الغزاة والطغاة الصهاينة يخافون الأغنيات والذكريات الفلسطينية حتى بعد 75 عاما على النكبة!! 21.05.2023 *كتب وديع عواودة..«وخوف الغزاة من الذكريات…وخوف الطغاة من الأغنيات» قال محمود درويش في قصيدته «على هذه الأرض» وصدق. 75 عاما مرّ وما زال المحتلون الغزاة يخافون الذكريات والأغنيات، وبحق فهم تنتج الوعي وتسلح ضحايا الغزو والطغيان بالمزيد من الدافعية والقوة وهذا ما دفع إسرائيل لحملة محمومة على الأمم المتحدة لمجرد إحيائها الذكرى السنوية للنكبة طارحة نفسها من جديد ضحية لم تدخّر وسيلة إلا استخدمتها في محاولة إفشال هذه الفعالية الدولية ونجحت في بعض مساعيها الدعائية. ورغم انتهاء الحدث ما زال إيلي كوهين وزير الخارجية في حكومة الاحتلال يكرر ما قاله في بيانه إنه يجب على إسرائيل أن تحارب بكل قوتها استمرار نشر الفلسطينيين للأكاذيب حول النكبة وحرب 1948 فقال في حديث للإذاعة العبرية في نهاية الأسبوع «سنحارب أكاذيب النكبة بكل ما أوتينا من قوة ولن نسمح للفلسطينيين بمواصلة نشر الأكاذيب وتحريف التاريخ». وتباهى كوهين بأن عشرات الدول ألغت مشاركتها في الفعالية التي أقيمت في الأمم المتحدة بمناسبة ذكرى النكبة وذلك بعد أن أصدر توجيهات للسفراء الإسرائيليين في الأمم المتحدة ودول العالم وبعد جهد دبلوماسي معبرّا بذلك عن موقف حكومته العنصرية الغيبية التوجهات والمعادية للفلسطينيين والعرب والمسلمين وللسلام. في حديث موجّه للإسرائيليين أيضا في ظل السجالات والمزاودات الداخلية قال كوهن أيضا إن وزارته وعدة وفود حول العالم قد اتخذوا موقفا صارما سريعا من أجل منع مشاركة دول في مثل هذا «الحدث المشين» الذي «يجب ألا يحدث مطلقا». وفي رسالة للمستقبل تقوم على الترهيب والترغيب تابع كوهين «نشكر العديد من أصدقائنا حول العالم على الاستجابة لدعواتنا لتجاهل هذا الاجتماع والوقوف بجانب الحقيقة والمحافظة على شبكة علاقاتنا المبنية على القيم والمصالح المشتركة».
*ترغيب وترهيب إسرائيليين
واستجابة لتوجيهات خارجية الاحتلال استنفرت الدبلوماسية الإسرائيلية في العالم وصعدت جهودها وضغوطها السياسية مستخدمة نفوذها وإمكانيات إسرائيل في الاقتصاد والسايبر والمخابرات وغيره لمنع منظمة الأمم المتحدة من إحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية ومنع دول من المشاركة في الحدث. وقاد السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة غلعاد أردان مساعي وزارة الخارجية لمنع سفراء الدول لدى الأمم المتحدة ودبلوماسيين آخرين لحضور الحدث، بدعوى غريبة عجيبة مفادها أن أي دولة تحضر لقاء النكبة، تتحمل مسؤولية تدمير فرصة التسوية السلمية. يشار أن صحيفة «هآرتس» العبرية كشفت في الشهر الماضي، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أرسلت خطابات لممثلي ومندوبي مختلف الدول وناشدتهم عدم المشاركة في فعالية إحياء الذكرى الـ75 للنكبة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. وجاء في نص الرسالة: «سيأتي أبو مازن ليلقي خطابا، فاطلبوا من زملائكم خاصة من المستويات الرفيعة أن يحثوا مندوبيهم في الأمم المتحدة ألا يشاركوا في الفعالية التي تتبنى الرواية الفلسطينية التي تعارض حق إسرائيل في الوجود».
