الكمأ ثمرة رزق تنقذ سكان البوادي في سوريا من ضيق الحال !!
30.03.2019
في ظل الضائقة الاقتصادية التي يعيشها السوريون اليوم، يلجأ سكان الأرياف والبوادي إلى الاعتماد على ما تجود به عليهم الأرض من خيرات ليساعدوا أنفسهم في توفير لقمة العيش التي صارت صعبة منذ سنوات الحرب، ومع بداية فصل الربيع انطلق سكان البادية في الحسكة ودير الزور يمشطون الصحراء بحثا عن فاكهة الكمأ التي توفر لهم رزقا وغذاء.
مع الموسم الوفير لها هذا العام، تحوّل البحث عن فاكهة الصحراء في مناطق تمتد من جبال القلمون حتى البادية السورية إلى نزهة لا تخلو من المخاطر، فجني الكمأ موسم رزق للكثير من العائلات خاصة المعوزة ينتهي كل سنة في شهر مايو مع بدء ارتفاع درجات الحرارة.
ومنذ سنوات فرّقت الحرب بين سكان البوادي وتقليدهم السنوي لجمع فاكهة بنت الرعد، فبعدما كانت الصحراء في دير الزور والحسكة مقصدا للباحثين عن الكمأ الغني بالفوائد، أصبحت اليوم تسكنها ألغام الدواعش ما زاد من خطر الرحلة التي قد تؤدي بحياة الناس.
يتحدث إبراهيم من ريف دير الزور، كيف فرَّقت الحرب بينه وبين التقليد القديم قائلا، “أشعر بضيقٍ في صدري لأنَّني لم أتمكن من الذهاب في الأعوام السابقة لرحلة الكمأ، لكنني هذه السنة سأغامر رغم المخاطر التي تنتظرنا، فعائلتي في حاجة إلى المال”.
وقبل سنوات الحرب اعتاد الناس الذهاب في رحلات شاقة إلى الصحراء لمسافات طويلة بحثا عن بنت الرعد وهو الاسم الذي يطلق على الكمأ في المنطقة.
ومع هطول الأمطار الغزيرة التي شهدتها مناطق بادية الحسكة ودير الزور زادت فرص ظهور نبات الكمأ الذي يتم جنيه عن طريق أهالي البادية من أصحاب الخبرة بالأراضي التي يتواجد فيها ولاسيما وأنها تشكل مصدر دخل موسمي لأهالي البادية.
السيدة عائشة من سكان البادية تستغل هذه الفترة للبحث عن الكمأ وتقول لوكالة الأنباء السورية، “نخرج من الصباح الباكر للبحث عن الكمأ وتستغرق عملية البحث ما بين 8 و12 ساعة يوميا بشكل منتظم، وهناك دلالات لظهور الكمأ وهي عادة ما ترتبط بظهور نبتة بجوارها تدعى الخشخاشة، وهذا دليل على أن الأرض فيها وفرة، وبمجرد العثور على كمأة واحدة تبدأ عملية البحث في محيطها بشكل دائري”.
وتتابع قائلة، “أن الكمأ ينمو تحت الأرض، وخلال البحث نركز على الفقع أو الأرض المتشققة والمرتفعة قليلا عن المستوى الطبيعي للمنطقة”، مؤكدة أن هذا الموسم يختلف عن كل المواسم السابقة لناحية ظهور النبات بشكل مبكر وكبير في أراضي البادية.
ويظهر الكمأ في الأرض غير المحروثة وتستعمل أداة حديدية لاستخراجها تسمى النبوت وهي عبارة عن سيخ حديدي مدبب الرأس ما يساعد على نزوله في الأرض وبعد العثور عليها يتم استخراجها وتبقى خميرتها معلقة فيها وعادة ما تنزع الخميرة وترمى في الأرض حتى تتكون في العام القادم وتصبح حبة كمأة جديدة.
وعن طريقة العثور عليها في أرض محروثة أو مرت بها المواشي يقول الحجي الشيخ الذي لم يغب عن موسم الكمأ إلا في سنوات الحرب الأخيرة، “طبعا يؤثر وجود المواشي في مناطق وجودها في عدم اكتشافها، لأن المواشي تدوس الأرض ما يخرب التشققات التي تدل على وجودها، فيمكن لصاحب الخبرة أن يكتشفها باستعماله النبوت حيث ينقر به الأرض فإذا بدت الأرض التي دخل فيها رخوة وسمع لها رنين خاص فهذا يدل على وجودها”.
