رائحة الخبز الإيراني تفوح في سوق المباركية بالكويت !!
18.07.2019
يحرص خليل كمال على ارتياد مطعم في سوق المباركية الشعبي في الكويت في كل مناسبة، لتناول وجبته المفضّلة من الكباب والبصل والجرجير مع رغيف من الخبز الإيراني الطازج المخبوز في المطعم.وتفوح في المكان رائحة الخبز المفضّل لدى الكويتيين، بعد خروجه من الفرن التقليدي عند مدخل مطعم ومقهى “الوليمة” في السوق الواقع وسط مدينة الكويت.أسرع الخبّاز الإيراني الثلاثيني إلى تنّوره ليمد بيديه كرة من كرات العجين المصفوفة أمامه، قبل أن يضعها وسط وسادة من القماش على جدار التنور ويقلبها، ثم يسحبها مستخدما عصا بعدما نضجت، ويقدّمها إلى الزبون؛ رغيف خبز مستدير يتصاعد منه البخار الساخن.
وعلى مدى عقود، لم تتغيّر علاقة الكويتيين بالخبز الإيراني الذي يُعرف في إيران بخبز التافتون، إذ شكّل جزءا أساسيا من مائدة الكويتيين، بل ازداد شغفهم به مع مرور الوقت، بغض النظر عن السياسة والتوترات الأخيرة مع إيران.والحقيقة أن هذا النوع من الخبز الشعبي منتشر في الدول العربية خاصة العراق وبلاد الشام ويسمى في الكويت أيضا خبز الخمير، لكن عندما دخلت الأيدي العاملة الإيرانية في صناعة الخبز فإن الجميع غيّر اسمه من الكويتي إلى الإيراني.ويحكي كمال (60 عاما) عن تعلّقه بهذا النوع من الخبز منذ طفولته، موضحا “لم نعرف خبزا غير الخبز الإيراني منذ ولادتنا. وسرّ تعلقنا به هو طعمه وكمّية الملح القليلة التي يتميّز بها”.وكان حسن عبدالله زكرياء، وهو كويتي من أصل إيراني، افتتح مطعم ومقهى “الوليمة” قبل 23 عاما. وتمتد طاولات المطعم على طول الساحة وتزيّن أبواب خشبية الجدران المحيطة بها، وتعلو سقفها أعمدة خشبية.
ويقول الرجل السبعيني الذي لا يزال يستقبل رواد المطعم بنفسه إن التنور يحضّر يوميا 400 إلى 500 رغيف من الخبز الإيراني.ويرى أن السبب وراء هذا “الإقبال الكبيرعلى الخبز الإيراني في الكويت هو أن أمهاتنا كنّ يحضّرنه في البيوت قبل عقود، ثم أصبحنا نشتريه من التنور ونقف في الطابور صباحا وظهرا ومساء للحصول عليه ساخنا”.وعلى الرغم من عشق الكويتيين لهذا الخبز الشعبي إلا أن المخابز المختصة في صنعه بدأت تقل في الكويت، نظرا لقلة العمالة المختصة ولهجرة الخبازين لمهنتهم لأنها مهنة شاقة ومرهقة وفيها العديد من المخاطر، إذ يواجه الخباز لهيب النار أكثر من 12 ساعة يوميا.
ويقدّم الخبز الإيراني إلى جانب بعض الأطباق الشعبية في الكويت مثل “الباجة” (كرشة الخروف المحشوة بالأرز) و”الكراعين” (قوائم الخروف)، بالإضافة إلى أطباق مثل الفول والنخي (الحمص).
ويملك كل مطعم شعبي في سوق المباركية تنّورا خاصا به، ويعمل فيها خبّازون إيرانيون أو أفغان.ويقول درباس حسين الزعابي (81 عاما) إن الكويتيين “تعوّدوا” على هذا النوع من الخبز.ويضيف “منذ نعومة أظفاري والإيرانيون هم من يصنعون لنا الخبز، كنا نتناوله صباحا مع الحليب ونضع عليه الدهن العداني (السمن البلدي والسكر)”.وبالإضافة إلى السوق الشعبي، يستطيع الكويتيون الحصول على الخبز الإيراني من مخابز الجمعيات التعاونية الاستهلاكية التي تعتبر المقصد الأول للكويتيين لشراء المواد الغذائية والمنزلية.ويتوافد الكويتيون وغيرهم منذ ساعات الصباح الأولى على هذه الأفران التي تفتح أبوابها على فترتين، صباحا ومساء. ويحمل بعضهم أكياسا قماشية للحفاظ على الخبز ساخنا لأطول وقت ممكن.وينتظر الزبائن دورهم ليحضّر الخبّاز العدد المطلوب من الخبز مع الإضافات الخاصة التي تناسب كل شخص، مثل السمسم أو الزعتر أو التمر وغيرها.
وتخصص بعض الأفران أبوابا للرجال وأخرى للنساء.ويقول نائب رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية خالد العتيبي، إن أفران التنور التي تصنع الخبز الإيراني الطازج انتشرت في بداية السبعينات في الكويت ويصل عددها اليوم إلى 100 فرن.وأكد أن هذه الأفران “تنتج حاليا مليوني رغيف يوميا لتلبية حاجات الكويتيين والمقيمين. وتحصل على وقود وطحين بسعر مدعوم من الدولة ليتوفر الرغيف بسعر زهيد لا يتجاوز 20 فلسا كويتيا” (سبعة سنتات).وتتراوح أسعار الخبز بين 20 فلسا للرغيف العادي و100 فلس للخبز المضاف إليه السمسم وحبة البركة وغيرهما من المكونات.
ورغم تصاعد التوتر في منطقة الخليج بين الولايات المتحدة وإيران، من المستبعد أن يؤثر هذا الأمر على استهلاك الخبز الإيراني الذي يتمتع بشعبية كبيرة.ويقول صاحب مطعم ومقهى “الوليمة” إن الكويتيين لن يتراجعوا عن حبهم للخبز الإيراني.ويؤكد “لا علاقة للخبز بالسياسة، والإيرانيون موجودون هنا، وهذا الخبز لن ينقطع لأنه خبز مرغوب”.ويقول الإعلامي الكويتي المتخصص في التراث جاسم عبّاس إن السياسة لم تؤثّر أبدا في الحياة الاجتماعية للكويتيين.ويوضح “رغم التوتر حاليا وما حصل سابقا خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، ظل الخبز الإيراني هو الخبز الرئيسي. وحتى صنّاع الحلوى التقليدية كالزلابيا والرهش، كلهم إيرانيون”.
www.deyaralnagab.com
|