وللمرة الأولى منذ عام 1948 قررت منظمة الأمم المتحدة إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني بفعالية رسمية، الاثنين الفائت، في مقر الهيئة الدولية بمدينة نيويورك. طبقا للتفويض الممنوح من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرار صدر في 30 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2022 تم إحياء الذكرى بتنظيم حدثين في مقر الأمم المتحدة.
وقد صوتت الجمعية على قرار مؤيد للفلسطينيين لإحياء ذكرى النكبة في الأمم المتحدة، بأغلبية 90 صوتًا مقابل 30 معارضًا، فيما امتنعت 47 دولة عن التصويت على المبادرة وهذا عدد لافت من الدول التي اختارت الوقوف على الحياد علاوة على عدد غير قليل من دول اختارت مساندة إسرائيل والاستجابة لمساعيها الخفية والمعلنة. وطلب القرار من شعبة حقوق الفلسطينيين بالأمانة العامة، تكريس أنشطتها في عام 2023 لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، بما في ذلك إقامة حدث رفيع على المستوى الرسمي في قاعة الجمعية في 15 أيار/مايو الجاري. وتمت دعوة جميع أعضاء الأمم المتحدة ومراقبيها لحضور الحدثين، إضافة إلى المنظمات الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني وكذلك الجمهور، وفقًا لبيان نشر في موقع الأمم المتحدة.
*نجاح الدبلوماسية الفلسطينية
وفي المقابل قال مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، إن بعثة فلسطين واللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وكل الأصدقاء وشعبة فلسطين في سكرتارية الأمم المتحدة، اختارت تفاصيل هذه الفعالية بجلستيها الصباحية والمسائية، تنفيذا للقرار التاريخي الصادر عن الجمعية العامة، بإحياء ذكرى النكبة الـ75 للمرة الأولى في تاريخ المنظمة الدولية. وعبّر السفير منصور في تصريحات لوكالة الأنباء الفلسطينية عن الموقف الفلسطيني في هذا المضمار مؤكدا أن اعتماد الجمعية العامة، التي تمثل برلمان العالم، لقرار إحياء فعالية بذكرى النكبة لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة، يمثل نجاحًا للدبلوماسية الفلسطينية. ونوّه إلى أن الاعتراف بالنكبة سيتبعه جهد في البناء على القرار وتطويره وانتزاع تشريعات لاحقة لصالح الشعب الفلسطيني.
*الفلسطينيون في الوطن والشتات
يشار أنه طبقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، تشير إلى أن عدد اللاجئين المسجلين لديها في كانون الأول/ديسمبر عام 2020 بلغ حوالي 6.4 مليون لاجئ فلسطيني، منهم نحو مليونين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأوضح الإحصاء الفلسطيني في تقرير جديد أن حوالي 28 في المئة من اللاجئين المسّجلين لدى الأونروا يعيشون في 58 مخيمًا رسميًا تابعا لها، تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن و9 مخيمات في سوريا و12 مخيما في لبنان و19 مخيما في الضفة الغربية و8 مخيمات في قطاع غزة. يُشار إلى أن عدد الفلسطينيين في جميع أماكن وجودهم بلغ نحو 14.3 مليون نسمة بنهاية عام 2022 نصفهم يعيشون في الشتات والنصف الآخر في فلسطين التاريخية، بينهم نحو مليونين يعيشون داخل أراضي عام 1948 فيما يعرف بالخط الأخضر. وفي هذا السياق وقبيل حلول الذكرى شدد مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، على أن انخراط بعض الأطراف في محاولات لثني دول عن الحضور والمشاركة في فعاليات إحياء ذكرى النكبة، لن يجدي نفعًا ولن يكلل بالنجاح، وتوقّع وجودًا ضخمًا في قاعة الجمعية العامة للمشاركة بالبرنامج الرسمي والثقافي. وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي يعادي الفلسطينيين في كل يوم بالمحافل الدولية، لأن القضية الفلسطينية ما زالت حية في مجلس الأمن والجمعية العامة، وفي كل أجهزة الأمم المتحدة، بما يكذب روايتهم التي تزعم أن فلسطين غير موجودة لا كدولة ولا كقضية. وقامت الحركة الصهيونية في تهجير نحو 850 ألف فلسطيني قسرًا من قراهم ومدنهم بقوة السلاح والتهديد من قبل العصابات الصهيونية، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 ومنذ ذلك الحين سيطرت العصابات الصهيونية على أكثر من 85 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع بما فيها من موارد وما عليها من سكان.
