والدة الأسير محمد رمضان: أُخفي ألمي عند زيارته ليبقى صامداً!! 15.04.2021 تقرير روان الأسعد- والدة الأسير محمد رمضان تحدثت لـ"القدس" عن ظروف اعتقاله، وعن معاناتها وهي بعيدةٌ عنه، وتحاول التخفيف من معاناتها بالحديث عن ذكرياته في العائلة، مشيرة إلى أن محمد كان موظفاً في الأجهزة الأمنية، وكان دائم الخروج من المنزل بسبب وظيفته ودائم الحب والعطاء لأهله، وكان طيب الخلق وحسن السمعة، يحب الرياضة كثيراً، وكان هاوياً للخيل، هو ابني البكر، وهو من منحني شعور الأُمومة، وأساس سعادتي في الحياة، كان دائماً في سباقٍ مع نفسه ليرضيني ويجعلني سعيدة، محمد هو ذاك البطل الذي غاب عني خلف القضبان تاركاً بقلبي حسرةً كبيرةً ووجعاً لا يجبره إلا عودته.
وتضيف أُم محمد: اعتُقل محمد أول مرة في اجتياح مدينة نابلس مدة ٣ أشهر، وذلك في العاشر من نيسان عام ٢٠٠٢، وتم الإفراج عنه في شهر تموز من العام ذاته، وبعد ذلك بقرابة السنة، وتحديداً في الخامس والعشرين من شهر حزيران ٢٠٠٣ عاد الاحتلال لاعتقاله، وحكم عليه بالسجن ٣٠ عاماً، أمضى منها ١٨ عاماً خلف القضبان، وبالرغم من كل ظروف السجن ومضايقات السجان فإنه حصل على شهادة الثانوية العامة في السجن، والآن يُكمل دراسته الجامعية وهو في السجن تخصص اجتماعيات.
وتتذكر أُم محمد: كان دائماً يعود إلى البيت ويقبل يديّ، ويطلب مني أن أُعد له "المقلوبه أو المسخن"، فكان يفضلهما على غيرهما من المأكولات، وبعد اعتقاله أشعر بالألم وأتذكره كلما أعددت إحدى هاتين الأكلتين، أنا لا أنساه ولا يغيب عن بالي، فهو الحاضر الغائب، وأدعو له دائماً بالفرج القريب والعاجل.
صمتت قليلاً ثم أجهشت بالبكاء وانهارت وقلبها يحترق على ابنها، إحساس بالحرمان ولوعة الفراق، ولكن عزاءها الوحيد أن نجلها حفر اسمه على حائط الحرية لتفتخر به،
لا يوجد أصدق من دموع الأُم وهي تتقد كالجمر على وجنتيها لتخفي معها صوتها وتختنق الحروف داخل حنجرتها، ولا تستطيع لملة دموعها، فتصمت وتحتضن صورة ابنها عند القلب، لعله يحس بنبضها ودعواتها التي تحميه من الاحتلال الذي قهر قلبها.
توقفتُ عن الحديث مع الحاجة أُم محمد، واستغرقَت ما يقارب الساعه لتهدأ وتواصل حديثها عن ابنها، لتقول: الأسرى هم الهواء الذي ينعش رئتي أُمهاتهم، ولا يبقى منهم بعد الأسر سوى الذكريات والأمل بعودتهم من جديد، ليملأوا الحياة بقربهن، فهن أمثلة حقيقية للبطولة والصمود، لأنهن أخذن على عاتقهن معنى التضحية في سبيل الوطن، وترسيخ قيم الولاء والانتماء والتفاني في نفوس الجميع.
بالرغم من أن دموعها تختصر كل الكلام، فإنها وجهت حديثها لابنها محمد قائلة: "أنت بطل ما بنخاف عليك"، وانهمرت الدموع من عينَيها، وذهبت مرةً أُخرى فى نوبة بكاء من شدة حزنها على محمد، وبدت شاردة الذهن، صمتت برهة ثم قالت: محمد مواليد الرابع عشر من شهر تشرين الثاني عام ١٩٨٣، له أربعة إخوة، وهو خامسهم، وثلاث أخوات، كان عمره ثمانية عشر عاماً عندما اعتُقل، واليوم أصبح له ١٩ عاماً داخل القضبان، لا أستطيع أن أحضنه أو ألمسه، والحمد لله على كل حال، أتضرع إلى الله أن يفك أسره، فهو يعيش داخل السجن مأساة حقيقية هو وكل الأسرى، ويعانون أوضاعاً قاسية ومضايقات كثيرة، لكنه لا يخبرنا بها عند زيارته، إلا أن قلبي يحس به، فدائماً نضحك ونمازحه لرفع معنوياته، وأصمد أمامه كالجبل حتى لا يضعف أو تُكسر عزيمته.
*أتمنى لقاءه واحتضانه ومنذ زمن لم تصلنا منه أي رسالة
وتضيف: منذ اعتقاله تنقَّل في السجون ما بين سجن شطة وسجن جلبوع وسجن هداريم وسجن ريمون وسجن نفحة، وهو حاليا في سجن ريمون، كان يبعث لنا رسائل بين الفينة والأُخرى، لكن منذ وقت طويل لم يرسل لنا أي رسالة ولم ألتقه أو أتصور معه.
وبصوت حزين متحشرج، تستطرد الأم قائلة: محمد كان مختلفاً، وسيماً ورياضياً ومتفوقاً في كل شيء، الكل يشهدون له بحسن الخلق والاحترام والرجولة، تزوج إخوته، وأقمنا خمسة أعراس، إلا أنني لم أفرح كما ينبغي، فكيف أفرح وهو غير موجود بقربي، روحي معلقةٌ به.
وتتابع: بعد أسره، ومن شدة حزني عليه، أُصبت بأمراض مزمنة، منها الضغط والسكري، ومع ذلك أُحاول الصمود، وأفرح بزيارته على رغم كل الصعوبات التي يضعها الاحتلال في طريقنا والعقبات، وعلى رغم السير مسافات طويلة، ومع ما أُعانيه من أمراض ووجع وتعب فإنني أنسى كل ذلك لمجرد رؤيته والحديث معه، فهو بشوش جداً يُحب المرح والضحك، إلا أن زهرة شبابه وعمره ضاعت في السجن.
وبكلمات كلها حسرة وألم، تختتم أم محمد حديثها بالقول: حزينة على فراقه، وفي الوقت نفسه فخورةٌ به مناضلاً شامخاً، لكنني اشتقت إليه، وأتمنى أن يعود سالماً غانماً لأفرح به.
*المصدر : القدس دوت كوم
www.deyaralnagab.com
|