رائحة الحياة تفوح من موسم قطاف الوردة الشامية في ريف دمشق !!
09.06.2019
*مع حلول موسم الصيف يبدأ موسم قطاف الوردة الشامية في قرية المراح بريف دمشق، هذا الحدث يبعث في سكان القرية وخاصة النساء الحيوية والانشراح، فهو موعد جني ثمرة التعب خلال السنة
دمشق - بعين خبيرة، تتفحّص عربيّة عبده شجيرات الورد الصغيرة، وتعرف تماما أيّ الورود حان قطافها، وأيّها تحتاج إلى يوم أو يومين. تقول السيدة السبعينية “نحن نعيش في حقول الورد منذ خلقنا”. وتضيف “لكل وردة الوقت الأنسب لقطافها، وأحيانا يكون الفرق ساعات أو أياما بين واحدة وأخرى”.
وتشير النساء اللاتي يعملن في القطاف، إلى أنهن يحرصن أثناء القطاف على عدم إلحاق الأذى بالشجيرة لكون الوردة صديقتهن المفضلة في كل الفصول، لكن شهر أيار بالنسبة إليهن هو الأهم والأجمل.
وفي موسم قطاف الورد الذي يستمر عشرين يوما، ويبدأ عادة في أول شهر أيار -لكنه تأخر هذا الموسم نتيجة الظروف الجوية- ينضم الأطفال والنساء والرجال إلى جمع المحصول السنوي.
الجميع يشارك في هذا الموسم، لكن العبء الأكبر يقع على النساء اللاتي أكدن أنهن يعملن جنبا إلى جنب مع أزواجهن في زراعة الوردة الشامية، وهن من يقمن بعملية القطاف بمساعدة أولادهن، إضافة إلى تصنيع الشراب والمربيات من الوردة بشكل يؤمن لهم مردودا اقتصاديا يغطي حاجيات معيشتهم.
تقول سريا عباس زوجة ابن عربية التي تقطف الورود بطريقة لا تقل مهارة وخفة عن حماتها، “يقع العبء الأكبر لكل ما يتعلق بالوردة الشامية على عاتق النساء اللاتي يهيئن الأرض وقت الزراعة ويقطفن الورد ثم يحضّرن المنتجات بعد القطاف. لولا نساء قرية المراح لما استمرت هذه الوردة”.
وبمجرد الوصول إلى حقول الوردة الشامية المنتشرة في أراضي قرية المراح بمنطقة النبك في ريف دمشق، يسيطر على الزائر شعور بالألفة أمام لوحة طبيعية أبطالها سكان المراح المتحلقون حول الشجيرات لقطف ورودها في مشهد يعيده البعض إلى 800 عام، فتتخطى هذه الوردة كونها مجرد منتج زراعي مهم لتتحول إلى جزء من تراثهم وتاريخهم ثم حاضرهم ومستقبلهم عبر التوسع في زراعتها وتطويرها وإنتاج أصناف عديدة -منها ما هو غذائي ومنها ما هو تجميلي- لتصبح مطلوبة على المستوى العالمي.
تقول فاطمة عبدالمولى بيطار -سيدة سبعينية من عائلة تهتم بزراعة الوردة الشامية منذ سنين- “كبرت على محبة هذه الوردة، فأنا أرعاها وأتابعها وأجني محصولها منذ أن كان عمري لا يتجاوز العاشرة”.
وتعلّق سريا قائلة “كما كل نساء القرية، نتعلّم القطاف منذ الصغر. وبقدر ما أحب هذا الأمر، أجد أن أشواك الورود التي تمتلئ بها أيدينا كل يوم مؤلمة”. وعقب ذلك تضحك عربية لأن “نساء الجيل الأصغر أقل خشونة وقدرة على تحمل مشاق الحياة الريفية”.
ويتوجه الأهالي حسب حنان حافظ منذ ساعات الفجر الأولى إلى القطاف حيث تتحول الحقول المحيطة بالقرية الصغيرة طيلة الموسم إلى ما يشبه المهرجان، إذ تتمايل النساء بحركات منتظمة ليقطفن برقّة وعناية الورود ذات اللون الزهري المتداخل مع الأبيض ويضعنها في سلال ودلاء صغيرة أو جيوب قماشية معلقة على الخصر، ويعمل بعض الأطفال والرجال إلى جانبهنّ، وتنتشر في كامل المنطقة رائحة أخّاذة يفخر المزارعون بها كلما كانت فوّاحة أكثر، فهي تدل على جودة المحصول وحسن الاعتناء به.