ويؤكد معتز فرهود وهو أيضا من هواة نزهة الكمأ كما يسميها، “أن جني الكمأ يتطلب صبرا طويلا وخبرة في الأرض كونها تكون مختفية في باطنها ويتطلب من الباحث عنها العناية بإخراجها” وقال، “أكون في قمة الراحة حينما أبحث عن الكمأ إذ يبقى فكري مشغولا بالبحث عن الشقوق التي ينمو فيها، وأكون في غاية الفرح حينما أعثر عليها”، وأضاف رغم أن الموسم الحالي يعد استثنائيا من ناحية المنتوج إلا أنه لابد من الحذر جراء الألغام المزروعة في كل المنطقة.
ويتفاءل سكان البوادي السورية بهذا الموسم كما يؤكد ضيف الله الدكاك 80 عاما، مشيرا إلى أنه لم يشهد في عمره ولم يسمع عن موسم توفر فيه الكمأ والأجواء الممطرة والربيعية مثل هذا العام الذي يعد موسماً متميزاً ونادر الحدوث.
ويتابع الدكاك، “لي ذكريات كثيرة مع الكمأ حيث كنا نتجمع مع الأهل أو الأصدقاء للذهاب إلى الصحراء”، مضيفا، “جني الكمأ يتطلب مجهوداً جماعياً وهي مورد رزق كبير.. كنا نبحث لساعات ونقطع مئات الكيلومترات لنصل إلى المناطق التي تكثر فيها”.
الكثير من العائلات تجد في رحلة البحث عن الكمأ والأجواء الربيعية مناسبة للترفيه والنزهات لتحقيق الراحة والمتعة وهو ما يشير إليه أبوبهاء الحلبي بقوله، “الجمعة والسبت اصطحب عائلتي إلى الجبل للترفيه والتنزه والبحث عن الكمأ وخلال رحلة البحث نجتمع مع الأصدقاء والرفاق ونسترجع الكثير من الذكريات”.
وعن أنواع الكمأ يقول المهندس الزراعي محمد محسن بدران، إن للكمأ عدة أنواع، منها الكمأ الزبيدي ولونها أحمر مائل للسواد وتظهر في الأرض التي تربتها حمراء، وأيضا الخلاس والشويخ، وهو غالبا ما يكون كبير الحجم ولونه أبيض، ويظهر في الأرض التي تربتها كلسية وبيضاء، ويوجد ما يسمى التوبر وهو أصغر من الكمأة ولون قشرته سوداء وداخله أبيض.
ويضيف بدران، أن الكمأ من المواد ذات الفائدة الغذائية الكبيرة لاحتوائها على كميات كبيرة من المعادن والبروتين كما تمتاز بطعمها اللذيذ والشهي وتنبت في المناطق غير المزروعة “البور” وهناك عدة أنواع وأشكال لها ولعل أكثرها انتشاراً هو ما يطلق عليها محلياً الزبيدي.
وتتحدث أم محمد ربة منزل عن طرق تحضير الكمأ مستعرضة فنون نساء المنطقة في طبخها قائلة، “النساء في البلدة يتفنن في طبخ الكمأ بين مسلوق ومقلي مع البيض أو صنع المرقة باللبن منه أو إضافته على الرز أو إلى حشوة الكبة وننتظر موسم الكمأ كل عام بشغف فطعمه الفريد يجبر الناس على شرائه بأثمان باهظة”.
وفي أسواق الحسكة ودير الزور تختلط صيحات البائعين مع أصوات المتسوقين بأحاديث عن الكمأ وأنواعه وأسعاره حسب الحجم والنوع، حيث يشير البائع حسين غرة إلى أن نبات الكمأ متوافر وبكثرة وبأسعار في متناول الجميع، ويقول، “أسعار الكمأ شهدت هذا العام انخفاضا كبيرا، بسبب كثرة المعروض حيث انخفض سعر الكيلوغرام من 6 آلاف ليرة (حوالي 11.65 دولار) بداية الموسم إلى ثلاثة آلاف ليرة للنوعية الممتازة الحمراء والكبيرة بينما تباع الأنواع الأخرى الأقل وزناً بأسعار أقل لا تزيد على ألفي ليرة سورية”.
www.deyaralnagab.com
|