صحافة : نيويوركر: تفجير فتح الباب أمام القيامة في لبنان.. انتهى البلد الذي نعرفه وسيخرج واحد جديد!!
07.08.2020
قالت روبن رايت في مقال نشرته مجلة نيويوركر، اليوم الخميس، “الشفقة على لبنان، الشعب المتوسطي الساحر، الأصغر من كونيكتيكت، والذي نجا من حرب أهلية استمرت 15 عاما، من 1975-1990 وتحول إلى ساحة حرب لكل الشرق الأوسط، امتص السلاح والجيوش والقضايا من كل أنحاء العالم. وعانى من القصف واختطاف الرهائن والقتل الجماعي على يد كل الفصائل بما فيها منظمة التحرير وجماعة حزب الله اللتان حاربتا إسرائيل من لبنان. وحاول الإبحار وسط شبكة من السياسة و18 طائفة معترف بها رسميا ولكل واحدة منها حصة من الوظائف الحكومية. وجمع الأشلاء بعد اغتيالات الرؤساء ورؤساء الوزراء وأعضاء الحكومة والنواب على يد القوات السورية والإسرائيلية، وشهد سلسلة من التظاهرات من ثورة الأرز عام 2005 التي أطاحت بالحكومة إلى انتفاضة 2019 التي عصفت برئيس وزراء آخر. وتحدي لبنان على مدى العقود الأضداد”.
وفي أثناء المقابلة التي أجراها ستيفن كولبيري مع رايت في “كوميدي سنترال” سألها عن أفضل الحروب التي غطتها. وبدون شك قالت “لبنان وصراعه والإعجاب بإبداعية وصلابة شعبه وجماله الطبيعي وكذلك الرهانات السياسية الملحمية للبلد والمنطقة والعالم”.
نجا لبنان من حرب أهلية استمرت 15 عاما وتحول إلى ساحة حرب لكل الشرق الأوسط، امتص السلاح والجيوش والقضايا من كل أنحاء العالم
وتعلق “لبنان على حافة الانهيار، وكان ينهار أصلا قبل الانفجار المزدوج الذي ضرب مرفأ بيروت الخلاب وقبل فترة قصيرة من ساعة الذروة. وأدى الانفجار الثاني إلى سحابة مثل حبة الفطر تذكر بقنبلة نووية وأحدثت هزات زلزالية تساوي هزة أرضية بدرجة 3.3 بمقياس ريختر. وسمع الانفجار على أميال بعيدة في قبرص، التي تبعد 120 ميلا إلى شمال- غرب”.
وقالت رايت إن لبنان يواجه اليوم تحديات وجودية. فقد دمر الانفجار المكاتب والشقق حول العاصمة وكذلك المرفأ الكبير المهم لحركة الاستيراد الذي يعتمد عليها لبنان. وقدر محافظ العاصمة عدد المشردين بربع مليون شخصا مما يفاقم مشاكل استيعاب ألاف من اللاجئين السوريين في البلد. وطال الانفجار صفا من الصوامع التي تخزن بها الحبوب المهمة للبلد. ولم يكن الانفجار في وقت أسوأ من الحالي، ويعلم نهاية لبنان الحديث الذي نعرفه كما تقول. والعلامات في كل مكان، فهو بلد معروف بحياته الليلية ومؤسساته الثقافية الغنية. ولم يكن لدى بيروت ما يكفي من الطاقة الكهربائية التي تنقطع لمدة عشرين ساعة. فيما تنتشر أكوام الزبالة المتعفنة في كل الطرقات بسبب النزاعات السياسية بين الفصائل.
وفي الشهر الماضي قالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليت محذرة من أن لبنان “يخرج وبسرعة عن السيطرة بعدد كبير من المحرومين والجوعى”. فلبنان الذي كان مرة المركز المالي للشرق الأوسط يواجه اليوم أزمة اقتصادية لا سابق لها في تاريخه، كما ورد في تقرير لمجموعة الأزمات الدولية في شهر حزيران/ يونيو. وارتفعت أسعار الطعام والمواد الأساسية بنسبة 50% منذ أيار/مايو. ومن بين كل ثلاثة لبنانين واحد بدون عمل. وفي نيسان/ إبريل قالت باشيليت إن نسبة 80% من سكان لبنان يحتاجون لنوع من الدعم. وفقدت العملية قيمتها بنسبة 80% منذ انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي والتي اندلعت بسبب فرض الضريبة على مكالمات واتساب وتحولت بسرعة للمطالبة بتغيير كامل النظام السياسي. ووضع دول المشرق السياسي أسوأ من وضعه الاقتصادي.
