logo
1 2 3 47739
غزة: أعراس الزيت والزيتون تطلق زغاريد الفرح في فلسطين.. و”العونة الغزاوية” و”الفزعة الضفاوية” عادات قائمة لمساعدة المزارعين!!
12.10.2020

بالرغم من الظروف الحياتية الصعبة التي تحيط بالفلسطينيين، حيث ترتفع في قطاع غزة نسب الفقر والبطالة، فيما تشتد في الضفة الغربية الهجمات التي تنفذها قوات الاحتلال والجماعات الاستيطانية المتطرفة، وتستهدف بالأساس المزارعين والأراضي الفلسطينية، وبالرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية بسبب جائحة “كورونا”، إلا أن ذلك لم يمنع السكان وخاصة المزارعين، من الفرح والتعبير عن ذلك بطرق شتى، بعد اسبشارهم بموسم وفير من الزيت والزيتون.فآمال عدة يعلقها مزارعو الزيتون على موسم الجني، فأقلهم يحلم بتوفير مال يكفيه وأسرته للعيش بحياة كريمة حتى الموسم القادم، فيما آخرون يتطلعون لأن يحققوا بعضاً من متطلبات أسرهم، كتوفير النقود اللازمة لإتمام مراسم فرح أحد الأبناء، أو توفير الأموال اللازمة لدفع الرسوم الدراسية لأخد الأبناء أو لعدد منهم، خاصة وأن المزارعين يقولون إن الأشجار في هذا الموسم تمايلت من كثرة حمل الثمار، بما ينذر بإمكانية أن يدر ذلك عليهم مالا وفيرا.ورغم اختلاف الأحلام المعقودة على هذا الموسم، إلا أن الجميع يشترك بذات الطقوس التي اعتاد عليها الفلسطينيون منذ عقود كثيرة، فالتوجه مبكرا للحقول، والبقاء هناك حتى ساعات غروب الشمس، أساس لحكاية الزيت والزيتون، وهناك في تلك الأراضي التي يزينها خضار أوراق الشجر وثمارها، يبدأ اليوم الذي تشارك فيه النساء جنبا إلى جنب مع الرجال، بتجهيز طعام الفطور، وهو ما يكون غالبا “قلاية بندورة” المعروفة باسم “الشكشوكة”، مع بعض الزيت والزعتر والألبان والجبن، ليتلوا ذلك تحضير الشاي على النار التي توقد في المكان، وبعدها يتفرق الجمع كل إلى شجرته، ليحرص على إنزال الثمار على قطعة بلاستيكية كبيرة، حيث يقوم آخرون بتجميعها في أماكن قريبة، حتى يأتي من هو مختص بأخذها من هناك إما لمعاصر الزيت أو إلى سوق بيع الزيتون.وفي قطاع غزة الساحلي المحاصر، يجمع المزارع إبراهيم صبح، أفراد عائلته صغارا وكبارا، رجالا ونساء، وبينهم من يعمل في مهن مختلفة كالتعليم والصحة، ويتجه إلى أرضه المزروعة بأشجار الزيتون، ويقول هذا الرجل الستيني الذي زارته “القدس العربي” في حقله، وقد ابتلت ثيابه بالكثير من الزيت الذي تخلفه عملية جني الثمار، كما أفراد أسرته جميعا، إن عملية الجني شاقة جدا، وتحتاج إلى جهد وإلى تسلق الشجر العالي، غير أنه يقول إن ذلك التعب يتبدد بسرعة، عندما يرى مساء كل يوم كمية الثمر الذي جناه وأفراد أسرته من الأرض.ويوضح هذا الرجل، أنه يحرص طوال أيام السنة، على رش الشجر وريّه بمواعيد محددة من أجل الحصول على الثمر الوفير، ويقول إنه اعتاد على عصر جزء كبير من الثمار، وبيع جزء آخر، وتوزيع كميات من الزيت والزيتون على الأقارب، ويقول إنه في كثير من الأوقات يستعين بعمال من خارج الأسرة، مقابل أجر معين، للمساعدة في جني الثمار.ويقول أسعد وهو شاب في منتصف العشرينات، وكان لتوه قد فرغ من عمله في حقل ملاصق لأرض المواطن صبح، جنوبي قطاع غزة، إنه يوفر من وراء عمله في هذا الموسم إلى جانب النقود، ما يكفيه وأسرته من الزيت والزيتون الذي يحصل عليهما من رب العمل، فيما تنظم بين الحين والآخر مؤسسات أهلية أيام عمل تطوعية لمساعدة المزارعين في جني ثمارهم، تحت شعار “العونة” والمقصود فيها تقديم المساعدة.وفي قطاع غزة ترتفع بشكل كبير نسب البطالة التي تصل إلى أكثر من 53%، وبين الحين والآخر توفر فرص عمل مؤقتة لجيش العاطلين عن العمل، خاصة في المواسم الزراعية.وتكثر مزارع الزيتون في قطاع غزة في المناطق الشرقية قرب الحدود الفاصلة عن جيش الاحتلال، الذي قام بشكل متعمد خلال هجمات سابقة ضد القطاع شملت عمليات توغل برية، بتجريف مساحات واسعة من مزارع الزيتون، ومنها أشجار معمرة زرعت قبل أكثر من 200 عام، غير أن ملاك تلك الأراضي تحدوا آلة الحرب الإسرائيلية وزرعوا أراضيهم بأشجار الزيتون من جديد.