صحافة : أوبزيرفر: بعد انفجار بيروت المطالب تتزايد بتغيير الحكومة ومحاسبة العصابات!!
09.08.2020
تساءل مراسل صحيفة “أوبزيرفر” البريطانية بالشرق الأوسط، مارتن شولوف، إن كان انفجار بيروت سيعجل بالإطاحة بحكومة فاسدة وسط فقر يتصاعد منذ عقود.
وقال إن الهزة الأولى العنيفة بدت مثل حادث في الحي، مولد كهربائي انفجر أو حادث سيارة. وبعد خمس ثوان، وصل هدير الانفجار الثاني، بطاقة ساحقة امتصت الهواء من المدينة ثم أعادتها بتدمير كبير. وتطايرت الشظايا الضخمة من الحطام من خلال الغرف والأبواب التي انهارت إطاراتها وتحول الأثاث إلى صواريخ، في حركة بطيئة. ثم تبع ذلك توقف مميت وبعده شلال من الزجاج المحطم، مئات الآلاف من القطع والألواح التي سقطت على الأرض. ومن نجا من موجة الانفجار لم يعيشوا أبعد من الثواني التي تبعت ذلك.
وبعد أيام انتشرت بحيرات ضخمة من آثار الدم الذي انتشر على العتبات والطرقات، وأخذ كل واحد منهم يحكي قصته عن الحياة والموت في نهاية العالم ببيروت.
وعندما توقفت أمطار الزجاج بدأ العويل، وغلفت سحابات صفراء من الدخان والغبار والمواد الكيماوية الأحياء الشرقية من العاصمة. وفي مدينة تعودت على انفجار السيارات فما حدث كان مختلفا، فالطريق من الأشرفية إلى الشاطئ كان مدمرا، وممتلئا بالسيارات المحطمة وتلال الزجاج.
وقال حارس فيلا كارلوس غصن الذي فر من اليابان: “قتلوا سعد الحريري”، رئيس الوزراء اللبناني السابق. وقال آخر “المرفأ” مشيرا إلى السحابة الضخمة الصفراء والزهرية اللون التي بدأت بالتبدد في وجه الريح الشرقية “لقد فجر”.
ويعلق شولوف أن الفوضى والفزع والحرارة المرتفعة والازدحام بدأت تؤشر نحو واقع جديد: فالأمور هنا لن تكون كما في السابق. ومع حلول ظلام يوم الثلاثاء على ما تبقى من بيروت، بدا واضحا أن ما أدى إلى هذا الانفجار هي 2.750 طنا من نترات الأمونيوم تم تخزينها في الميناء. وبعد خمسة أيام على الانفجار أصبحت الصورة واضحة أكثر وكشفت عن سلسلة من قصور حكومة فوضوية عرضت أبناء شعبها إلى الخطر المميت وتكتمت عليه مدة ستة أعوام، ومنذ مصادرة الشحنة من سفينة روسية رست بالميناء وتركها صاحبها وغادرها بحارتها.
وقال إن التكهن بالنتائج من سلسلة متعددة من الأزمات أمر محفوف بالمخاطر في لبنان، حيث يمكن التعرف على المشاكل دون حلها. لكن لم يحدث شيء منذ الإمبراطورية والحرب العالمية والميلاد الصعب للدولة الحديثة والتمرد والحرب الأهلية والاحتلال والطبقة الفاسدة يؤشر إلى ما سيحدث بعد. فهناك أمر جديد ومخيف يتشكل، لحظة حساب وزخم اجتماعي يلوح بالأفق.
وقالت المشرفة في البنك ندا عيوش (36 عاما): “لو لم يكسر هذا النظام الفاسد فلن يكسره شيء”، “كيف سيقوم نفس الأشخاص الذين قادونا ونحن نائمين إلى القيامة بإخراجنا منها”.
وقال حكمت عبد الله الذي يملك شركة عقارات إن “تخزين نترات الأمونيوم في الميناء ليس بدون سبب” و”لأن الجميع كانوا يعرفون أنها مهمة، وكل لاعب مهم في لبنان كان يعرف بوجودها هناك، بمن فيهم حزب الله الذي يدير المرفأ، وهم يكذبون عندما يقولون إنهم لم يعرفوا”. فقد ظل المرفأ وطوال العقود الماضية المكان الذي تلاقت فيه المصالح التجارية والسياسية المختلفة. وتمر منه مليارات الدولارات سنويا. وقال مسؤول أمني متقاعد: “هناك تقوم النخبة السياسية والزعامات وممولوهم بإدارة أكبر العمليات في الشرق الأوسط” و”مولت عفن الدولة وفي الوقت نفسه دمرتها ولم يكن أحد يتوقع هذا”.