يواجه لبنان اليوم تحديات وجودية. فقد دمر الانفجار المكاتب والشقق حول العاصمة وكذلك المرفأ الكبير المهم لحركة الاستيراد الذي يعتمد عليها البلد
وقالت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي الشرق الأوسط ببيروت، “الدمار هو أكبر من أي شيء شاهدته، وعشت عددا من الحروب” ولكنها أضافت أن “لبنان ينهار بطريقة متسارعة قبل الانفجار الأخير”. وفي تقرير نشرته قبل أسبوعين حذرت يحيى من انهيار أربعة من خمسة أعمدة تم الحفاظ عليها منذ استقلال لبنان عام 1943 فالتشارك بالسلطة بين الفصائل بات فاشلا، وتختفي فيه الطبقة المتوسطة. ولم يعد البلد قادرا على التظاهر بأنها جمهورية التجار، وهو الدور الذي لعبه في الشرق الأوسط لوقت طويل. وتختفي الحريات الشخصية التي أدت لنقاش فكري لم يتوفر في أي مكان في المنطقة، ويحل محلها الاستفزاز والاضطهاد، وحتى الجيش المؤسسة الوحيدة العاملة أضعفت بسبب الأزمة الاقتصادية. وقالت يحيى “يدفع الساسة اللبنانيون بلدهم نحو الهاوية” و”بعد ثمانية أشهر من الأزمة المعقدة التي تهدد أساس لبنان لم يتخذوا بعد الخطوات اللازمة لمنع الانهيار”.
يدفع الساسة اللبنانيون بلدهم نحو الهاوية وبعد ثمانية أشهر من الأزمة المعقدة التي تهدد أساس لبنان لم يتخذوا بعد الخطوات اللازمة لمنع الانهيار
ويقول بول سالم، مدير معهد الشرق الأوسط ونجل وزير خارجية لبنان السابق، إن لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990 قام على أساس حيلة بونزي وأصبح البلد “جريحا بشكل خطير” لكنه لم يمت بعد. ويواجه بدائل قاتمة، فمنظمات المجتمع المدني التي تدفع باتجاه التغيير وقيادة جديدة يمكن أن تزيد من الضغط وإلا استمرت “عصابة الأوليغارش” الحكم وتحقيق صفقاتها الفاسدة وتدمير لبنان معها. وأضاف “هناك متغير جديد منذ تشرين الأول/ أكتوبر عندما قام قطاع متنوع بالوقوف ورفض الفساد والطريقة الطائفية القديمة لعمل كل شيء” ولو “لم يتم عمل شيء فإننا نسير نحو دولة فاشلة”.
وأشارت الكاتبة إلى تأكيد الحكومة اللبنانية حول سبب الانفجار وهو المواد الكيماوية التي خزنت بمستودع بالمرفأ، رغم تصريحات غريبة للرئيس دونالد ترامب. وتعلق أن فشل الحكومة بالتعامل مع المواد المتفجرة في أهم مركز حيوي بالبلد هو صورة مصغرة عن فشلها.
وقال داريل كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية التحكم بالسلاح، “تخزين 2.750 طنا في من نترات الأمونيوم في مخزن حار وسط ميناء البلد ليس هجوما ولكن عجز مأساوي”. وقال جيفري فيلتمان، السفير الأمريكي السابق في لبنان، “كأن الشعب اللبناني يحتاج لأدلة عن الأداء الضعيف الصارخ لحكوماتهم المتعاقبة”. ويرى رامي خوري، مدير التعاون الدولي بالجامعة الأمريكية في بيروت، أن مرحلة ما بعد الصدمة للانفجار والإهمال الإجرامي الذي كشف عنه سيكون أكبر من الانفجار نفسه وسيكون هناك ضغط شعبي كبير لإجبار النخبة السياسية على الخروج من حياة الناس، وستكون الضربة الحاسمة التي دمرت النظام”.
مرحلة ما بعد الصدمة للانفجار والإهمال الإجرامي الذي كشف عنه سيكون أكبر من الانفجار نفسه إذ سيكون هناك ضغط شعبي كبير لإجبار النخبة السياسية على الخروج من حياة الناس وستكون الضربة الحاسمة التي دمرت النظام
وفي فترة التسعة أشهر سمع الكثير من التذمر في لبنان، من الناشطين الشباب، والمهنيين، والصحافيين، والمجتمع المدني، وكل ذلك دعى للتجهيز لمرحلة ما بعد النظام القديم العفن. ويقول خوري إن النظام الطائفي لتقاسم السلطة والذي أنهى الحرب الأهلية سيظل موجودا ولكن التركيز سيكون على التخلص من النخبة السياسية الفاسدة التي خلقت نظام الغنائم الذي يستبعد الجميع إلا أنفسهم. وقال “هذه نقطة تحول” و”هذه ليست نهاية لبنان ولكنها نهاية للبنان مختلف”.
www.deyaralnagab.com
|