logo
1 2 3 41134
الرصاص العشوائي يسرق الزغاريد من أعراس ليبيا!!
10.03.2018

إطلاق النار في الأفراح يثير موجة سخط في بنغازي وانتشار الأسلحة وراء انتشار "الثقافة القاتلة" التي تجتاح البلاد، وتحوّل الأفراح إلى أتراح.
طرابلس – “مقابل كل عرس عزاء، ومع كل عريس قتيل”، هكذا علقت نجوى الضاوي، المواطنة الليبية من مدينة بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس)، على ظاهرة إطلاق الرصاص في الهواء عشوائيا خلال المناسبات التي أصبحت ثقافة قاتلة في مدينتها.
ففي بنغازي يطلق المواطنون في مناسباتهم الاجتماعية الرصاص عشوائيا للتعبير عن سعادتهم بحدث ما أو عن حزنهم على أمر ما، بينما قد تصيب لا محالة تلك الرصاصات التي صعدت إلى السماء أو تسقط على رؤوس ضحايا لا ذنب لهم إلا أنهم يسكنون تلك المدينة.
عاصمة الشرق الليبي، التي يسكنها قرابة المليون نسمة، لا تكاد تجد فيها أحدا لا يملك سلاحا، فهي المدينة التي انطلقت منها الثورة ضد نظام الراحل معمر القذافي، الذي جرى اقتحام مخازن سلاحه هناك في 2011، ليستولي السكان على أكثر من مليونَيْ بندقية، ناهيك عن السلاح الذي أُدخل إليها أثناء الحروب التي شهدتها طوال السنوات السبع التي أعقبت الثورة. وعن ذلك تقول نجوى الضاوي إن “المحتفلين بالأفراح في بنغازي، يطلقون كمية كبيرة من الذخيرة تكفي لتحرير فلسطين”.
وتتابع متأسفة “أصبح مع كل عريس يزف إلى زوجته قتيل يرسل إلى قبره، لأن الرصاص يصعد إلى السماء ويهبط على الناس، وكل ذلك في غفلة من الأجهزة الأمنية”.
عن سبب إطلاق النار في الأفراح والأتراح يقول فرج المبري، الطبيب النفسي الليبي، إنه يعود إلى “الحروب التي شهدتها المدينة، وعقلية المواطن أصبحت تبيح له فعل ذلك، ومعظم الشباب شاركوا في المعارك، وأصبح سماع أزيز الرصاص وحده من يطرب أذنه ويريح نفسه”.
حين يغيب القانون وتعم الفوضى يصبح التعبير عن الفرحة بإطلاق الرصاص عشوائيّا، فيخلف ضحايا أبرياء لا ذنب لهم سوى صدفة جمعتهم بمتهورين يستعرضون قوتهم دون قراءة العواقب الوخيمة التي خلفتها هذه الظاهرة في مناطق عديدة من الوطن العربي وانتشرت مؤخرا في ليبيا بسبب انتشار الأسلحة في السنوات الأخيرة
وأضاف المبري “بعد 2011، واطاحة الثورة بنظام القذافي، وجب على السلطات إنشاء مراكز تهيئة نفسية للمحاربين من أجل تخليصهم من الأذى النفسي الذي تسببت فيه الحروب، ورؤية الدماء والأشلاء البشرية”. وتابع “لكن السلطات ارتكبت جريمة كبرى، عندما دمجت أولئك المحاربين، الذين تعودوا على الدم والقتل، في المجتمع بشكل مباشر”.
وأشار الطبيب النفسي الليبي إلى أن “الأمر ذاته حصل حاليا في بنغازي التي شهدت حربا دامت ثلاثة أعوام، انتهت قبل أشهر (2014-2017)، شارك فيها معظم شبابها، وها هم الآن يعيشون داخل المجتمع مع ما يحملونه من تشوهات نفسية أنتجتها الحرب”. واعتبر أن هؤلاء المحاربين “لن تردعهم قرارات أو مظاهرات عن فعل ما يطرب آذانهم ويهدئ نفوسهم”.
وأثار إطلاق النار في الهواء موجة كبيرة من السخط في بنغازي، خاصة بعد انتشار فيديو التقطته كاميرا أحد المقاهي بمنطقة شارع عشرين، يظهر مقتل شاب إثر سقوط رصاصة على قلبه، وهو وسط رفاقه الجالسين أمام المقهى.
ورغم تلك الموجة من السخط على الصعيدين الحكومي والمدني، إلا أن تلك الظاهرة استمرت، حيث كانت آخر ضحاياها الشابة فاطمة التاجوري، التي أصابتها رصاصة طائشة داخل سيارة عائلتها، في فبراير المنقضي، قبل خمسة أيام فقط من مراسم زفافها.
مقتل “عروس بنغازي”، كما سماها مواطنو المدينة الذين خرجوا في مظاهرات منددة بمقتلها، لم يمنع مطلقي الرصاص العشوائي في الهواء من ممارسة هوايتهم، حيث أصيبت، نهاية فبراير الماضي، الطفلة هناء المبروك (3 أعوام) برصاصة طائشة في الرأس أثناء تواجدها في المنزل بمنطقة حي الفاتح، في المدينة.
أما عن ضحايا تلك الظاهرة أو “الثقافة القاتلة”، كما يحب أن يسميها أهالي المدينة، فتقول الطبيبة سناء محمد إنها “لا تملك إحصائية عن عدد ضحايا تلك الجريمة”، لكنها تؤكد أن عدد “من قُتل بسبب الرصاص العشوائي فاق 25 شخصا”.
الطبيبة سناء أشارت أيضا إلى أن “مستشفى الجلاء وحده استقبل أكثر من 50 إصابة بسبب ذلك الرصاص، بين رجال ونساء وأطفال وشيوخ”.
وبخصوص الحل يقترح العميد المتقاعد في الشرطة محمد زيدان خيارين، الأول جمع الأسلحة، والثاني معاقبة المخالفين.
وأوضح زيدان أن “جمع السلاح أمر صعب، ويحتاج إلى خطة كبيرة ومحكمة، ووضع مستقر، وبالتالي فهو مستحيل في الوقت الحالي”. أما المقترح الثاني، المتعلق بفرض إجراءات رادعة ضد المخالفين، فيرى زيدان أنه “صعب” أيضا.
ويفسر العميد المتقاعد صعوبة تطبيق المقترح الثاني بأن معظم من يطلق الرصاص في الهواء شباب شاركوا قوات حفتر في القتال، وسجنهم الآن “سوف يُسوق له الطرف المضاد على أنه انشقاقات داخلية”، وأن قوات حفتر “تقضي على حلفائها بعد أن استخدمتهم في الحرب”.
وفي ظل صعوبة تطبيق أي مقترح من المقترحين، يرى العميد زيدان أن “الحل حاليا اجتماعي، حيث يجب أن تتم مشاركة زعماء القبائل التي ينتمي إليها أولئك الشباب لردعهم، إضافة إلى إطلاق خطة توعوية شاملة من شأنها أن تغير عقلية حامل السلاح، وتبين له فظاعة الجرم الذي يقترفه دون قصد”.
وما يسري في بنغازي هو ذاته الذي يسري في جميع المدن الليبية التي ينتشر فيها السلاح بشكل واسع، حيث أصبحت تلك الظاهرة “ثقافة قاتلة” تجتاح البلاد، وتحوّل الأفراح إلى أتراح، والمآتم إلى مآسٍ.


www.deyaralnagab.com