صابون غار الحلبي يستعيد بريقه في المدن السورية !!
16.03.2019
حلب - تنهض صناعة صابون الغار في حلب لأن السوريين ما زالوا يفضلونه في الاستحمام وغسل اليدين لما يحتويه من مواد طبيعية وعطور مميزة، كما كان السياح الأجانب قبل نشوب الأزمة يأخذون منه كميات كبيرة إلى بلدانهم كهدايا.
وبالرغم من الظروف الصعبة التي مرت بحلب، والدمار الذي لحق بالمعامل والأسواق الأثرية المهمة، إلا أن صناعة الصابون ما زالت حية، وعادت من جديد إلى دائرة الضوء، وراح يتفنن صانعوها في رصفها وتغليفها لتبدو جذّابة للعين.
ويعود تاريخ صناعة صابون الغار في حلب إلى ما قبل ألفي عام قبل الميلاد، ولم تتغير طريقة صناعته كثيرا منذ ذلك الحين، حيث لا تزال تحافظ على طريقة الإنتاج التقليدي شبه اليدوية مع بعض التطور مع مرور الزمن.
وللحفاظ على صناعة صابون الغار كهوية لهم ولبلدهم بدأ الحلبيون بإصلاح مصانعهم، والطريف أن صناع وتجار زيت الزيتون والصابون راحوا يعاونون بعضهم البعض على الوقوف على أقدامهم من جديد لتكون حلب نموذجا في التعاون وإحياء التراث والصناعات التقليدية.
يعود أصل تسمية صابون الغار إلى شجرة الغار دائمة الخضرة والمعروفة بفوائدها الصحية
يقول هشام جبيلي رئيس لجنة تصنيع صابون الغار في حلب لوكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، إن “تصنيع صابون الغار بدأ يتعافى شيئا فشيئا بفضل تضامن تجار الصابون مع بعضهم البعض”.
ويضيف، أنه “خلال الحرب، توقفت معظم المعامل عن الخدمة، واختار معظم المصنعين تصنيع كميات صغيرة من الصابون المصنوع يدويا في منازلهم للحفاظ على عملهم على قيد الحياة، وعندما أصبحت المدينة آمنة من جديد، نهض صانعو الصابون ليبدأوا بأعمالهم في المصانع التي نجت من الحرب مع القليل من الأضرار”.
ويعود أصل تسمية صابون الغار إلى شجرة الغار دائمة الخضرة المعروفة بفوائدها الصحيّة وأهميتها الاقتصادية موضحا أن زيت الغار يستخرج من ثمار أشجار الغار يدويا وهو زيت عطري يدخل في صناعة الصابون إضافة إلى زيت الزيتون. وتتشارك مجموعة من صناع الصابون في مساحة واحدة لتصنيع منتجاتهم حتى يتمّ إصلاح مصانعهم، وقد نجح هذا النهج حتى الآن في تحقيق الأرباح لجميع صانعي الصابون الذين تضررت أعمالهم خلال الحرب.
في هذا المصنع يعمل العمال بنسق محموم، وبعضهم يقوم بخلط وطبخ زيت الزيتون وزيت الغار والصودا الكاوية في وعاء كبير قبل الإفراج عن الخليط المستخلص عبر أنابيب إلى الطابق السفلي حتى يجف وبعد ذلك يأتي غيرهم من العمال ويقومون بتقطيع الصابون بشكل طولي ووضع ختم شعارات الشركات عليها يدويا وتركها حتى تجف ليتمكنوا بعد ذلك من تخزينها في فضاء آخر من المصنع.
يقول صفوان زنابيلي أحد حرفيي صناعة الصابون التي ورثها عن عائلته منذ أكثر من مئتي عام متحدثا لوكالة الأنباء السورية عن مراحل العمل، “إن العملية تتم عبر مراحل يتم خلالها وضع المواد داخل قدر أو آنية معدنية دائرية الشكل حيث يتم مزج المكونات وطبخها في حرارة عالية مع التحريك المستمر، فتوضع أولا مادة الصودا كوستيك القلوية بعد تحليلها في الماء بدلا من العشبة القلوية التي تسمى شنان والتي كانت تستعمل قديما قبل معرفة الصودا الكاوية، ثم يضاف إلى ذلك الزيت الذي يسمى زيت المطراف المستخرج من زيت الزيتون، ثم يضاف زيت الغار الطبيعي وهو مادة عطرية له فوائد عديدة وخاصة للجلد فهو يفتح المسامات فضلا عن رائحته الزكية، وبعد ذلك يتم مزج هذه المكونات جميعا حتى يتجانس الخليط ويتصبّن”.