وفي المناطق الفلسطينية يبدأ موسم قطف ثمار الزيتون، وفقا للمثل المقولة الشعبية “صلب الصليب”، وهو عيد لدى المسيحيين الشرقيين، والذي يصادف يوم 27 من شهر سبتمبر، ويستمر الموسم طوال شهر أكتوبر، وهناك من يستبشر بنزول زخات خفيفة من المطر مع بداية الموسم، وفق عادة فلسطينية منذ العهد الكنعاني القديم.ويقول إبراهيم القدرة، وكيل وزارة الزراعة في قطاع غزة، إن الوزارة قدرت المساحات المزروعة المثمرة من الزيتون في محافظات قطاع غزة (33400 دونم)، متوقع أن تنتج (32250 طناً) من الزيتون، منها (6750 طناً) للتخليل و(16500 طن) لأجل العصر، مشيرا إلى أن متوسط استهلاك الفرد من الزيتون يبلغ 15 كيلو غراما.ويشير إلى أن وزارته وضعت خطة عمل خاصة بموسم الزيتون في ظل انتشار فيروس “كورونا”، حيث ترتكز الخطة على ثلاث نقاط أساسية وهي، تأمين وتسهيل وصول المزارعين إلى أراضيهم لقطف محصول الزيتون، ومن ثم تسهيل نقل المحصول إلى المعاصر، وثالثا تسهيل عمل المعاصر وفق الشروط والمعاملات المتبعة داخل المعاصر.ومن عام لعام، ومن جيل لآخر ورغم مرور السنين، إلا أن عادات الجني لا تزال تحاكي تلك التي كانت قائمة منذ عشرات بل مئات السنين، ففي تلك الحقول يتغلب المزارع على إرهاقه بترديد جماعي أغاني “الدلعونة” الشعبية والأهازيج والمواويل ، وخاصة التي تحاكي الموسم، ومنها “على دلعونة على دلعونة غرد يا بليل على زيتون بلادنا”، و”على دلعونا وعلى دلعونة زيتون بلادي أطيب ما يكونا”.ويقوم الفلسطينيون بعصر الزيت الذي يعتمدون عليه بشكل كبير في طعامهم، كما يقومون بتجهيز ثماره بطرق تعتمد على وضعها بالمال المملح بنسب معينة، ليصبح بعد فترة من الزمن “مخللا”، ويقدم كمقبل أساسي على الموائد.ولا يخلو بيت فلسطيني من الزيت والزيتون، ويكاد في كثير من الأوقات يوفر وجبات طعام كاملة للأسر، التي تضعه على موائدها خاصة في الصباح، لتأكد الفلسطينيين أن هذا الزيت له فوائد طبية وصحية كثيرة، ذكرتها الأمثال الشعبية، ومنها “كل زيت وانطح الحيط” في دلالة على القوة الجسدية التي يوفرها الزيت للإنسان، وأيضا المثل الذي يقول “قمحي وزيتي عمارة بيتي”، في دلالة على أساسيه الزيت كما القمح في السلة الغذائية للأسرة الفلسطينية.ومن شدة تعلق الفلسطينيين بالزيتون، ترى الكثير منهم يزرعون أشجاره في حدائق منازلهم، كما يحرص آخرون على زراعة أشجار الزيتون أمام منازلهم بدلا من أشجار الزينة، وهؤلاء جميعا يقومون بجني الثمار في هذا الموسم.ولا تختلف طقوس موسم جني ثمار الزيتون في قطاع غزة، عن الطقوس التي تجرى في الضفة الغربية، الشق الآخر من الوطن، غير أن ما يختلف هناك، له علاقة بالاحتلال والمستوطنين، الذين يكثفون هجماتهم الاستيطانية التي تستهدف بالأساس الشجر والثمار في كل موسم.وقد شرع المزارعون هناك منذ أيام في جني الثمار، على أمل الوصول إليها قبل المستوطنين الذين يتعمدون سرقة الأراضي القريبة من المستوطنات، وتلك التي تتواجد خلف الجدار الفاصل، وفي كل موسم، يتفاجأ مزارعو الضفة الذين لهم أراضٍ قرب المستوطنات، وأخرى خلف الجدار الفاصل، وتحتاج لتصاريح من سلطات الاحتلال قبل الوصول إليها أن ثمارها قد سرقت من المستوطنين قبل جنيها، أو أن أغصانها المثمرة قد قطعت، أو أن الأشجار كلها قد اقتلعت من الأرض.ومع بداية الموسم أصيب عدد من المواطنين جراء اعتداء مستوطنين عليهم بالضرب خلال قطفهم الثمار في أراضي حوارة التابعة لمدينة نابلس، والقريبة من مستوطنة “يتسهار”، كما أحرق مستوطنون، 50 شجرة زيتون في أراضي بلدة دير بلوط غربي سلفيت، وحطم آخرون أشجارا جنوبي الضفة، فيما أضرم مستوطن النار بمئات أشجار الزيتون المعمرة في قرية صفا غرب رام الله، بعد أن ألقى زجاجات حارقة صوب كروم الزيتون في المنطقة الغربية من القرية.وأفاد تقرير لإحدى دوائر منظمة التحرير، أن جماعات المستوطنين نفذت 63 اعتداء بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم الشهر الماضي، أسفرت عن إصابة 14 مواطناً، بينهم ثلاثة أطفال وسيدة حامل، إضافة إلى اقتلاع وتدمير 545 شجرة مثمرة.وبهدف مراقبة تلك الهجمات، شرع سكان بلدة كيسان، التابعة لمدينة بيت لحم، والواقعة في منطقة خاضعة بالكامل للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، في وضع كاميرات مراقبة، في خطوة يأملون من ورائها ردع المستوطنين الذي يهاجمون أراضيهم!!


www.deyaralnagab.com