وتقسمها لخمسة أجزاء بينها وأولادها. امرأة من لندن تقسم حبة تفاح لأن عائلتها تخشى من إرسال المال لها”.
لكن معظم المطلوبين من السلطات هربوا من الهول أو الروج كما في حالة حياة بومدين التي تعاونت مع أحميدو كوليبالي في تفجيرات باريس عام 2015 والتي هربت مع 13 جهادية فرنسية. كما وتبحث السلطات السويدية عن فاتحة ميجاتي أو الأرملة السوداء التي هربت العام الماضي. وهربت 750 امرأة وطفل من ضمنهم فرنسيات وألمانيات وبلجيكيات من مخيم ثالث في عين عيسى.
www.deyaralnagab.com
|