logo
1 2 3 41134
ماء ساخن طوال العام في حمام ملاق الروماني بتونس!!
20.04.2018

معلم شاهد على حضور بشري متميز منذ ما قبل التاريخ يشكّل من خلال مياهه طريقة علاجية لافتة، ويطلق عليه اسم "الطبيب الصامت" لفوائده في شفاء المرضى.
الكاف (تونس) - ينتصب “حمام ملاق” الذي تنبع مياهه الساخنة على ضفاف وادي ملاق وسط غابات الصنوبر الحلبي على بعد 15 كلم غرب مدينة الكاف التونسية أو “سيكافينيريا” كما كان يسميها الرومان.
منبع للمياه الحارة، يقصده الكثير من الزوار من تونس وخارجها للتداوي بمياهه النابعة من بين صخور جبال الكاف شمال غربي تونس أطلقت عليه تسمية “حمام ملاق” وهو من أغنى المواقع الجيولوجية في العالم إذ تعددت الروايات التاريخية حوله.
غير أنّ أشهرها تظل تلك التي تقول إنّ الإمبراطور الروماني هادريان (حكم بين 117 و138 ميلادي)، توقّف بالمنطقة خلال زيارته للجيش الروماني المرابط بنوميديا، والأخيرة منطقة كانت تقع في ذلك الوقت، بين تونس والجزائر.
وتفيد تلك الرواية بأن احتفاء سكان تلك المنطقة بالإمبراطور دفعهم إلى بناء حمام له، حيث تفنّن البناؤون في تشييده ليجعلوا منه تحفة معمارية. ويضم الحمام غرفتين، واحدة خصصت للرجال وأخرى للنساء، وداخل كل منهما يوجد حوض ينبع منه ماء طبيعي حار.
تضم المحافظات التونسية العديد من المعالم التاريخية والأثرية التي تجمع بين التأريخ للحضارات القديمة التي مرت بالبلاد من جهة وبين إمكانيات الاستفادة منها اقتصاديا من جهة ثانية. وتنتشر الحمامات الاستشفائية في العديد من المناطق الجبلية في تونس ومن بينها “حمام ملاق” في محافظة الكاف الذي يعد معلما جاذبا للزوار من تونس ومن خارجها للاطلاع على آثاره والاستمتاع بالطبيعة وللاستفادة من مياهه الطبيعية الساخنة في علاج العديد من الأمراض
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في علم الآثار محمد التليلي “توجد حول هذا المعلم التاريخي مدينة كاملة يعود تاريخها إلى القرن الثاني بعد الميلاد، وذلك ما توصلت إليه دراسة النقوش اللاتينية الموجودة فيها وأسلوب البناء أيضا”.
وأوضح التليلي أن “حمام ملاق يشكّل من خلال مياهه طريقة علاجية لافتة، ويطلق عليه اسم ‘الطبيب الصامت’، نظرا لفوائده في شفاء أو تحسين حالة الأشخاص المصابين بعدة أنواع من الأمراض”.
وتابع أن الكثير من الطقوس كانت تقام في هذا المعلم المتكون من العديد من القاعات والأحواض، كما يضمّ قبابا، وأرضية من الرخام، ويحتوي على جميع المكونات اللازمة.
ويضيف الباحث التونسي في علم الآثار أنه “في القديم كان الأطباء ينصحون المرضى بالذهاب إلى حمام ملاق، ومن بينهم الطبيب الشهير آنذاك سالسيس، والذي كان ينصح مرضاه وخصوصا جرحى الحرب، بالتداوي بمياه النبع الحارة”.
وفي ذلك الوقت أيضا، كان الناس يتقربون من إله الطب بتقديمهم القرابين في هذا المكان، كما كانوا يقيمون به لمدة 3 أسابيع للعبادة والتداوي بمياه الحمام، في ظاهرة تعود جذورها إلى أزمنة غابرة.