*خطاب غير مسبوق
وفي خطاب غير مسبوق بحدته وبتضمينه طلبا بالعودة لمدينته المحتلة عام 1948 صفد في الجليل طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ«تعليق» عضوية إسرائيل في المنظمة، على خلفية «اعتدائها» على الفلسطينيين، و«احتلالها» أراض فلسطينية. وقال عباس في خطاب استمر ساعة تعرضت له الكثير من منتديات التواصل الاجتماعية بالغمز واللمز: «نطالب رسميا، ووفقا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بإلزام إسرائيل باحترام قراراتكم هذه، أو تعليق عضويتها في الأمم المتحدة».
*يوم استقلالكم يوم نكبتنا
وقدّمت الفنانة الفلسطينية سناء موسى ابنة دير الأسد في الجليل داخل أراضي 48 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، فقرة فنيّة مسائية على مدار ساعتين، أدّت خلالها أغنيات تراثية وطنية وإنسانية، وقالت قبيّل سفرها إنها منفعلة للمشاركة في هذه الفعالية الهامة في إطار أمسية الأمم المتحدة بالرحلة في ذاكرة الشعب الفلسطيني عبر أغاني المطر والحصاد والفرح، ومن ثم الأغنيات التي رافقت مرحلة النكبة. منوهة أن أغنيات الهجرة والحنين، واللجوء، انتهاءً بأغنيات الأمل، لـ«قناعتنا بأن الأمل هو محرك شعبنا نحو التحرر الذي هو مسألة وقت ليس أكثر». وأوضحت موسى أن الشعب الفلسطيني وثق الكثير من مفاصل حياته عبر الأغنيات الشعبية والتراثية التي عادة ما ترافق طقوسه المختلفة، فما اكتشفته هي خلال عملية بحث تتواصل منذ ما يزيد على خمسة عشر عاماً وعلى أهميته ترى أنه لا يشكل إلا النزر اليسير من الأغنيات الفلسطينية ما قبل النكبة.
*المعركة على الرواية مفتوحة
وشارك موسى في الحفل فنانون من طرفي الخط الأخضر أمثال نسيم الأطرش، وأوركسترا نيويورك للموسيقى العربية بقيادة الموسيقار يوجين فريسنن، ومحمد موسى. وسبق أن أحيى فلسطينيو الداخل ذكرى النكبة السنوية تزامنا مع «يوم استقلال إسرائيل» تحت عنوان «يوم استقلالكم هو يوم نكبتنا» وفيه شارك آلاف منهم في مسيرة العودة إلى قرية اللجّون المدمرة الواقعة بين قضائي حيفا وجنين التاريخيين وهناك تم تنظيم مهرجان خطابي وفعاليات ثقافية وفنية. ويؤكد المؤرخ جوني نصور لـ «القدس العربي» أن استذكار النكبة ينبغي أن لا يقتصر على ذكراها السنوية فقط، داعيا لسلسلة فعاليات على مدار العام لا سيما أن أجيالا فلسطينية صاعدة خاصة داخل أراضي 48 تتعرض لطمس الهوية ومحاولات احتلال الوعي. كما شدد منصور ابن مدينة حيفا على ضرورة اتباع وسائل تتحدث باللغة الرقمية الحديثة كي تصل للجمهور، منبها لضرورة العودة لتفاصيل عوالم الحياة في فلسطين بمدنها وأريافها ومزارعها قبل عام 1948 خاصة أن الصهيوينة ما زالت تزعم أنها جاءت إلى فلسطين ووجدت بلادا قاحلة فيها مستنقعات وصحاري. وأوضح منصور أنه لا يستغرب هذه الحملة الدبلوماسية الإسرائيلية المحمومة في العالم حول استذكار نكبة فلسطين مشددا على أن المعركة على الراوية ما زالت مفتوحة على مصراعيها وتابع «علينا مخاطبة الشعوب في العالم لا الأنظمة فحسب وإطلاعها على الحقيقة».
www.deyaralnagab.com
|