logo
1 2 3 41134
موسم جني الزيتون في تونس فرحة لم تكتمل !!
26.12.2019

**يعتبر موسم جني الزيتون في تونس من أهم المواسم الزراعية في البلاد لأنه يحرك عجلة الاقتصاد في الأرياف التونسية، ويوفر لقمة عيش للعاملين بالقطاع الزراعي وخاصة النساء رغم أنهن يعملن بأجر زهيد، هذه السنة ورغم الإنتاج الوفير إلا أن ذلك لم يبعث الفرحة في نفوس المزارعين الذين ينتظرون هذا الموسم لسداد ديونهم فالحكومة لم تسع لتعديل أسعار الزيت التي يعتبرها الفلاحون غير مناسبة مقارنة بأسعار السنة الماضية.
القيروان (تونس) - على إيقاع الحبّات السّمراء المنهمرة على البساط الأخضر، يتعالى صوت غناء مبروكة وهي تعتلي سلّما عند قمة شجرة الزيتون بمنطقة حاجب العيون، في محافظة القيروان التونسية.
يمتدّ ساعداها لتقطف ثمار الشجرة، وتشجعها النسوة العاملات معها بزغاريد تغمر الضيعة، ترافق الأغاني البدوية ترددها المزارعات في تلك الأنحاء بمناسبة موسم جني الزيتون.
مقتطفات لا تعبّر عن الفرح، بقدر ما يتسلّحن بما تنضح به من معاني الصبر على الترحال والحزن على الفراق، فتثير فيهن الشجن وتحفزهن على العمل وتحمّل مشاق عملهن وحياتهن.
في تلك المنطقة الواقعة وسط البلاد، والممتدة بين سهول سد سيدي سعد ووادي زرود الشهير وجبال مغيلة وطرزة، تشهد ضيعات الزيتون حركية في جني الزيتون، وانتشار عاملات الزراعة ممن يتراءين من بعيد وكأنهن نحل يحلّق حول الأزهار.
لا تتوقف حركة هؤلاء النساء حول شجرة الزيتون صعودا ونزولا على السلّم الحديدي أو الخشبي، يلاحقن الأغصان المتمايلة ويمددن أياديهن يتعقبن الثمار في قمة الشجرة.
يستمر عملهن، قبل أن تقطعه جولات توزيع كؤوس الشاي الساخن، أو عندما يحين موعد الطعام في حلقات حول رغيف الخبز وزيت الزيتون.
مبروكة؛ سيدة خمسينية، وأمّ لـ8 أبناء، تضطر للعمل لمساعدة زوجها في توفير مورد رزق لأسرتهما، يبدأ يوم عملها منذ ساعات الفجر الأولى، فتجهز طعام يومها وترتب بيتها ثم تسابق شروق الشمس إلى الضيعة، لتلتقي مع العاملات اللواتي يأتي بعضهن من أماكن بعيدة على متن الشاحنات.
قَبل أعوام، كانت مبروكة تقطع مسافة طويلة من مسكنها الريفي للوصول إلى الضيعة، قبل أن تنتقل أسرتها للإقامة بمنزل لصاحب الضيعة لضمان قربها من الحقول.
وتقضي السّيدة يومها الطويل في قطف حبات الزيتون، منحنية الظهر تارة ومتسلقة السلم إلى قمته تارة أخرى، وهي تتشبّث بدرجاته بيد وتصارع أغصان الزيتون بيد أخرى ممسكة بمشط شبيه بأصابع اليد.
وتجمع النسوة ما تناثر فوق البساط في أكياس، ثم ينتقلن إلى شجرة أخرى يصارعنها، في عمل يستمر حتى اقتراب غروب الشمس. تقول مبروكة التّي لا تتجاوز أجرة يومها 13 دينارا (نحو 4 دولارات)، إن “ما تجنيه من أجرة يومية يعدّ بسيطا ولا يكفي لإعالة أسرة تتكون من 10 أفراد ومصاريف دراسة الأبناء، مما اضطرها لفصلهم عن الدراسة الواحد تلو الآخر”.
أكثر من 8.8 ملايين شجرة زيتون في محافظة القيروان، منها 80 بالمئة في طور الإنتاج، على حوالي 175 ألف هكتار
وتضيف، “جني الزيتون موسمي لا يتجاوز 6 أشهر، والعمل الزراعي غير دائم وأجرته ضعيفة، مقابل ارتفاع أسعار المواد الأولية”.
أما عن الغناء الذي تترنّم به في عملها، فتقول مبروكة إنه يخفّف أعباء الحياة ومتاعب العمل، وتحرص على تسلية نفسها هي وزميلاتها من أجل عدم الشعور بالملل والإرهاق.
