الربيع موسم التسامح في جزيرة الأحلام التونسية !!
01.05.2018
*جربة تستعد لاستقبال اليهود في احتفالاتهم الدينية حيث تتميز الجزيرة بتنوعها الثقافي والإثني وخاصة أنها تضم معبد الغريبة، الأشهر والأقدم في أفريقيا
جربة (تونس) - تفاخر جزيرة جربة التونسية بشواطئها الذهبية على ضفاف البحر المتوسط وطقسها المشمس وأشجار النخيل المنتشرة في ربوعها، وهي عوامل رسخت صورتها كمقصد مهمّ للسياح في العالم.
لكن هناك عاملا آخر أيضا يلعب لمصلحة الجزيرة ذات التنوع الثقافي والإثني في الجنوب التونسي، وهي أنها تضم معبد الغريبة، الأشهر والأقدم في أفريقيا، حيث تقام سنويا في فصل الربيع الاحتفالات الدينية، كمقدمة لذروة الموسم السياحي الصيفي في الجزيرة.
وفي كل عام من موسم الربيع تبدأ الاستعدادات الأمنية على قدم وساق في الجزيرة، فالهدف الذي يتسابق من أجله الحرفيون وصناع القطاع السياحي والأقليات المتعايشة في جربة، هو إنجاح احتفالات معبد الغريبة بأي ثمن.
ويقول يوسف المولود بالجزيرة منذ عام 1950 “ننتظر زيارة الغريبة بشغف لنتعبّد ونرفع أمانينا.. إنها مكان مبارك للجميع تقصدها عند الضيق والفرح وفي الأعياد وعند الزواج”.
وتدرك السلطات المحلية في الجزيرة، أن الانتعاش الاقتصادي في الجهة يتوقف بشكل كبير على نجاح الاحتفالات السنوية، في أكبر مزار للأقليات اليهودية في تونس وفي العالم، وفي عدد أيضا من المهرجانات الثقافية.
وتستحضر سمية بن صالح مشاركتها كمنشطة للمهرجان الدولي “موسيقى جزر العالم” الذي نظمته الجزيرة قبل سنوات قائلة، “يمكن أن تشعر بسحر الجزيرة وأنت تحلّق فوقها بالطائرة. تطل من النافذة، فتغازلك أنوارها الخافتة. زرتها في الشتاء كانت هادئة جدا. وشواطئها تشبه إلى حد كبير جزر الهاواي لكثرة أشجار النخيل على رمالها”.
تلتقي في جزيرة جربة التونسية كل الأحلام والديانات وخاصة في موسمي الربيع والصيف، فصلا الراحة والاستجمام والبحر. هذه الجزيرة التي عرفت بالتعايش بين المسلمين واليهود منذ مئات السنين، ومازال التسامح بينهم يتواصل، حيث يحتفل اليهود الذين يأتون من مختلف دول العالم إلى معبد الغريبة بالصلاة والأدعية والحصول على بركة الخامات
وتتابع بن صالح في سرد جولتها، “معبد الغريبة مكان مثير للزائرين يمكن أن تلاحظ أيضا العدد الكبير جدا للجوامع في كل أرجاء المدينة، لكن الجزيرة تفتقر لبنية تحتية تليق بطبيعتها الخلابة، أزقتها قديمة وبناياتها مهترئة في جانب كبير منها”.
وتمسح الجزيرة أكثر من 520 كيلومتر مربع وطول شواطئها 125 كيلومترا، تصلها البواخر بباقي التراب التونسي، ولكن هناك أيضا طريق صخري وضعه الرومان في العصور الوسطى لربطها بمدينة جرجيس المجاورة.
ويطغى اللون الأبيض والأزرق بشكل كامل على المدينة، والمنازل ذات معمار فريد يعتمد في أغلبه على الطراز الإسلامي لكنه غير مكشوف على الخارج، وهو عبارة عن بيوت ذات نوافذ منخفضة يجمعها فناء في الوسط. وتحيط بالدار أرض مزروعة من أشجار النخيل والزيتون.
وتنفرد الجزيرة بانتشار واسع للجوامع الصغيرة ذات الاستخدام العائلي، إذ يمكن أن تلاحظ في مناطق محددة جامع لكل لبيت. ولكن لهذه المساجد ميزة فبعضها محفور في الصخر على طريقة القصور البربرية وبعضها يتوزع على فضاء مبلّط.
وتشير دراسات المؤرخين إلى أن أغلب المساجد التي شيّدت قديما خاصة على سواحل جربة كانت تقوم، علاوة على دورها الديني والاجتماعي والتعليمي، بأدوار المراقبة والإنذار المبكر في جزيرة مفتوحة على كل الجهات.
وعلى الرغم من اختلاف الحضارات والغزاة الذين مروا على الجزيرة منذ الإغريق والفينيقيين والرومان والعرب والأتراك والأوروبيين، استطاعت جربة أن ترسخ مشهدا ثقافيا مركبا ومتناغما.
ويعد معبد الغريبة إحدى العلامات البارزة لهذا التنوع حتى اليوم، على الرغم من التراجع الكبير لعدد اليهود في تونس، حيث يقدر عددهم الآن بنحو ألفين، بعد أن كانوا في حدود 100 ألف في منتصف القرن الماضي، إذ هاجر أغلبهم نحو أوروبا وإسرائيل مع اندلاع الحروب العربية الإسرائيلية.
وتقطن الغالبية من الطائفة اليهودية في جربة في حي يسمّى “الحارة الكبيرة” بمنطقة حومة السوق، لكن المعبد يتواجد على مسافة نحو 3 كيلومترات عن ذلك المكان، في منطقة الرياض أو ما يطلق عليها الحارة الصغيرة.
وتختلف الروايات حول ظروف تشييد المعبد الذي يعود إلى نحو 500 عام قبل الميلاد. وهو يتكون من بنايتين كبيرتين، الأولى مخصصة للعبادة وأداء أغلب طقوس الزيارة التي تمتد على يومين، والثانية مخصصة للاحتفالات وتقديم الأطعمة.
ويقول سيون أحد يهود جربة “يحتفظ المعبد بقدسيته لكن الزيارات السنوية تجاوزت بعدها الروحاني والعقائدي وأصبحت ذات طابع سياحي وفرصة للتعارف وربط علاقات تجارية أو عاطفية”.
وإلى جانب الصلاة والأدعية والحصول على بركة الخامات تنفرد الاحتفالات في “الغريبة” بإحياء طقوس مختلفة من بينها إشعال الشموع داخل الكنيس وذبح قرابين (الخرفان) والغناء وتناول نبيذ “البوخة” المستخرج من ثمار التين، وكتابة الأماني على قشور البيض ووضعها في قبو المعبد المقدس.
وتعتقد الزائرات للمعبد أن الإقدام على تنفيذ تلك الطقوس يمهد لقضاء الحوائج مثل فتح أبواب الرزق أو الزواج أو الإنجاب أو الشفاء من الأمراض.
وفي العادة تجتذب هذه الاحتفالات الآلاف من اليهود عبر العالم، لكن أعدادهم تقلصت منذ أحداث الثورة عام 2011 بسبب الاضطرابات الأمنية وتصاعد عمليات مكافحة الإرهاب.
ويقول رئيس هيئة المعبد بيريز الطرابلسي “الوضع الأمني في الجزيرة مطمئن الآن ولا يوجد أي تهديد للاحتفالات، لكن من الطبيعي أن تدفع تقارير الإعلام حول الإرهاب في العالم إلى الخوف، لا يتعلق الأمر بتونس فقط”.
www.deyaralnagab.com
|