وبحسب زنابيلي يترك الخليط عدة أيام ثم يتم إخراجه ووضعه في أماكن تسمى “المباسط” حيث تتم عملية بسط الصابون وتحديد حجم قطع أو لوح الصابون المراد تقطيعه بعد أن يبرد الخليط.
أحد العاملين في مجال صناعة الصابون منذ حوالي 40 عاما يوضح كيفية تقطيع ألواح الصابون باستخدام أداة خشبية يدوية بسيطة تسمى “المشح” بها يقاس ارتفاع لوح الصابون قبل أن تتم عملية تقطيعه، حيث يلبس العامل في قدميه القبقاب الخشبي المخصص لهذه العملية، والذي يكون عازلا للحرارة، ليتم تمهيد الوجه العلوي للصابون قبل تقطيعه، بعد ذلك تتم عملية ختم الماركة المسجلة التي تخص كل مصنع صابون على الوجه العلوي للوح الصابون حين يكون اللوح طريا قابلا للنقش عليه ثم تلي ذلك مرحلة عقد الصابون ليأخذ راحته بعد التقطيع.
وتسمى العملية قبل النهائية لصناعة الصابون “البيبرة” أي وضع ألواح صابون الغار مصفوفة فوق بعضها البعض على شكل هرم يسمى “البيبار” بغية نفاذ الهواء من أجل إتمام عملية التجفيف عندئذ يتغير لون الصابون من الأخضر إلى الأصفر ويصبح يابسا ثم يعبّأ ويغلف.
ويختلف لون صابون الغار عن غيره من أنواع الصابون بوجود طبقة خارجية ذات لون أصفر ذهبي أما لونه الداخلي فيبقى أخضر فاقعا، وذلك دليل على حداثة صنعه ولكن مهما تقادم يبقى محافظا على رائحته المميزة والمنعشة ورغوته الكثيفة.
ويقول جبيلي، “شيئا فشيئا بدأ تصنيع صابون الغار يستعيد عافيته، وفي العام الماضي كمصنعين فقط، حاولنا جمع كل حرفيي الصابون الذين تم العثور عليهم بعدما تعطلت وتضررت معاملهم، وبدأوا يعملون في هذا المعلم ريثما يتم إصلاح وترميم معاملهم”.
ويشير، إلى أن “هذه البادرة شيء إيجابي للغاية لأننا من جهة نساعد بعضنا البعض في إحياء صناعة صابون الغار”.
ويضيف، أن “الصابون المصنوع يدويا، ليس منتجا فحسب، بل كائنا حيا لأن الحرفيون ينشئونه بأيديهم ويغذونه كطفل رضيع على مدى أيام وأسابيع وأشهر”.
ويستغرق صنع صابون الزيتون شهرين في الشتاء بعد حصاد زيت الزيتون وبعد ذلك يتم حفظ الصابون للصيف حتى يتحول لونه إلى اللون الأصفر لتتم تعبئته وتوزيعه.
ويختلف لون صابون الغار عن غيره من أنواع الصابون بوجود طبقة خارجية ذات لون أصفر ذهبي أما لونه الداخلي فأخضر فاقع.
ويقول صناع الصابون، أن الطقس البارد والجاف لحلب في فصل الشتاء والحار والجاف في الصيف يجعلها المكان الأمثل لتصنيع الصابون، ولهذا السبب تشتهر حلب بهذه الصناعة.
وبما أن صابون الغار المصنع من زيت الزيتون هو عنصر مهم جدا للتصدير، فإن الحفاظ على جودته يساعد بالتأكيد التجار على تصدير الكثير من هذه المواد لتعزيز الوضع الاقتصادي لإعادة بناء مصانعهم ومساعدة المدينة على العودة إلى ما كانت عليه قبل سنوات من الحرب.
ويضيف جبيلي “إن إنتاجنا في الوقت الحاضر هو بنفس الجودة التي كانت عليه من قبل وحتى أفضل لأن أعمال صابون الغار تساعدنا على تحسين أعمالنا وبالتالي الاقتصاد الوطني من خلال التصدير، لذلك نحن نعمل بجد لجعله أفضل جودة وأحسن مما كان عليه قبل الحرب والجميع يحاول صنع صابون عالي الجودة للتمكن من التصدير وإدخال العملة الأجنبية إلى البلاد وإعادة بناء مصانع المدينة”. وختم قائلا إن دولا أوروبية وأخرى آسيوية لديها مطالب لهذا النوع من الصابون، مشيرا إلى أن الصادرات تأثرت خلال الحرب و”الآن نحن نعود بأيد ثابتة”
www.deyaralnagab.com
|