ومع ميلان قرص الشمس إلى الغروب، تجمع مبروكة وباقي النساء أغراضهن ويعدن إلى منازلهن على خطى الظلام استعدادا ليوم الغد الشاق، بينما ينقل المزارع الشاب فارس ثمرة جهد النساء من زيتون باتجاه المعصرة ليشهد طورا آخر.
وداخل معصرة العائلة القريبة من الضيعة، تمر عملية عصر الزيت عبر عدة مراحل وعن طريق عدّة آلات تطورت تقنياتها في السنوات الأخيرة، إلى أن تنتهي زيتا ينسكب ذهبيّا وسط الوعاء.
يقول فارس، إن محصول الزيتون والزيت لهذا العام ضعف السنة الماضية، وهو ما استبشر به المزارعون لتعويض نفقاتهم وخسائر المواسم الماضية وارتفاع أسعار المواد الأولية”، لكنه يستدرك قائلا، “كنا نمنّي النفس أن يستفيد المزارع من المحصول وأن ينتعش القطاع، لكن انخفاض الأسعار يهدد بإفلاس المزارع”.
فارس شريط مزارع ثلاثيني، قاد، طيلة الأسابيع الماضية، رفقة مزارعين آخرين، احتجاجات أمام المقرات الحكومية، تنديدا بما شهدته سوق الزيتون والزيت من تدهور للأسعار جرّاء تدخل بعض الوسطاء وتجار الجملة.
ويواجه فارس صعوبات تتعلق بعدم توفّر اليد العاملة رغم تضاعف أجرتها اليومية لتصل إلى 30 دينارا (نحو 10 دولارات) ما يضاعف تكلفة الإنتاج، يقول، “أدّى عدم تدخل الدولة بتحديد السقف أدنى لسعر الزيت، إلى انخفاض الأسعار وهيمنة الوسطاء وهو ما يعني خسائر للمزارع”.
ويعرض اللتر الواحد من زيت الزيتون بالسوق المحلية، بسعر يتراوح بين 5 و7 دينارات لسعر اللتر الواحد حسب الجودة، أي دون 3 دولارات.
ويضيف فارس معبّرا عن غضب المزارعين إزاء خسارة المحصول جرّاء عزوف بعضهم عن جني الزيتون، “نتجه إلى المجهول بسبب تأخر الديوان الوطني للزيت (حكومي) في وضع قاعدة تسعيرية لسعر الجملة”.
ويعتبر قطاع الزيتون، بحسب المدير المحلي للتنمية الزراعية بالقيروان، عبدالجليل العفلي، من أبرز القطاعات الزّراعيّة من حيث المساحة والإنتاج، يقول، إنه توجد أكثر من 8.8 مليون شجرة زيتون بالمحافظة، منها 80 بالمئة في طور الإنتاج، على مساحة حوالي 175 ألف هكتار.
ويقدّر محصول هذا الموسم من الزيتون بـ170 ألف طن بالقيروان، ما يعطي أكثر من 35 ألف طن من الزيت، أي حوالي 15 بالمئة من الإنتاج الوطني.
وردا على احتجاج أصحاب المعاصر والمزارعين ضد انخفاض أسعار الزيتون والزيت، أفاد العفلي بأن اجتماعات عُقدت في الإبان على مستوى مركزي، لافتا إلى أنه تم الاتفاق على تدخل ديوان الزيت لشراء الزيت بمبلغ جملي يقدر بـ50 مليون دينار (17.65 مليون دولار) قصد تعديل الأسعار.
غير أن الأسعار التي أقرها الديوان الحكومي لم ترتق إلى تطلعات المزارعين وأصحاب المعاصر، إذ بقيت في حدود 4.5 دينار (نحو 1.5 دولار) للتر، وهذا ما رفضه المزارعون وواصلوا الاحتجاج.
ويشغّل قطاع الزياتين الآلاف من اليد العاملة طيلة الموسم، كما يساهم في دورة اقتصادية كبيرة بين المتدخلين طيلة نصف عام منذ انطلاق موسم الجني في أكتوبر من كل عام. وتنافس تونس بعض الدول الأوروبية في إنتاج زيت الزيتون، الذي يتميز بجودة عالية عالمية.
وفي نوفمبر المنقضي، قال رئيس الديوان التونسي للزيت شكري بيوض، في تصريحات إعلامية، إن بلاده تتوقع تصدير أكثر من 200 ألف طن من زيت الزيتون، بعائدات مالية تصل إلى 2 مليار دينار (640 مليون دولار)، مشيرا إلى وجود منافسة قوية من إسبانيا وإيطاليا.


www.deyaralnagab.com