ويقول شولوف إن الغضب المتجمع في البلد قاد الكثيرين للاعتقاد أن انفجار 4 آب/ أغسطس سيكون نقطة التحول التي تم التكهن بها ولكنها لم تتحقق. وكان مقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري في شباط/ فبراير 2005 نقطة مهمة في ذلك الوقت وأدت لانسحاب القوات السورية من لبنان وأدت لولادة فجر سياسي جديد حمل وعود المحاسبة والسيادة. وفي السنوات التي تبعت من الفوضى بالمنطقة ظل لبنان أسير النزاعات الحدودية وطبقة سياسية راسخة حولت مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات ونهبت مليارات الدولارات من أموال الدولة.
وفي بداية العام تخلفت الدولة عن دفع سلسلة من الديون المستحقة عليها فيما راقب السكان بعجز العملة المحلية تفقد قيمتها. والحاجة للتغيير باتت ماسة ولكن البنية الفاسدة في الحكومة مصممة على التمسك بمكاسبها فيما يريد اللبنانيون حدوث أمر. وتقول ليلى حبيب، 22 عاما، طالبة محتجة: “بدأت السلطة تفلت من أيديهم هذه المرة” و”أشعر بهذا”.
ووسط التدهور وطد حزب الله موقعه كأقوى جماعة في البلد وواحدة من الميليشيات الضخمة في المنطقة. وللحزب عدد من نواب الحزب في الحكومة حيث يستخدم تحالفاته فيها ليمارس التأثير، كما يلوح بقوته من خلال العملية التشريعية. وجعلت سيطرة الحزب على الدولة اللبنانية منه جماعة لا يمكن أن يمسها أحد، فحتى لو تم التحقيق والتدقيق فيه تخشى جماعات أخرى من فتح جبهات عسكرية وسياسية جديدة معه.
ويقول نديم حوري المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي: “في المرحلة الحالية، ستكون الأولوية هي التخلص من العصابات” و”لا يمكن هزيمة العصابات وحزب الله في نفس الوقت، وبالنسبة لي فهذا هو أكثر سيناريو يحمل أملا. ونأمل أن تكون القوى السياسية منظمة بدرجة كافية لكي تفوز بالانتخابات وتعيد الحياة السياسية إلى قاعدة جديدة. وفي الوقت الحالي الأولوية هي التخلص من المجرمين”.
وأضاف: “الخطر هو أن تستخدم الجماعات المعادية لحزب الله هذا وتحشره بالزاوية للاستسلام، وسيكون هذا خطأ فادح، ليس تعاطفا معه ولكن لأن البلد لا يحتمل المواجهة”.
وتابع أن الخطوة المقبلة هي حكومة إنقاذ من خارج الطبقة السياسية بتفويض خاص لمعالجة الأزمة الاقتصادية والإنسانية. وهي بحاجة لتفويض محدود، عامان أو ثلاثة أعوام على الأكثر لتحضير البلاد إلى انتخابات على قاعدة قانون الانتخاب الجديد. ومع قرب نهاية أسبوع حافل بالأحداث تداعت المطالب إلى استقالات جماعية من البرلمان وعدم تسييس التحقيق بالحادث من جماعات لها مصلحة بنتائجه.
وقالت مها يحيى مديرة مركز كارنيغي الشرق الأوسط: “على الحكومة الاستقالة”، مضيفة: “اللبنانيون حتى الذي يريدون منحها فرصة لا يثقون بالطبقة السياسية: وما حدث هو كارثي ونتاج إهمال إجرامي وسوء إدارة على قاعدة ملحمية وفساد يتغلغل في قلب لبنان”. وقالت إن على الأحزاب السياسية التوافق على حكومة مستقلين تستطيع منع لبنان من الوقوع في الهاوية. ويجب ألا تتوقف عملية المحاسبة عن الانفجار عند مجموعة من الموظفين بل ويجب أن تلاحق سلسلة القيادة.
ويقول شولوف إن استقالات جماعية من البرلمان تبدو محتومة وكذا عملية ملء الفراغ. وهناك حديث عن قيادة مؤقته يترأسها الجيش، وهو تحرك يمثل تحديا لنظام الرعاية الذي ستحاول النخبة إنقاذه ولكن من خلف الستار. وقال خالد زيدان، 48 عاما، العامل في الاستثمار البنكي: “الحل الوحيد للخروج من المأزق هو استقالة النواب وتعيين حكومة مؤقتة بهدف واحد !!
www.deyaralnagab.com
|