صحافة : واشنطن بوست: السودان بحاجة لدعم في التحول الديمقراطي وليس ابتزازا للتطبيع!!
21.10.2020
تحت عنوان “كيف سترتد مقامرة ترامب السودانية سلباً؟” نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لإيشان ثارور، قال فيه إن الانفتاح الأمريكي على السودان يبدو انتصارا دبلوماسيا في مظهره.
فقد أعلن الرئيس دونالد ترامب يوم الإثنين أن إدارته ستشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حيث ظل قابعا فيها لمدة 27 عاما. ولا شك أن شطب الاسم هو أخبار جيدة للسودان، فالتنصيف منع حكومته من العقود الدولية بالدولار وحدّ من قدرتها على شراء الاستثمارات الأجنبية والحصول على القروض من المؤسسات الدولية. لكن ترامب بحاجة إلى انتصار آخر يتعلق باستراتيجيته “أمريكا أولا” وعليه التلويح به والدفاع عنه في المناظرة التلفزيونية الخميس مع منافسه جوزيف بايدن.
وكجزء من الاتفاق، كان على السودان دفع 335 مليون دولار للعائلات التي تضررت من هجمات السفارتين في نيروبي ودار السلام عام 1998، والمدمرة الأمريكية كول عام 2000.
وأكد المصرف المركزي السوداني يوم الثلاثاء، أن الأموال قد حولت وتنتظر التوزيع. وفي الماضي لعب السودان دورا في استقبال القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى. ورحب رئيس الوزراء السوداني الانتقالي عبد الله حمدوك بشطب اسم بلاده من القائمة، ووصفه بأنه جزء من عملية التحول الديمقراطي للبلد والتخلص من حكم عمر البشير الديكتاتوري.
وأدى انقلاب عسكري في 2019 للإطاحة بالبشير الذي حكم السودان 30 عاما بعد تظاهرات شهدتها البلاد.
ومن المفارقة أن الرئيس ترامب وضع عقوبات على فاتو بنسودة من المحكمة الجنائية الدولية التي زارت السودان في الأيام الأخيرة لبحث موضوع البشير الذي صدر بحقه أمر بسبب دوره في أزمة دارفور.
لكن ذوبان الجليد في العلاقات كان يحمل معه جائزة أخرى لترامب وحلفائه، وهي تطبيع السودان علاقاته مع إسرائيل. فقد ظل الدبلوماسيون وعلى مدى الشهور الماضية يتجادلون فيما بينهم عن متى وكيفية انضمام السودان لقائمة الدول العربية التي فتحت علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية. وواحدة من هذه الدول هي الإمارات التي لعبت دورا مهما في عملية التقارب بين الخرطوم وواشنطن وإغراء السودانيين بالمضي في طريق التطبيع.
ويرى الكاتب أن رمزية التطبيع السوداني لا يمكن تجنبها، فقد كانت الخرطوم مكان مؤتمر القمة العربي الذي انعقد بعد هزيمة 1967 وتعهد فيه القادة العرب بعدم التصالح أو الاعتراف أو التفاوض مع إسرائيل فيما صار يعرف بـ”اللاءات الثلاث”.
ورغم تحول الوضع في العقود الماضية إلا أن السودان ظل واضحا في معارضته لإسرائيل ومنح الدعم للجماعات المتشددة ضدها.
واليوم فالقادة العسكريون الذين حلوا محل البشير، بمن فيهم رموز ارتبطوا بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، عبروا في الكثير من الحالات عن تحالفهم مع الإمارات والسعودية. وفي العام الماضي ساعد الدعم المالي من هاتين الدولتين النظام الإنتقالي لتقوية موقعه في وجه التظاهرات المستمرة.
