حليب الإبل يعيد الاهتمام بتربية سفن الصحراء في الهند !!
07.02.2019
راني (الهند) – ولّى زمن قوافل الجِمال المخصصة لنقل الركاب والأغذية والماء في صحاري منطقة راجستان، إذ تحوّلت وجهة استخدام هذه الحيوانات في المجتمع الهندي المعاصر وبات الطلب يتركز خصوصا على المنتجات المصنوعة من حليب الإبل.
في الغرب الهندي القاحل، كانت الجمال المعروفة سابقا بـ”سفن الصحراء” عنصرا لا غنى عنه في حياة البشر. غير أنها دفعت ضريبة باهظة جراء التطوّر بعد أن باتت التنقلات البرية أسرع بكثير، فيما استبدلت بالآلات في الحقول الزراعية.
ويقول لاكشمان رايكا وهو حارس لقوافل الجمال في قرية راني المعزولة في راجستان “قبل فترة ليست ببعيدة، كانت المرتبة الاجتماعية لعائلات القرية تُحدد عبر حجم القطيع الذي تملكه من الإبل، غير أن الوضع لم يعد كذلك بعد أن انتهت مهماتها في النقل والسفر”.
ويشير إلى أن “الجمال تعامَل هذه الأيام كالعجائز، لا أحد يريد الاهتمام بها”. وهو ما اضطره لتقليص قطيعه إلى النصف لخفض تكاليف الرعاية بهذه الحيوانات التي تراجع سعرها بصورة كبيرة ما دفعه إلى بيع الكثير منها لأقارب له بمبالغ زهيدة.
ويشير المركز الوطني للبحوث بشأن الجِمال إلى أن عدد هذه الحيوانات تراجع بنسبة 30 بالمئة في الهند خلال بضع سنوات فقط.
وهذا الوضع بات “يبعث على القلق”، بحسب ن. ف. باتيل مدير هذا المركز الرسمي المقام في بيكانر في راجستان على بعد 500 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من العاصمة نيودلهي.
غير أن سوقا متخصصة تشق طريقها حاليا مقدمة فرصة مميزة لأصحاب الجمال لإيجاد عمل جديد، إذ تلقى ألواح الشوكولاتة والصابون ومستحضرات العناية بالبشرة المصنوعة من حليب الإبل رواجا متزايدا في مدن البلد العملاق في جنوب آسيا.
وتشتري شركة هيتيش راثي التي أسست قبل ثلاث سنوات، وهو من طلائع المستثمرين في هذا المجال، ما يصل إلى سبعة آلاف لتر من حليب الإبل شهريا.
ويقول رجل الأعمال هذا، “هذه السوق والطلب على حليب الإبل والمنتجات المتصلة به في نمو ثابت، لكننا أمام تحد لتعريف الناس بوجود هذه المنتجات مع الإضاءة على منافعها”.
غير أن بيع حليب الإبل قد يكون مهمة معقدة في بلد يكرّم أكثرية سكانه الأبقار ويتناولون حليبها ليس لمنافعه الصحية وحسب بل الروحية أيضا.
صفر بالمئة نسبة السكري عند مربي الجمال في الهند والذين يتناولون كميات كبيرة من حليب الناقة
وبالتالي يتطلب تعويد الناس على تناول حليب الإبل الأكثر سماكة وملوحة من حليب البقر بذل جهود مضنية.
لكن يمكن في هذا الإطار التركيز على المنافع الغذائية الهامة لحليب الإبل إذ أثبت باحثون أنه يحوي مستويات مرتفعة من الإنسولين والبروتينات ما يجعله ملائما بشكل خاص لمرضى السكري. وقد وجدت دراسات أن نسبة السكري عند مربي الجمال في الهند والذين يتناولون كميات كبيرة من حليب الناقة هي صفر بالمئة مقارنة مع 5.5 بالمئة في المجتمعات الأخرى.
كما وجد حديثاً أن استعمال حليب الناقة من قبل مرضى السكري من النوع الأول يخفض من احتياجاتهم اليومية للإنسولين بنسبة تتراوح بين 30 و35 بالمئة، وذلك بسبب احتوائه على الإنسولين، والبروتينات الشبيهة بالإنسولين.
ويأمل الباحثون بإنقاذ أعداد الجمال عن طريق إنشاء شراكات مع رواد أعمال ممن يحتاجون الحليب الطازج للحصول على منتجات مصنوعة من الحليب، بما في ذلك الشوكولاتة والجبن والآيس كريم والحليب المجفف، خاصة وأن حليب الإبل الذي يعتبر ضربا من الأغذية فائقة الجودة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، يعتبر منتجاً ثانويا في بلد أغلبيته هندوسية تعتمد ألبان الأبقار بشكل حصري.
وتُظهر سوق هذه المنتجات الجديدة إشارات مشجعة، حيث تبيع شركة “أمول” وهي من الأكبر في مجال إنتاج الحليب ومشتقاته في الهند، منذ يناير، عبوات من حليب الإبل في المتاجر الكبرى في مدن ولاية غوجارات (غرب).
وكانت هذه التعاونية تقدم لزبائنها نوعا من الشوكولاتة المصنوعة من هذا الحليب. إلا أن ضمان استمرار التموين ومراقبة الجودة ليسا بالمهمة السهلة في هذه السوق الناشئة، لكن المسؤول في مركز البحوث بشأن الجِمال التابع للحكومة بي كي سوال يشير إلى أن هذه التجارة قد تسمح على المدى البعيد باستقرار عدد هذه الحيوانات.
وهو يوضح “سيكون لهذه المجتمعات التقليدية حافز اقتصادي للإبقاء على قطعانهم بموازاة ازدياد الطلب على الحليب وباقي منتجات الإبل ونضوج القطاع”.
وفي سوق بوشكر الشهيرة التي تستقطب سنويا أعدادا كبيرة من السياح الراغبين في التمتع بمناظرها الملونة، حيث تطرح عشرات الآلاف من الحيوانات للبيع، تشهد صفقات الجِمال تراجعا كبيرا.
وتأمل السلطات في القضاء على هذا التراجع من خلال إقامة صلة وصل بين أصحاب هذه الحيوانات ومستثمرين باحثين عن مواد أولية لإطلاق مجموعة جديدة من المتاجر المتخصصة في المنتجات المتصلة بالجِمال كالحليب والشوكولاتة والأجبان والمثلجات.
ويشكل راكيش رايكا نجل لاكشمان الجيل التاسع من حراس القطعان في قبيلته. وهو بات يبيع حليب الإبل المنتج في العائلة ما يتيح له كسب بعض الأرباح مع الحفاظ على التقاليد.
ويقول متحدثا عن والده “لولاه لكنا بعنا القطيع”، مضيفا “نأمل أن تزدهر سوق حليب الإبل هذه إذ إنها ستساعد كثيرا مجتمعاتنا على النمو”.
www.deyaralnagab.com
|