وتصف النساء محصول الورد بأنه “أغلى من الذهب” و”أهم من النفط”، تقول عربيّة لـ”بي.بي.سي”، إن الورود الصغيرة التي لم تتفتح بعد، والتي تُعرف باسم “الأزرار”، هي الأفضل للتجفيف والاستخدام كأعشاب تُغلى، فلها خصائص مقاومة للبرد والمرض، بينما يمكن استخلاص ماء الورد وزيته من الورود الأكبر، كما أنها قد تحوّل إلى مربى أو شراب الورد.
رئيس جمعية المراح لإحياء وتطوير الوردة الشامية مدين بيطار، يتوقع أن يكون هذا الموسم مميزا نظرا إلى هطول الأمطار، ويتوقع أيضا أن يشهد المحصول إقبالا من قبل التجار.
وتوقع بيطار أن يتراوح إنتاج هذا العام بين 30 و35 طنا، علما أن سعر الكيلوغرام من الوردة الشامية بين 6 و8 آلاف ليرة (الألف ليرة سورية تساوي حوالي 2 دولار أميركي) وبين 2000 و2500 ليرة للورد الأخضر، معتبرا أن السعر يتناسب مع جهد الفلاح بينما يتراوح سعر الغرام الواحد من زيت الوردة بين 40 و45 ألف ليرة.
ويوضح بيطار لوكالة الأنباء السورية (سانا)، أن استخراج الزيت العطري يأتي من الورد الأخضر وأن الكمية المستخرجة تتراوح سنويا بين 200 و300 غرام، آملا أن تزيد في العام الحالي إلى 500 غرام.
ويوضح فؤاد البيطار المعني بالمنتجات التجميلية للوردة، أنه بدأ بإنتاج الكريمات عام 2010، مؤكدا أن عمليات استخراج الزيت العطري تحتاج إلى أجهزة متطورة ومساحات كبيرة، مبيّنا أن كل 11 طنا من أزرار الورد تعطي كيلوغراما من الزيت العطري في الأجهزة العادية في حين أن كل أربعة أطنان من الأزرار تعطي كيلوغراما من الزيت في الأجهزة الحديثة.
ولفت إلى أنه يستخرج خلال الموسم نحو 400 غرام فقط من الزيت العطري أغلبها تذهب هدايا والباقي يرسل إلى العطارين، علما أن هناك الكثير من التجار أبدوا استعدادهم لشراء أي كمية يمكن استخراجها من الزيت نظرا لارتفاع أسعارها في الخارج.
وتواجه الوردة الشامية صعوبات عديدة منذ الأزمة السورية، يقول المهندس الزراعي منصور عباس لـ”بي.بي.سي” إن “الخوف هو فعلا ما شعرنا به خلال أيام الحرب. الخوف على وردتنا، وهي أثمن ما نملك”.
وتسرد أم برهان -وهي من نساء المراح- تلك الصعوبات بطريقتها، حيث تتحدث عن ازدياد أعباء النساء بشكل خاص مع سفر ووفاة الرجال والشباب، وتقول بحزن “الزراعة للرجال والقطاف وما بعده من مهام النساء المعروفات بصبرهنّ، لكن الحرب غيّرت كل شيء”.
ومع سفر زوجها وابنيها وبقاء ابن واحد فقط في دمشق بغرض الدراسة، تحوّلت أم برهان إلى مشرفة على زراعة أرض العائلة والاعتناء بمحصول الوردة الشامية، وباتت مضطرة إلى الاستعانة بعمال لتنفيذ بعض المهام الشاقة كالحراثة التي كانت عادة من نصيب الذكور. وتقول “كل شيء اليوم أصبح صعبا ومكلفا”.
إلى جانب ذلك، تجد الوردة الشامية صعوبات في التسويق والبيع، فنقل الورود إلى الأسواق الداخلية والخارجية، والاعتماد على التجار الذين كانوا يحضرون إلى سوريا لشراء كميات كبيرة وتصديرها بغرض استخراج الماء والزيت العطري منها، لم يعودا سهلَيْن كما كانا قبل الحرب. وتبقى الوردة الشامية ينبوع الجمال والأنوثة المطلقة وأغنية الشعراء الأولى وعلامة تُمَيز الهوية السورية تنبت في كل بيت ويتسابق إليها تلامذة المدارس في الصباح ويضفي منظرها على المكان جمالية خاصة بألوانها ومن سوريا انطلقت زراعتها إلى أوروبا.!!
www.deyaralnagab.com
|