وقال جين بابتست غالوبين من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “كان تحول موقف السودان الدولي سريعا. وفي أقل من عام خسر حلفاء قطر وتركيا في الخرطوم أي دور في السياسة”. و”أعطى الدعم المالي السعودي والإماراتي الجنرالات ورقة نفوذ لمواجهة المطالب الشعبية للحكم المدني وساعدهم على تشكيل ميزان السلطة غير المتوازنة. ومنح الجنرالات القدرة على التحرك في فترة من التعبئة المدنية”.
ولا تزال عملية التحول الديمقراطي التي يحاول حمدوك وحكومته تحقيقها محفوفة بالمخاطر، وليس بسبب المشاكل العميقة التي يعانيها البلد الذي عانى من حروب طويلة. وكما أشارت صحيفة “واشنطن بوست” في تقارير أخرى، فنزع السودان عن القائمة الأمريكية يأتي في وقت حرج من الضعف الاقتصادي. فقد ارتفع مستوى التضخم إلى 200% ويعاني السكان من نقص القمح والغاز.
وفي بعض الأحيان تمتد الطوابير أمام محلات الطعام والوقود إلى أميال. وفي الوقت نفسه عانى السودان من أسوأ فيضان يشهده منذ عقود، وتسبب بتهجير نصف مليون نسمة ودمر موسم المحاصيل. وبسبب انتشار فيروس كورونا، انخفض التصدير وزاد من البطالة. ويفضل قادة السودان المدنيون التعامل مع التطبيع في مرحلة قادمة وربما بعد انتخابات 2022.
وكتب يوناتان توفال، المحلل البارز في المعهد الإسرائيلي للسياسة الإقليمية بصحيفة “هآرتس” أن إدارة ترامب “تتنمر” وضغطها على السودان لتطبيع علاقاته مع إسرائيل قد يجرئ الجيش والإسلاميين. فمن جهة ستعزز الجهود الأمريكية من سيطرة الجيش على السلطة. وستساعد من جهة أخرى الإسلاميين على تعبئة الجماهير.
وقال: “بدلا من انتعاش العلاقات بين الطرفين، فإن الطريقة القاسية التي تجبر بها إدارة ترامب السودان قد تؤدي لمخاطر تقويض العملية الديمقراطية الحساسة وتقوية الجيش على حساب القوى المدنية وتعزيز جاذبية الجماعات الإسلامية. وبالتالي إفشال أي علاقة بين إسرائيل والسودان بطريقة سريعة”.
وعبر الخبراء في واشنطن عن أساهم من الطريقة التي تتجاهل فيها إدارة ترامب عملية التحول الديمقراطي السوادني. وكتب روبي غريمر في “فورين بوليسي” أن الدبلوماسيين وأصحاب الخبرة في مكتب أفريقيا بوزارة الخارجية تم تجاهلهم واستبعدوا من المفاوضات، في وقت حاول البيت الأبيض وحلفاؤه الضغط على السودان للتطبيع مع إسرائيل.
وقال زاك فيرتين من معهد بروكينغز: “كان على واشنطن تقديم الدعم السياسي والاقتصادي الضروري للسودان كي ينجح في عملية التحول” و”بدلا من ذلك امتنعت إدارة ترامب وقامت بابتزاز ديمقراطية هشة لخدمة أهدافها السياسية المحلية”.
وكتب كاميرون هدسون، الزميل في المجلس الأطلنطي “في الأسبوعين المتبقيين ليوم الانتخابات، فالإدارة قد تفعل جيدا لو أطّرت عملية تحرير السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كخطوة في قضية عظيمة وهي تحقيق التحول الديمقراطي في القرن الأفريقي وأبعد، وليس من خلال انتصار دبلوماسي ولمرة واحدة أو كإثبات لنجاح الدبلوماسية في الشرق الأوسط” و”سيكون هذا تحولا كبيرا في عدم اهتمام الإدارة بنشر الديمقراطية وخطوة صغيرة لمواجهة النقاش الذي يقول إن واشنطن تغلّب الاستقرار على الديمقراطية”.
www.deyaralnagab.com
|