البيت الدمشقي القديم عالم من التفاصيل خلف الباب!!
22.11.2018
دمشق - تقاليد بناء البيت الدمشقي تعتمد على الإبداع والسخاء في التصاميم والزخرفة في الداخل، أما خارج البيت فهو ليس بنفس الجمال إلا إذا استثنينا بعض البوابات للقصور الدمشقية، ففي الحواري المتعرجة بيوت متعانقة متلاصقة تعكس طبيعة سكانها لتختصر بذلك بعضا من صفات مدينة دمشق القديمة بكل ما تمتلكه من إرث حضاري وتاريخي وإنساني وأسلوب عمارة بطرازها الفريد أدهشت كل من زارها لتستحق إدراجها على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو.
وتتصدر البيوت القديمة ببنائها المتقن مزايا العمارة الدمشقية بأدق تفاصيلها التي اهتمت بكل شيء، ففي زاوية نجد بروزات معمارية تبدو كمظلة تقي من مطر الشتاء.
وفي زاوية أخرى عرائش نباتات خضراء متدلية تخفف من وهج شمس الصيف، أما الساحة بين البيوت، فمحددة للباعة الوافدين من القرى المجاورة كخلاصة لإبداع المعماري الدمشقي الذي لم يكتف بتزيين داخل البيت، بل ذهب إلى حارات وأزقة المدينة ليسطر ما يدهشنا من المشاهد الجمالية.
الباحث الآثاري حسان النشواتي ذكر في حديث لوكالة الأنباء السورية (سانا)، أن هناك الكثير من العلماء الذين أدهشتهم عبقرية العمران الدمشقي بما عكسه من ثراء التقاليد الفنية للعمارة السورية في دقة الصنعة وانتقاء الموضوعات الزخرفية مثل خان أسعد باشا وغيره. عناصر العمارة الدمشقية الفريدة تبدأ حسب النشواتي من البيت الدمشقي الذي يحتوي إبداعات معمارية وتزيينا بالخط العربي الذي نجده في الجدران والأسقف حول أبيات الشعر والحكمة، أو وثيقة تؤرخ للمكان لتعكس هذه السمات الذوق الفني والتقاليد الاجتماعية والتكوين الأسري السائد في المدينة.
وأضاف النشواتي، أن “التقسيمات والفراغات في البيت الدمشقي تراعي حالات الطقس وفصول السنة، ومنها المربع والليوان والداور والفرنكة والمشرقة والمخدع والقاعة وغيرها ولكل عنصر منها حاجته ووظيفته التي انبثقت من حاجة ساكن البيت”.
ويبين النشواتي، أن البيوت الدمشقية تختلف عن بعضها في المساحة وفي تعدد مرافقها وفي درجة تزيينها ونقشها ولكن التشابه ثابت في ملامحها العامة وأساسيات عناصر تكوينها. ويقال إن أول بيت عربي شيّد في دمشق كان للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان حيث شيّده أيام ولايته على الشام بالقرب من الجامع الأموي وعرف باسم قصر الخضراء نسبة إلى القبة الخضراء التي كانت تعلوه، وكان داراً للولاية وسكنه معاوية 40 سنة كما يقول ابن كثير. وبسبب الخصائص المناخية، اجتهد المعماري السوري لحماية البيت الدمشقي وعزله عن المؤثرات الخارجية عبر العناصر المعمارية التي هي النسيج العمراني باتباع أسلوب تجميع المباني والتقليل من تعرض أسطحها لأشعة الشمس المحرقة.
وتسهب الباحثة ناديا نصير في الحديث عن عبقرية العمران في دمشق القديمة والذي كان مدرسة في مفهوم الاستدامة ولا سيما أنه حقق أعلى درجات الحفاظ على البيئة المحيطة وتفاصيل البيت الدمشقي كوحدة مصغرة هي أوضح دليل. وتشرح نصير فكرتها، أنه من لحظة الدخول إلى أي بيت دمشقي بدءا من الحارة الضيّقة عبر باب الدار الذي يتميز دائما بتواضعه، ثم العبور إلى المدخل الذي يتميز دائما بعتمته، ثم الدخول إلى باحة الدار يصدم الزائر بثراء الطبيعة فيه وجمالها، كما يغمره نور يتلألأ في صحن هذه الدار المربع الذي يكمن فيه، الإعجاز الأكبر حيث يعتبر رئة التنفس الأساسية للسكان. وللهواء في هذه البيوت مهمات عدة برأي نصير، تتمثل بالتدفئة والتكييف لكل الفراغات وتأمين الأوكسجين والرطوبة وحماية البيت من الرمال والتلوث.
وأشارت في الوقت نفسه، إلى أن البيت الدمشقي محمي من التأثيرات المناخية في الصيف والشتاء من خلال حسن استخدام وتوزيع الفراغات فيه الذي يعطي إمكانات خدمية اجتماعية إنسانية لوجود ثلاثة أجيال في ذات الوقت.
وراعت عمارة البيوت في دمشق القديمة البناء البيئي بالمفهوم الحديث في مجال المدن حيث ترى نصير أن التجمع الكتلي لمكونات المدينة وتصميم الأبنية ناسب الاحتياجات الحقيقية للمستخدمين وتعاون الحرفيين لتحقيق ذلك بجودة فنية عالية أدى لتحسين شروط الحياة الخاصة والصحية والاقتصادية. ولا تحقق العمارة في دمشق القديمة مفهوم الاستدامة فقط، بل إن الباحثة نصير تضيف لها مفهوما آخر يحمل الأهمية نفسها
وهو وحدة التنوع، ويتجلى ذلك في تنوع التاريخ والحضارات والأديان والعناصر الإنشائية والزخرفية والفنية والحرفية المؤلفة للمنزل.
التنظيم العمراني في دمشق القديمة الذي استلهمته مدن بأكملها حول العالم يستدعي تطويره كإرث حضاري محلي واعتماده نموذجا بحيث يؤثر في المنازل الحديثة ويستعيد إرث الأجداد.
www.deyaralnagab.com
|