وأعرب التليلي عن أمله في أن يتحوّل الحمام في القريب إلى مركز استشفائي أو قرية استشفائية، بمواصفات دولية تتماشى مع طابع المنطقة، وتستقطب السياح من داخل البلاد وخارجها.
ويقول مختصّون في الصحة إنّ مياه حمام ملاق تعدّ من أجود المياه الجوفية الساخنة، ولها عدة فوائد في علاج الأمراض الجلدية والحساسية وأمراض المفاصل وغيرها.
ويعد حمام ملاق اليوم وجهة طبية استشفائية ووجهة سياحية في نفس الوقت، إذ يقصده عدد كبير من السياح من مختلف المحافظات التونسية ومن أنحاء العالم. ويقوم الزائرون للحمام عادة بنصب الخيام حوله، ليتمكنوا من البقاء مدة طويلة قد تمتد إلى أشهر للتداوي بمياهه الطبيعية الساخنة.
وبحسب بيانات “الديوان التونسي للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه” (حكومي)، يعود تاريخ العلاج بالمياه في تونس إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد.
وتقول الدراسات التاريخية إن الرومان عند قدومهم إلى تونس عام 146 قبل الميلاد، كرسوا أنفسهم لعبادة المياه، واهتموا بشبكاتها، وكانت الحمامات الساخنة تتميز باتساع مساحتها، وتستخدم للأغراض الطبية، حيث كانت تعدّ من بين الأماكن العامة التي تحظى باهتمام كبير من حيث تزيينها والعناية بها، فتجدها تضم أجمل المنحوتات واللوحات والتماثيل.
وتقول حدّة، المشرفة على حمام ملاق، إن “لمياه هذا الحمّام العديد من الفوائد العلاجية التي تم التعرف عليها منذ القدم، مثل علاج الأمراض الجلدية والحساسية وأمراض المفاصل، إضافة إلى العديد من الأمراض الأخرى”.
وأضافت أنّ الحمام يستقطب عددا كبيرا من السياح من كافّة أرجاء العالم، ويعود تشييده إلى 2200 عام مضت، مشيرة إلى أن هذا المعلم الأثري حافظ على شكله المعماري القديم، ولم يتغير فيه أي شيء باستثناء إدخال بعض الترميمات البسيطة اللازمة.وتؤكد المشرفة على الحمام أن التونسيين يتوافدون عليه من كامل أرجاء البلاد، وينصبون الخيام حوله، ويقضون أشهرا للتداوي بمياهه، وتضيف أن بعض الزوار من المرضى يأتون إلى الحمام في حالة صحية متدهورة وبعد قضاء فترة العلاج بمياهه الطبيعية الساخنة المنصوح بها لحالتهم لمدة زمنية طويلة تتحسن صحتهم بشكل ملحوظ.خيام متناثرة حول الحمام، جاء سكانها من مختلف المدن التونسية بحثا عن علاج لأمراض جلدية أو عضوية أرهقتهم وفشلوا في علاجها، فيما يأتي البعض الآخر بحثا عن الاستجمام والاستمتاع بالمياه الطبيعية الساخنة.يوسف الصغيري، من مدينة تالة التابعة لمحافظة القصرين وسط غربي تونس، أحد زوار حمام ملاق، قال “جئت أستمتع بالمياه الطبيعية الحارة، فقد قيل لي إنها تعالج الأمراض المزمنة”. وتابع “وجدت المكان رائعا بمناظره الطبيعية الجذابة وبغاباته الكثيفة”.وعلاوة على حمام ملاق، تزخر محافظة الكاف بموروث حضاري عريق، ومخزون ثقافي وطبيعي غاية في التنوع والثراء، حيث تروي معالمها وشواهدها البصمات التي خلفتها الحضارات والثقافات المتعددة التي ازدهرت في تونس.وتقف المواقع التاريخية والأثرية والمعالم الموزعة في أرجاء المحافظة، شاهدة على حضور بشري متميز بداية من عصور ما قبل التاريخ، مرورا بالعهود الفينيقية والرومانية والنوميدية والعربية والعثمانية!!


www.deyaralnagab.com